ولنا ، على وجوب الحد ، أمر الله تعالى ورسوله به ، وعلى تأخيره ، ما روى بشر بن أبي أرطاة ، أنه أتي برجل في الغزاة قد سرق بختية ، فقال : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { } لقطعتك . أخرجه لا تقطع الأيدي في الغزاة أبو داود وغيره . ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم . وروى سعيد ، في سننه بإسناده عن الأحوص بن حكيم ، عن أبيه ، أن كتب إلى الناس ، أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية رجلا من المسلمين حدا ، وهو غاز ، حتى يقطع الدرب قافلا ; لئلا تلحقه حمية الشيطان ، فيلحق بالكفار . وعن عمر مثل ذلك . أبي الدرداء
وعن ، قال : كنا في جيش في أرض علقمة الروم ، ومعنا ، وعلينا حذيفة بن اليمان يشرب الخمر ، فأردنا أن نحده ، فقال الوليد بن عقبة : أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم ، فيطمعوا فيكم . وأتي حذيفة سعد بأبي محجن يوم القادسية ، وقد شرب الخمر ، فأمر به إلى القيد ، فلما التقى الناس قال أبو محجن :
كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدودا علي وثاقيا
وقال لابنة حفصة امرأة : أطلقيني ، ولك الله علي إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد ، فإن قتلت ، استرحتم مني . قال : فحلته حين التقى الناس ، وكانت سعد جراحة ، فلم يخرج يومئذ إلى الناس . قال : وصعدوا به فوق بسعد العذيب ينظر إلى الناس ، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة ، فوثب أبو محجن على فرس يقال لها البلقاء ، ثم أخذ رمحا ، ثم خرج ، فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم ، وجعل الناس يقولون : هذا ملك ; لما يرونه يصنع ، وجعل لسعد يقول : الضبر ضبر البلقاء ، والطعن طعن سعد أبي محجن ، وأبو محجن في القيد . فلما هزم العدو ، رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد . فأخبرت ابنة حفصة بما كان من أمره ، فقال سعدا : لا والله ، لا أضرب اليوم رجلا أبلى الله المسلمين به ما أبلاهم . فخلى سبيله . فقال سعد أبو محجن : قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها ، فأما إذا بهرجتني ، فوالله لا أشربها أبدا . وهذا اتفاق لم يظهر خلافه .فأما إذا رجع ، فإنه يقام الحد عليه ; لعموم الآيات والأخبار ، وإنما أخر لعارض ، كما يؤخر لمرض أو شغل ، فإذا زال العارض ، أقيم الحد ، لوجود مقتضيه ، وانتفاء معارضه ، ولهذا قال : حتى يقطع الدرب قافلا . عمر