( 7640 ) مسألة قال وجملته أن الذين تقبل منهم الجزية صنفان ، أهل كتاب ، ومن له شبهة كتاب ، فأهل الكتاب ( ولا تقبل الجزية إلا من يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه ) اليهود والنصارى ومن دان بدينهم ، كالسامرة يدينون بالتوراة ، ويعملون بشريعة موسى عليه السلام ، وإنما خالفوهم في فروع دينهم .
وفرق النصارى من اليعقوبية ، والنسطورية ، والملكية ، والفرنج والروم ، والأرمن ، وغيرهم ، ممن دان بالإنجيل ، ومن عدا هؤلاء من الكفار ، فليس من أهل الكتاب ، بدليل قول الله تعالى : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } .
واختلف أهل العلم في الصابئين ، فروي عن أنهم جنس من أحمد النصارى . وقال في موضع آخر : بلغني أنهم يسبتون ، فهؤلاء إذا أسبتوا فهم من اليهود .
وروي عن ، أنه قال : هم يسبتون وقال عمر هم بين مجاهد اليهود والنصارى . وقال السدي والربيع هم من أهل الكتاب .
وتوقف في أمرهم والصحيح أنه ينظر فيهم ، فإن كانوا يوافقون أحد أهل الكتابين في نبيهم وكتابهم فهم منهم ، وإن خالفوهم في ذلك ، فليس هم من الشافعي أهل الكتاب [ ص: 264 ] ويروى عنهم أنهم يقولون : إن الفلك حي ناطق ، وإن الكواكب السبعة آلهة . فإن كانوا كذلك ، فهم كعبدة الأوثان .
وأما إبراهيم وشيث وزبور داود ، فلا تقبل منهم الجزية لأنهم من غير الطائفتين ، ولأن هذه الصحف لم تكن فيها شرائع ، إنما هي مواعظ وأمثال ، كذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم صحف أهل صحف إبراهيم وزبور داود في حديث . أبي ذر
وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم المجوس فإنه يروى أنه كان لهم كتاب فرفع ، فصار لهم بذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم ، وأخذ الجزية منهم .
ولم ينتهض في إباحة نكاح نسائهم ولا ذبائحهم دليل .
هذا قول أكثر أهل العلم ونقل عن أنهم من أبي ثور أهل الكتاب ، وتحل نساؤهم وذبائحهم .
لما روي عن رضي الله عنه أنه قال : أنا أعلم الناس علي بالمجوس ، كان لهم علم يعلمونه ، وكتاب يدرسونه ، وإن ملكهم سكر ، فوقع على بنته أو أخته ، فاطلع عليه بعض أهل مملكته ، فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد ، فامتنع منهم ، ودعا أهل مملكته ، وقال : أتعلمون دينا خيرا من دين آدم ، وقد أنكح بنيه بناته ، فأنا على دين آدم قال : فتابعه قوم ، وقاتلوا الذين يخالفونهم ، حتى قتلوهم ، فأصبحوا وقد أسري بكتابهم ، ورفع العلم الذي في صدورهم ، فهم أهل كتاب { وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراه قال : وأبو بكر - منهم الجزية وعمر } . رواه الشافعي وسعيد وغيرهما ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أهل الكتاب } . ولنا قول الله تعالى : { سنوا بهم سنة أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } . والمجوس من غير الطائفتين ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { أهل الكتاب } . سنوا بهم سنة
يدل على أنهم غيرهم وروى بإسناده عن البخاري بجالة ، أنه قال : ولم يكن أخذ الجزية من عمر المجوس ، حتى حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبد الرحمن بن عوف مجوس هجر ، } ولو كانوا أهل كتاب ، لما وقف أخذها من في أخذ الجزية منهم مع أمر الله تعالى بأخذ الجزية من عمر أهل الكتاب ، وما ذكروه هو الذي صار لهم به شبهة الكتاب .
وقد قال : لا أحسب ما رووه عن أبو عبيد في هذا محفوظا ، ولو كان له أصل ، لما حرم النبي صلى الله عليه وسلم نساءهم ، وهو كان أولى بعلم ذلك . ويجوز أن يصح هذا مع تحريم نسائهم وذبائحهم ، لأن الكتاب المبيح لذلك هو الكتاب المنزل على إحدى الطائفتين ، وليس هؤلاء منهم ، ولأن كتابهم رفع ، فلم ينتهض للإباحة ، ويثبت به حقن دمائهم . علي
فأما قول في حل ذبائحهم ونسائهم ، فيخالف الإجماع ، فلا يلتفت إليه ، وقوله عليه السلام : ( سنوا بهم سنة أبي ثور أهل الكتاب ) في أخذ الجزية منهم .
إذا ثبت هذا ، فإن أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس ثابت [ ص: 265 ] بالإجماع .
لا نعلم في هذا خلافا ، فإن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ذلك ، وعمل به الخلفاء الراشدون ، ومن بعدهم إلى زمننا هذا ، من غير نكير ولا مخالف ، وبه يقول أهل العلم من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر وغيرهم مع دلالة الكتاب على أهل الكتاب ودلالة السنة على أخذ الجزية من المجوس بما روينا من قول أخذ الجزية من المغيرة لأهل فارس : { } وحديث أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده ، أو تؤدوا الجزية بريدة وقول النبي صلى الله عليه وسلم { وعبد الرحمن بن عوف أهل الكتاب } ولا فرق بين كونهم عجما أو عربا . سنوا بهم سنة
وبهذا قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وقال وابن المنذر : لا تؤخذ أبو يوسف العرب لأنهم شرفوا بكونهم من رهط النبي صلى الله عليه وسلم ولنا عموم الآية ، { الجزية من إلى خالد بن الوليد دومة الجندل فأخذ أكيدر دومة فصالحه على الجزية وهو من العرب } رواه وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبو داود { نجران ، وهم عرب وبعث إلى معاذا اليمن ، فقال : إنك تأتي قوما أهل كتاب } متفق عليه . { وأخذ الجزية من نصارى } وكانوا عربا . وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا ،
قال ولم يبلغنا أن قوما من ابن المنذر العجم كانوا سكانا باليمن حيث وجه ولو كان ، لكان في أمره أن يأخذ من جميعهم من كل حالم دينارا ، دليل على أن معاذا العرب تؤخذ منهم الجزية .
وحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر من بعثه على سرية ، أن يدعو عدوه إلى أداء الجزية ، ولم يخص بها عجميا دون غيره ، وأكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بريدة العرب ، ولأن ذلك إجماع ، فإن رضي الله عنه أراد الجزية من نصارى عمر بني تغلب فأبوا ذلك وسألوه أن يأخذ منهم مثلما يأخذ من المسلمين ، فأبى ذلك عليهم ، حتى لحقوا بالروم ، ثم صالحهم على ما يأخذه منهم عوضا عن الجزية ، فالمأخوذ منهم جزية ، غير أنه على غير صفة جزية غيرهم ، وما أنكر أخذ الجزية منهم أحد ، فكان ذلك إجماعا .
وقد ثبت بالقطع واليقين أن كثيرا من نصارى العرب ويهودهم ، كانوا في عصر الصحابة في بلاد الإسلام ، ولا يجوز إقرارهم فيها بغير جزية ، فثبت يقينا أنهم أخذوا الجزية منهم ، وظاهر كلام أنه لا فرق بين من دخل في دينهم ، قبل تبديل كتابهم أو بعده ، ولا بين أن يكون ابن كتابيين ، أو ابن وثنيين ، أو ابن كتابي ووثني وقال الخرقي : من دخل في دينهم بعد تبديل كتابهم ، لم تقبل منه الجزية ، أبو الخطاب على وجهين . ومن ولد بين أبوين أحدهما تقبل منه الجزية ، والآخر لا تقبل منه ، فهل تقبل منه ؟
وهذا مذهب ولنا عموم النص فيهم ، ولأنهم من أهل دين تقبل من أهله الجزية ، فيقرون بها كغيرهم ، وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه ، من بذل الجزية والتزام أحكام الملة ، لأن الله تعالى أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية ، أي يلتزموا أداءها ، فما لم يوجد ذلك ، يبقوا على إباحة دمائهم وأموالهم . الشافعي