[ ص: 138 ] مسألة ; قال : ويحكم على الغائب ، إذا صح الحق عليه وجملته أن من ادعى حقا على غائب في بلد آخر ، وطلب من الحاكم سماع البينة ، والحكم بها عليه  ، فعلى الحاكم إجابته ، إذا كملت الشرائط . 
وبهذا قال  ابن شبرمة   ومالك  ، والأوزاعي  ،  والليث  ،  وسوار  ،  وأبو عبيد  ، وإسحاق  ،  وابن المنذر    . 
وكان  شريح  لا يرى القضاء على الغائب . وعن  أحمد  مثله . 
وبه قال  ابن أبي ليلى  ،  والثوري  ،  وأبو حنيفة  وأصحابه . وروي ذلك عن القاسم  ، والشعبي  إلا أن  أبا حنيفة  قال : إذا كان له خصم حاضر ، من وكيل أو شفيع ، جاز الحكم عليه . واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال  لعلي    : { إذا تقاضى إليك رجلان ، فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر ، فإنك تدري بما تقضي   } . قال الترمذي    : هذا حديث حسن صحيح . 
ولأنه قضاء لأحد الخصمين وحده ، فلم يجز ، كما لو كان الآخر في البلد ، ولأنه يجوز أن يكون للغائب ما يبطل البينة ، ويقدح فيها ، فلم يجز الحكم عليه . ولنا ، { أن هندا  قالت : يا رسول الله ، إن  أبا سفيان  رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي ؟ قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف   } . متفق عليه ، فقضى لها ، ولم يكن حاضرا ، ولأن هذا له بينة مسموعة عادلة ، فجاز الحكم بها . 
كما لو كان الخصم حاضرا ، وقد وافقنا  أبو حنيفة  في سماع البينة ، ولأن ما تأخر عن سؤال المدعي إذا كان حاضرا ، يقدم عليه إذا كان غائبا ، كسماع البينة . 
وأما حديثهم ، فنقول به إذا تقاضى إليه رجلان ، لم يجز الحكم قبل سماع كلامهما ، وهذا يقتضي أن يكونا حاضرين ، ويفارق الحاضر الغائب ، فإن البينة لا تسمع على حاضر إلا بحضرته ، والغائب بخلافه . وقد ناقض  أبو حنيفة  أصله ، فقال : إذا جاءت امرأة فادعت أن لها زوجا غائبا ، وله مال في يد رجل ، وتحتاج إلى النفقة ، فاعترف لها بذلك ، فإن الحاكم يقضي عليه بالنفقة ، ولو ادعى رجل على حاضر ، أنه اشترى من غائب ما فيه شفعة ، وأقام بينة بذلك ، حكم له بالبيع والأخذ بالشفعة ، ولو مات المدعى عليه ، فحضر بعض ورثته ، أو حضر وكيل الغائب ، وأقام المدعي بينة بذلك ، حكم له بما ادعاه . 
إذا ثبت هذا ، فإنه إن قدم الغائب قبل الحكم ، وقف الحكم على حضوره ، فإن جرح الشهود ، لم يحكم عليه ، وإن استنظر الحاكم ، أجله ثلاثا ، فإن جرحهم ، وإلا حكم عليه . وإن ادعى القضاء أو الإبراء ، فكانت له بينة برئ ، وإلا حلف المدعي ، وحكم له ، وإن قدم بعد الحكم ، فجرح الشهود بأمر كان قبل الشهادة ، بطل الحكم ، وإن جرحهم بأمر بعد أداء الشهادة أو مطلقا ، لم يبطل الحكم ، ولم يقبله الحاكم ; لأنه يجوز أن يكون بعد الحكم ، فلا يقدح فيه . وإن طلب التأجيل ، أجل ثلاثا ، فإن جرحهم ، وإلا نفذ الحكم . 
وإن ادعى القضاء ، أو الإبراء ، فكانت له به بينة وإلا حلف الآخر ، ونفذ الحكم . 
				
						
						
