( 8354 ) مسألة ; قال : ( وما تظاهرت به الأخبار ، واستقرت معرفته في قلبه ، شهد به ، كالشهادة على النسب والولادة ) هذا النوع الثاني من السماع ، وهو ما يعلمه بالاستفاضة . وأجمع أهل العلم على صحة . قال الشهادة بها في النسب والولادة : أما النسب فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه ، ولو منع ذلك لاستحالت معرفة الشهادة به ، إذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغيره ، ولا تمكن المشاهدة فيه ، ولو اعتبرت المشاهدة ، لما عرف أحد أباه ، ولا أمه ، ولا أحدا من أقاربه . وقال : قال الله تعالى : { ابن المنذر يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } .
واختلف أهل العلم ، غير النسب والولادة ، فقال أصحابنا : هو تسعة أشياء ; النكاح ، والملك المطلق ، والوقف ، ومصرفه ، والموت ، والعتق ، والولاء ، والولاية ، والعزل . وبهذا قال فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة ، وبعض أصحاب أبو سعيد الإصطخري . وقال بعضهم : لا تجوز في الوقف والولاء والعتق والزوجية ; [ ص: 165 ] لأن الشهادة ممكنة فيه بالقطع ، فإنها شهادة بعقد ، فأشبه سائر العقود . الشافعي
وقال : لا تقبل إلا في النكاح ، والموت ، ولا تقبل في الملك المطلق ; لأنها شهادة بمال ، أشبه الدين . وقال صاحباه : تقبل في الولاء ، مثل أبو حنيفة . ولنا ، أن هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها في الغالب بمشاهدتها ، أو مشاهدة أسبابها ، فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب . قال عكرمة مولى ابن عباس : ليس عندنا من يشهد على أحباس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالسماع . وقال مالك : السماع في الأحباس والولاء جائز . وقال مالك ، في رواية أحمد المروذي : اشهد أن دار بختان لبختان ، وإن لم يشهدك .
وقيل له : تشهد أن فلانة امرأة فلان ، ولم تشهد النكاح ؟ فقال : نعم ، إذا كان مستفيضا ، فأشهد أقول : إن صلى الله عليه وسلم وإن فاطمة ابنة رسول الله خديجة زوجاه ، وكل أحد يشهد بذلك من غير مشاهدة . فإن قيل : يمكنه العلم في هذه الأشياء بمشاهدة السبب . قلنا : وجود السبب لا يفيد العلم بكونه سببا يقينا ، فإنه يجوز أن يشتري ما ليس بملك البائع ، ويصطاد صيدا صاده غيره ، ثم انفلت منه ، وإن تصور ذلك ، فهو نادر وقول أصحاب وعائشة : تمكن الشهادة في الوقف باللفظ . لا يصح ; لأن الشهادة ليست بالعقود هاهنا ، وإنما يشهد بالوقف الحاصل بالعقد ، فهو بمنزلة الملك ، وكذلك يشهد بالزوجية دون العقد ، وكذلك الحرية والولاء ، وهذه جميعها لا يمكن القطع بها ، كما لا يمكن القطع بالملك ; لأنها مترتبة على الملك ، فوجب أن تجوز الشهادة فيها بالاستفاضة ، كالملك سواء . الشافعي
قال ليس عندنا من شهد على أحباس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على السماع . إذا ثبت هذا ، فكلام مالك أحمد ، يقتضي أن لا يشهد بالاستفاضة حتى تكثر به الأخبار ، ويسمعه من عدد كثير يحصل به العلم ; لقول والخرقي : فيما تظاهرت به الأخبار ، واستقرت معرفته في القلب . يعني حصل العلم به . وذكر الخرقي ، في " المجرد " أنه يكفي أن يسمع من اثنين عدلين ، ويسكن قلبه إلى خبرهما ; لأن الحقوق تثبت بقول اثنين . وهذا قول المتأخرين من أصحاب القاضي . والقول الأول هو الذي يقتضيه لفظ الاستفاضة ، فإنها مأخوذة من فيض الماء ; لكثرته ، ولأنه لو اكتفي فيه بقول اثنين ، لا يشترط فيه ما يشترط في الشهادة على الشهادة وإنما اكتفي بمجرد السماع . الشافعي