( 8361 ) فصل : في اللعب : ، فهو محرم ، أي لعب كان ، وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه ، ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته . وما خلا من القمار ، وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ، ولا من أحدهما ، فمنه ما هو محرم ، ومنه ما هو مباح ; فأما المحرم فاللعب بالنرد . وهذا قول كل لعب فيه قمار ، وأكثر أصحاب أبي حنيفة . وقال بعضهم : هو مكروه ، غير محرم . ولنا ، ما روى الشافعي أبو موسى ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } . وروى من لعب بالنردشير ، فقد عصى الله ورسوله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { بريدة } . رواهما : من لعب بالنردشير ، فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه أبو داود . وكان إذا مر على أصحاب النردشير ، لم يسلم عليهم . إذا ثبت هذا ، فمن تكرر منه اللعب به ، لم تقبل شهادته ، سواء لعب به قمارا أو غير قمار . وهذا قول سعيد بن جبير ، أبي حنيفة ، وظاهر مذهب ومالك . قال الشافعي : من مالك ، فلا أرى شهادته طائلة ; لأن الله تعالى قال : { لعب بالنرد والشطرنج فماذا بعد الحق إلا الضلال } . وهذا ليس من الحق ، فيكون من الضلال .
( 8362 ) فصل : فأما الشطرنج فهو كالنرد في التحريم ، إلا أن النرد آكد منه في التحريم ; لورود النص في تحريمه ، لكن هذا في معناه ، فيثبت فيه حكمه ، قياسا عليه . وذكر القاضي أبو الحسين ممن ذهب إلى تحريمه ; ، علي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وابن عباس [ ص: 172 ] وسعيد بن المسيب والقاسم ، وسالما ، وعروة ومحمد بن علي بن الحسين ، ، ومطرا الوراق . وهو قول ومالكا . وذهب أبي حنيفة إلى إباحته . الشافعي
وحكى ذلك أصحابه عن ، أبي هريرة ، وسعيد بن المسيب . واحتجوا بأن الأصل الإباحة ، ولم يرد بتحريمها نص ، ولا هي في معنى المنصوص عليه ، فتبقى على الإباحة . ويفارق الشطرنج النرد من وجهين ; أحدهما ، أن في الشطرنج تدبير الحرب ، فأشبه اللعب بالحراب ، والرمي بالنشاب ، والمسابقة بالخيل . والثاني ، أن المعول في النرد ما يخرجه الكعبتان ، فأشبه الأزلام ، والمعول في الشطرنج على حذقه وتدبيره ، فأشبه المسابقة بالسهام . ولنا ، قول الله تعالى : { وسعيد بن جبير إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } .
قال رضي الله عنه : الشطرنج من الميسر . ومر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج ، فقال : ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) . قال علي : أصح ما في الشطرنج ، قول أحمد رضي الله عنه . وروى علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { واثلة بن الأسقع إن الله عز وجل ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، ليس لصاحب الشاه فيها نصيب } . رواه أبو بكر بإسناده . ولأنه لعب يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ، فأشبه اللعب بالنرد .
وقولهم : لا نص فيها . قد ذكرنا فيها نصا ، وهي أيضا في معنى النرد المنصوص على تحريمه . وقولهم : إن فيها تدبير الحرب . قلنا : لا يقصد هذا منها ، وأكثر اللاعبين بها إنما يقصدون منها اللعب أو القمار . وقولهم : إن المعول فيها على تدبيره . فهو أبلغ في اشتغاله بها ، وصدها عن ذكر الله والصلاة . إذا ثبت هذا ، فقال : النرد أشد من الشطرنج . وإنما قال ذلك ; لورود النص في النرد ، والإجماع على تحريمها ، بخلاف الشطرنج . أحمد
وإذا ثبت تحريمها ، فقال : هو كالنرد في رد الشهادة به . وهذا قول القاضي ، مالك ; لأنه محرم مثله . وقال وأبي حنيفة أبو بكر : إن فعله من يعتقد تحريمه ، فهو كالنرد في حقه ، وإن فعله من يعتقد إباحته ، لم ترد شهادته ، إلا أن يشغله عن الصلاة في أوقاتها ، أو يخرجه إلى الحلف الكاذب ، ونحوه من المحرمات ، أو يلعب بها على الطريق ، أو يفعل في لعبه ما يستخف به من أجله ، ونحو هذا ، مما يخرجه عن المروءة . وهذا مذهب ; وذلك لأنه مختلف فيه ، فأشبه سائر المختلف فيه . الشافعي