( 1230 ) مسألة ; قال : ( وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا ، أو ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي ، فله أن يقصر ) . قال  الأثرم    : قيل  لأبي عبد الله    : في كم تقصر الصلاة ؟ قال : في أربعة برد . قيل له : مسيرة يوم تام ؟ قال : لا . أربعة برد ، ستة عشر فرسخا ، ومسيرة يومين . 
فمذهب  أبي عبد الله  أن القصر لا يجوز في أقل من ستة عشر فرسخا ، والفرسخ : ثلاثة أميال ، فيكون ثمانية وأربعين ميلا ، قال  القاضي    : والميل : اثنا عشر ألف قدم ، وذلك مسيرة يومين قاصدين . وقد قدره  ابن عباس  ، فقال : من عسفان  إلى مكة  ومن الطائف  إلى مكة  ومن جدة  إلى مكة    . 
وذكر صاحب المسالك ، أن من دمشق  إلى القطيفة  أربعة وعشرين ميلا ، ومن دمشق  إلى الكسوة  اثنا عشر ميلا ، ومن الكسوة  إلى جاسم  أربعة وعشرين ميلا . فعلى هذا تكون مسافة القصر  يومين قاصدين . وهذا قول  ابن عباس   وابن عمر    . وإليه ذهب  مالك  ،  والليث  ،  والشافعي  ، وإسحاق    . وروي عن  ابن عمر  أنه كان يقصر في مسيرة عشرة فراسخ ، قال  ابن المنذر    : ثبت أن  ابن عمر  كان يقصر إلى أرض له ، وهي ثلاثون ميلا . 
وروي نحو ذلك عن  ابن عباس  ، فإنه قال : يقصر في اليوم ، ولا يقصر فيما دونه . وإليه ذهب الأوزاعي    . وقال : عامة العلماء يقولون : مسيرة يوم تام . وبه نأخذ . ويروى عن  ابن مسعود  ، أنه يقصر في مسيرة ثلاثة أيام . وبه قال  [ ص: 48 ]  الثوري   وأبو حنيفة  لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن   } . 
وهذا يقتضي أن كل مسافر له ذلك ، ولأن الثلاثة متفق عليها ، وليس في أقل من ذلك توقيف ولا اتفاق . وروي عن جماعة من السلف  ، رحمة الله عليهم ، ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم ، فقال الأوزاعي    : كان  أنس  يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ . وكان قبيصة بن ذؤيب  ، وهانئ بن كلثوم  ،  وابن محيريز  يقصرون فيما بين الرملة  وبيت المقدس    . 
وروي عن  علي  رضي الله عنه أنه خرج من قصره بالكوفة  حتى أتى النخيلة  فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه ، فقال : أردت أن أعلمكم سنتكم . وعن  جبير بن نفير  ، قال : { خرجت مع شرحبيل بن السمط  إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلا ، أو ثمانية عشر ميلا ، فصلى ركعتين ، فقلت له ، فقال : رأيت  عمر بن الخطاب  يصلي بالحليفة  ركعتين ، وقال : إنما فعلت كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل   } . رواه  مسلم  
وروي { أن  دحية الكلبي  خرج من قرية من دمشق  مرة إلى قدر ثلاثة أميال في رمضان ، ثم إنه أفطر ، وأفطر معه أناس ، وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع إلى قريته ، قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه ، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول ذلك للذين صاموا قبل   } رواه أبو داود .  وروى سعيد  ، ثنا هاشم  عن أبي هارون العبدي  عن  أبي سعيد الخدري  ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا قصر الصلاة   } . وقال  أنس    : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال ، أو ثلاثة فراسخ ، صلى ركعتين   } .  شعبة  الشاك . رواه  مسلم    . وأبو داود    . 
واحتج أصحابنا بقول  ابن عباس   وابن عمر  ، قال  ابن عباس    : يا أهل مكة  ، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من عسفان  إلى مكة    . قال  الخطابي    : وهو أصح الروايتين عن  ابن عمر    . 
ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر ، من الحل والشد ، فجاز القصر فيها ، كمسافة الثلاث ، ولم يجز فيما دونها ; لأنه لم يثبت دليل يوجب القصر فيه . وقول :  أنس    : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال ، أو ثلاثة فراسخ ، صلى ركعتين . يحتمل أنه أراد به إذا سافر سفرا طويلا قصر إذا بلغ ثلاثة أميال . كما قال في لفظه الآخر {   : إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة  أربعا ، وبذي الحليفة  ركعتين   } . 
قال  المصنف    : ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة ، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ، ولا حجة فيها مع الاختلاف . وقد روي عن  ابن عباس  ،  وابن عمر  ، خلاف ما احتج به أصحابنا . 
ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه ; لوجهين : أحدهما ، أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها ، ولظاهر القرآن ; لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض ، لقوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة    } . وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن  يعلى بن أمية    . فبقي ظاهر الآية متناولا كل ضرب في الأرض . 
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { يمسح المسافر ثلاثة أيام   } . جاء لبيان أكثر مدة المسح ، فلا يصح الاحتجاج به هاهنا ، وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفرا ، فقال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم   } . 
والثاني :  [ ص: 49 ] أن التقدير بابه التوقيف ، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد ، سيما وليس له أصل يرد إليه ، ولا نظير يقاس عليه ، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر ، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه . ( 1231 ) فصل : وإذا كان في سفينة في البحر  ، فهو كالبر ، إن كانت مسافة سفره تبلغ مسافة القصر ، أبيح له ، وإلا فلا ، سواء قطعها في زمن طويل أو قصير ، اعتبارا بالمسافة وإن شك هل السفر مبيح للقصر أو لا  ؟ لم يبح له ; لأن الأصل وجوب الإتمام ، فلا يزول بالشك . 
وإن قصر ، لم تصح صلاته ، وإن تبين له بعدها أنه طويل ; لأنه صلى شاكا في صحة صلاته ، فأشبه ما لو صلى شاكا في دخول الوقت . 
				
						
						
