لم تحصر الكتابات المبكرة عن النظام المصرفي الإسلامي نفسها في نموذج واحد، بل تعددت النماذج كما سبق أن شرحنا إلى:
- الجمعيات والشركات التعاونية (حميد الله: 1944م).
- البنوك الحكومية التي تقدم خدمات مصرفية مجانية (قريشي: 1945م)
- البنوك المتخصصة في الزراعة والصناعة والإسكان والتجارة... إلخ (إرشاد 1965م، العربي 1965م، الدراسة المصرية 1972م).
- البنوك الدولية والتنموية والاستثمارية (الدراسة المصرية 1972).
ورغم هـذا التعدد في النماذج الممكنة، إلا أن الاتجاه الغالب في البنوك الإسلامية التي قامت حتى الآن هـو البنوك التجارية التي تأخذ شكل الشركات المساهمة.
ولا يخرج عن هـذه الصورة سوى:
1 - بنك التنمية الإسلامي، وهو مؤسسة دولية حكومية تشارك فيها الدول الإسلامية، وتهتم أساس بتمويل مشروعات البنية الأساسية مقابل رسم خدمة لتغطية مصاريفه.
2 - بنك ناصر الاجتماعي وهو مؤسسة حكومية تهتم أساسا بالخدمات الاجتماعية مثل جمع وصرف الزكاة، وتقديم القروض.
3 - البنوك الباكستانية والإيرانية وهي مملوكة للدولة، ولكنها تقدم خدماتها المصرفية بمقابل؛ شان البنوك التجارية المساهمة.
ولم يقف أمر الانحصار في نموذج واحد متكرر عند حد الاتجاه العملي، بل وجدت آراء ترى أن التخصص غير وارد في البنوك الإسلامية، وأن شمولها [ ص: 175 ] وعموميتها انعكاس لشمولية وتكامل الإسلام، وهو قول لا يستند إلى نص أو مصلحة.
ويمكننا توضيح النقص النوعي في خريطة انتشار البنوك الإسلامية على النحو التالي:
(أ) انعدام البنوك التعاونية، وهي البنوك التي تأخذ صورة الشركة أو الجمعية التعاونية حيث لا يوجد مواجهة بين مصلحتين: مصلحة المساهمين أصحاب رأس المال ومصلحة المودعين أو العملاء، وقد حاولت النصوص المبكرة للنظام الأساسي للبنك الإسلامي أن تسوى بين المساهمين والمودعين [المادة (56) من نظام بنك دبي الإسلامي، المادة (52) من نظام بنك دبي البحرين الإسلامي، المادة (46) من نظام بيت التمويل الكويتي] ولكن هـذه التسوية لم تتم عمليا لاختلاف طبيعة علاقة كل من المساهمين والمودعين بالمؤسسة.
وكانت النية متجهة أصلا في النماذج المبكرة إلى اخذ صورة الشركة التعاونية، ولكن حال دون ذلك أن قوانين البلاد العربية تمنع أن يقوم بأنشطة البنوك والتأمين والاستثمار سوى الشركات التجارية المساهمة، مما يستتبع صورة الشركات التعاونية؛ رغم أن التشريعات الأوروبية التي استمدت منها هـذه القوانين العربية لا تمنع قيام بنوك أو شركات تأمين أو استثمار في صورة تعاونية، وأن كثيرا من الشركات الكبرى التي تمارس هـذه الأنشطة في الغرب هـي شركات تعاونية.
أن الميزة الكبرى للصورة التعاونية – بالإضافة إلى عدم تعارض مصلحتين - هـو أن كل مساهم فيها له صوت واحد مهما كان عدد الأسهم التي يحملها؛ بخلاف الشركات التجارية المساهمة حيث يتمتع أصحاب الأسهم الكثيرة بعدد من الأصوات يتناسب مع عدد أسهمهم، ويمكنهم ذلك من السيطرة على البنك وتوجيهه وفق ما يريدون. [ ص: 176 ] وقد نادى البروفسور علي سولياك في كتيب نشره بأهمية الصورة التعاونية وأنها الصورة الوحيدة للبنك الإسلامي، وما عداها ليس إلا صورة رأس مالية تحمل اسما إسلاميا.
(ب) انعدام البنوك الحكومية التي تقدم الخدمات المصرفية مجانا أو مقابل رسوم خدمة رمزية شأن المرافق الخدمية الأخرى التي تقوم بها الدولة.
وطبيعي أنه ليس من المتوقع أن تقوم البنوك التي نشأت بمبادرة من القطاع الخاص بهذه الخدمات المجانية؛ إذ إنها أخذت صورة الشركات المساهمة التي يتوقع المساهمون فيها عائدا على رأس مالهم، ولكن التساؤل يطرح بالنسبة للدول التي حولت نظامها المصرفي بأكمله إلى النظام الإسلامي كباكستان وإيران ، والتي تتملك الدولة معظم البنوك القائمة فيها، ومع ذلك لم تتجه إلى تخطيط نظامها المصرفي الإسلامي على أساس مشابه لما تدير به باقي مرافق الدولة الخدمية.
(جـ) انعدام بنوك التنمية المحلية وبنوك الاستثمار المتخصصة: فباستثناء بنك التنمية الإسلامي الذي يقوم بتمويل مشروعات البنية الأساسية في الدول الإسلامية، تظل الساحة خالية من بنوك تنموية محلية تقوم بتمويل مشروعات التنمية الإنتاجية للأفراد والشركات والمشروعات العامة الصغيرة، والتي تنصرف البنوك التجارية - محقة - عن تمويلها بسبب طبيعة تركيب مواردها من ودائع قصيرة الأجل وحسابات جارية لا تصلح أن تجمد في مشروعات طويلة الأجل أو في مساهمات دائمة.
ومع ذلك فقد ساهمت البنوك الإسلامية التجارية - على تفاوت بينها في ذلك - في التمويل الطويل والمتوسط الأجل:
فمن ميزانية بنك دبي الإسلامي عن 1984م، يتضح أن استثماراته في رءوس أموال الشركات وفي العقار كانت على النحو التالي: [ ص: 177 ]
ومن ميزانية بيت التمويل الكويتي عن 1984م، يتضح أن استثماراته في رءوس أموال الشركات وفي العقار كانت على النحو التالي:
[ ص: 178 ]
أما في ميزانية بنك فيصل المصري عن سنة 1404هـ (1984م) فان نسبة المساهمة في رءوس أموال الشركات والعقار قد بلغت 5% (95.5 مليون دولار من إجمالي 1837.5 مليون).
ولعل حالة بيت التمويل الكويتي بالذات تظهر مدى الحاجة إلى قيام بنوك إسلامية متخصصة في مجالات الاستثمار الطويلة والمتوسطة والتي تخطط مواردها بما يناسب طبيعة هـذه الاستثمارات.
(د) انعدام البنوك الدولية التي تعمل على الساحة الدولية لترتيب خدمات المراسلين للبنوك الإسلامية، ولاستثمار السيولة المتوافرة لدى بعض البنوك في سد حاجة بعضها الأخر، وبينها وبين البنوك العالمية...
وقد اقترح بعض الاقتصاديين قيام هـذه البنوك بدور البنوك المركزية، وهو اقتراح بعض الاقتصاديين قيام هـذه البنوك المركزية على البنوك العاملة يتعارض مع صفة السيادة التي تتمتع بها البنوك المركزية على البنوك العاملة كافة في إقليمها وما يرتبط بذلك من امتياز إصدار النقود، والرقابة على القطاع المصرفي.. إلى غير ذلك مما لا يتصور قيام غير البنوك المركزية به.
ولم يمكن قيام بنك التنمية الإسلامي بهذا الدور للطبيعة التنموية الغالبة على نشاطه، كما لم يمكن لأي من المصرف الإسلامي الدولي في الدانمرك أو شركة (البركة) الدولية المحدودة في لندن سد هـذه الثغرة لصغر حجمهما عما يتطلبه هـذا العبء من حجم رأس مالي مناسب.
وقد حاولت مجموعة من البنوك الإسلامية إقامة مثل هـذا البنك الدولي ولكن لم تؤد هـذه المحاولات إلى نتيجة حتى الآن. /402 179 /40