( باب )   ( آداب المشي إلى الصلاة )  أي : التوجه إليها والخروج لها ، وما يتعلق به من الأحكام ( يستحب الخروج إليها ) أي : الصلاة ( متطهرا بخوف وخشوع ) لحديث  كعب بن عجرة  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ، ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة   } رواه أبو داود . 
( و ) يستحب ( أن يقول إذا خرج من بيته ولو لغير صلاة : بسم الله ، آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل ) بالبناء للفاعل ( أو أضل ) بالبناء للمفعول من الضلال وهو ضد الهداية ( أو أزل أو أزل ) من الزلل ( أو أظلم أو أظلم ) من الظلم ، وهو الجور ( أو أجهل ، أو يجهل علي ) من الجهل وهو إدراك الشيء على خلاف ما هو به ، والفعل الأول في الكل مبني للفاعل والثاني للمفعول ( و ) يستحب ( أن يمشي إليها ) أي : الصلاة ( بسكينة ووقار ) بفتح الواو . 
وقال  القاضي عياض   والقرطبي    : هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد وقال النووي    : الظاهر أن بينهما فرقا ، وأن السكينة التأني في الحركات ، واجتناب العبث ، والوقار في الهيئة كغض الطرف ، وخفض الصوت ، وعدم الالتفات والأصل في ذلك : حديث الصحيح { إذا سمعتم الإقامة فامشوا  [ ص: 325 ] وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا   } . 
( و ) يستحب أن ( يقارب خطاه ) لتكثر حسناته فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لحديث  زيد بن ثابت  قال { أقيمت الصلاة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا معه ، فقارب في الخطى ، ثم قال : تدري لم فعلت هذا ؟ لتكثر خطاي في طلب الصلاة   } ( ويكره أن يشبك بين أصابعه من حين ) . 
وفي نسخة من حيث ( يخرج ) من بيته قاصدا المسجد لخبر كعب بن عجرة وتقدم ( وهو ) أي : التشبيك بين الأصابع    ( في المسجد أشد كراهة ) لحديث  أبي سعيد  أنه صلى الله عليه وسلم قال { إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه   } رواه  أحمد    . 
قال بعض العلماء إذا كان ينتظر الصلاة ، جمعا بين الأخبار فإنه ورد أنه { لما انتقل صلى الله عليه وسلم من الصلاة التي سلم قبل إتمامها شبك بين أصابعه   } . 
( و ) تشبيك الأصابع ( في الصلاة أشد وأشد ) كراهة لقول  كعب بن عجرة    " إن النبي صلى الله عليه وسلم { رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج صلى الله عليه وسلم بين أصابعه   } رواه الترمذي   وابن ماجه  وقال  ابن عمر  في الذي يصلي وهو مشبك " تلك صلاة المغضوب عليهم " ( يسن أن يقول مع ما تقدم ) ذكره إذا خرج من بيته ما روى  أبو سعيد  قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { من خرج من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وحق ممشاي هذا ، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا   } قال  الجوهري    : البطر الأشر وهو شدة المرح ، . 
والمرح شدة الفرح والنشاط ( { ولا رياء ولا سمعة   } ) الرياء : إظهار العمل للناس ، ليروه ويظنوا به خيرا والسمعة : إظهار العمل ليسمعه الناس ( { خرجت اتقاء سخطك   } ) أي غضبك { وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه ، واستغفر له سبعون ألف ملك   } " رواه  أحمد   وابن ماجه  ، وأن يقول : ( اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك ، وأقرب من توسل إليك ، وأفضل من سألك ورغب إليك ، اللهم اجعل في قلبي نورا ) أي : عظيما كما يفيده التنكير . 
( وفي قبري نورا ، وفي لساني ) أي : نطقي ( نورا ) استعارة للعلم والهدى ( وفي سمعي نورا ) ليتحلى بأنواع المعارف ، ويتجلى له بصنوف الحقائق ( وفي بصري نورا ) لينكشف به الحق . 
( وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، وأمامي نورا ، وخلفي نورا ، وفوقي نورا وتحتي نورا ) لأكون محفوفا بالنور من جميع الجهات ، وإيذانا بتجاوز النور عن قلبه  [ ص: 326 ] وسمعه وبصره إلى سائر جهاته ، ليهتدي كل أتباعه . 
( وفي عصبي نورا ، وفي لحمي نورا ، وفي دمي نورا ، وفي شعري نورا ، وفي بشري ) أي : جلدي ( نورا ، وفي نفسي ) أي : ذاتي ( نورا ) أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها ( وأعظم لي نورا ) أي : أجذل من عطائك نورا عظيما لا يكتنه كنهه ( واجعل لي نورا ، اللهم أعطني نورا ، وزدني نورا ) . 
روي عن  ابن عباس    { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول : اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي لساني نورا ، واجعل في بصري نورا ، واجعل من خلفي نورا ، ومن أمامي نورا ، واجعل فوقي نورا ومن تحتي نورا وأعطني نورا   } رواه  مسلم    . 
( وإن سمع الإقامة لم يسع ) قال في المصباح : سعى في مشيه ، هرول وعدا في مشيه عدوا ، من باب قال قارب الهرولة وهو دون الجري وذلك لخبر  أبي هريرة  وتقدم ( فإن طمع في إدراك التكبيرة الأولى ، وهو أن يدرك الصلاة ) أي : موقفه للصلاة ( قبل ) أن يكبر الإمام ( تكبيرة الإحرام ليكون خلف الإمام إذا كبر للافتتاح فلا بأس أن يسرع شيئا ، ما لم تكن عجلة تقبح ) نص عليه . 
واحتج بأنه جاء عن الصحابة وهم مختلفون ( وإن خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية فلا ينبغي أن يكره ) له ( الإسراع لأن ذلك لا ينجبر إذا فات هذا معنى كلام الشيخ  في شرح العمدة . 
وتأتي فضيلة إدراك التكبيرة الأولى في ) باب ( صلاة الجماعة فإذا دخل المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى ) في الدخول  ، لما تقدم { أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله وأن يقول عند دخول المسجد بسم الله   } رواه أبو داود    { أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم : من الشيطان الرجيم   } رواه أبو داود  لكن ليس فيه { وسلطانه القديم   } . 
{ الحمد لله   } رواه  ابن السني  في عمل اليوم والليلة ( { اللهم صل وسلم على محمد   } ) رواه أبو داود  وليس فيه " وسلم " { اللهم اغفر لي ذنوبي   } رواه  ابن السني  في عمل اليوم والليلة { وافتح لي أبواب رحمتك   } رواه  مسلم    . 
{ وإذا خرج قدم رجله اليسرى في الخروج من المسجد وقال بسم الله ، اللهم صل وسلم على محمد  اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ويقول أيضا : اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده   } لما روى  ابن السني  في عمل اليوم والليلة عن أبي أمامة  مرفوعا قال { إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس واجتلبت إليه كما يجتمع النحل على يعسوبها فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل : اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده فإنها لم تضره   } . 
واليعسوب : ذكر النحل وقيل : أميرها . 
( فإذا  [ ص: 327 ] دخل المسجد لم يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد ، إن كان في غير وقت نهي ويأتي ) ذلك ( آخر الجمعة ) لحديث  أبي قتادة  مرفوعا { إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين   } متفق عليه . 
( ويجلس مستقبل القبلة لأنه خير المجالس ) للخبر ( ولا يفرقع أصابعه ) لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة ( ويشتغل بالطاعة من الصلاة والقراءة والذكر أو يسكت ) إن لم يشتغل بذلك والاشتغال بذلك أفضل . 
( ويكره أن يخوض في حديث الدنيا ) فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما في الخبر ( فما دام كذلك ) أي : مشتغلا بالصلاة والذكر أو ساكتا منتظرا للصلاة ( فهو في صلاة والملائكة تستغفر له ما لم يؤذ أو يحدث ) للخبر . 
				
						
						
