المبحث الثاني: كتاب (أهل نجران)
والشراكة المدنية الحقيقية
في أول احتكاك بين الدولة الإسلامية الأولى وبين النصارى، عندما اتسعت دائرة حدودها فشملت رعية نصرانية - هم نصارى نجران - كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا وتعاقدا دستوريا قنن فيه هذه التعددية الدينية في رعية الدولة، وخاصة أن الروم كانوا يغدقون العطايا على مبشريهم هناك، ويبنون لهم الكنائس ويبسطون لهم الكرامات ويشجعونهم على المضي في تنصير القبائل في ظل حروب طاحنة بين المسلمين والرومان، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران كتابا
[1] .
ومما نص عليه: اشتراطه عليهم أمورا يجب عليهم في دينهم التمسـك بها والوفاء بما عاهدهم عليه، ومنها:
ألا يكون أحد منهم عينا ولا رقيبا من أهل الحرب على أحد من المسلمين في سره وعلانيته، ولا يأوي منازلهم عدوا للمسلمين يريد به أخذ الفرصة وانتهاء الوثبة، ولا ينـزلوا أوطانهم ولا ضياعهم ولا شيئا من مساكن عباداتهم ولا غيرهم من أهل الملة، ولا يرفدوا -يساعدوا- أحدا من أهل الحرب على المسلمين بتقوية لهم بسلاح ولا خيل ولا رجال ولا غيرهم
[ ص: 56 ] ولا يصانعوهم.. وإن احتيج إلى إخفاء أحد من المسلمين عندهم وعند منازلهم ومواطن عباداتهم أن يؤووهم ويرفدوهـم ويواسـوهم فيما يعيشوا به ما كانوا مجتمعين، وأن يكتموا عليهم، ولا يظهروا العدو على عوراتهم ولا يخلوا شيئا من الواجب عليهم
[2] .
وخلاصة الرسالة:
جعل (الآخر) يحافظ على اختلافه ومغايرته، بل حراسة هذه المغايرة وهذا الاختلاف والذود عنهما وحمايتهما، بجعل هذا (الآخر الداخلي) جزءا من (الذات) الحضارية، أي (الأمة الواحدة)، ورعية الدولة الواحدة.
ويعتبر هذا كله جزءا من الاعتقاد الإسلامي والتكليف الإلهي والسنة النبوية والسياسة الشرعية وعهد الله وميثاقه، وليس منة أو هبة من المسلمين، وليس مجرد حق من حقوق الإنسان يمنحه حاكم ويمنعه آخرون
[3] .
وخلاصة التجربة التاريخية الإسلامية في العلاقة مع (الآخر) تضعنا أمام قاعدة ذهبية في تدبير الاجتماع الإنساني: «البر قاعدة التعامل مع الآخرين»،
والذي تؤطره الآية الكريمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8 ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة : 8)،
ولذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجسد مثال المرونة والحكمة التي انطلقت الدعوة في خطها المستقيم... وهذا ما يجعل المجتمع الإسلامي متميزا عن غيره
[ ص: 57 ] من المجتمعات الأخرى لكونه تجسيدا لعقيدة وشريعة حضارية. ولكن هذا التمايز لا يعني الانغلاق ونبذ (الآخر)، إنه تمايز لحفظ الشخصية الرسالية من الذوبان، فهو تمايز تفرضه طبيعة المجتمع الإسلامي ومهمته الرسالية، وليس تمايزا ناشئا عن التعصب العرقي أو الديني أو ناشئا عن البغضاء
[4] ، لذلك فالإنكار لـ (الآخر) واحتقاره واضطهاده وتجريده من الإنسانية وحقوقها صنعته (الحضارة) في طورها الروماني
[5] ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى ودينهم واحد »
[6] .
بهذا الأفق الإسلامي السمح احتضن الإسلام الكل، وجعل الإيمان فيه شاملا لكل ما أوحت به السماء على مر تاريخ الوحي إلى كل الرسل والأنبياء.. وبذلك ولأول مرة في التاريخ، جعل الإسلام (الآخر) جزءا من (الذات) فتجاوز بهذا المستوى غير المسبوق في السماحة مجرد الاعتراف بالآخرين والقبول بـ (الآخرين)
[7] .
[ ص: 58 ]
المبحث الثاني: كتاب (أهل نجران)
والشراكة المدنية الحقيقية
في أول احتكاك بين الدولة الإسلامية الأولى وبين النصارى، عندما اتسعت دائرة حدودها فشملت رعية نصرانية - هم نصارى نجران - كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدًا وتعاقدًا دستوريًا قنن فيه هذه التعددية الدينية في رعية الدولة، وخاصة أن الروم كانوا يغدقون العطايا على مبشريهم هناك، ويبنون لهم الكنائس ويبسطون لهم الكرامات ويشجعونهم على المضي في تنصير القبائل في ظل حروب طاحنة بين المسلمين والرومان، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران كتابًا
[1] .
ومما نص عليه: اشتراطه عليهم أمورًا يجب عليهم في دينهم التمسـك بها والوفاء بما عاهدهم عليه، ومنها:
ألاَّ يكون أحد منهم عينًا ولا رقيبًا من أهل الحرب على أحد من المسلمين في سره وعلانيته، ولا يأوي منازلهم عدوًا للمسلمين يريد به أخذ الفرصة وانتهاء الوثبة، ولا ينـزلوا أوطانهم ولا ضياعهم ولا شيئًا من مساكن عباداتهم ولا غيرهم من أهل الملة، ولا يرفدوا -يساعدوا- أحدًا من أهل الحرب على المسلمين بتقوية لهم بسلاح ولا خيل ولا رجال ولا غيرهم
[ ص: 56 ] ولا يصانعوهم.. وإن احتيج إلى إخفاء أحد من المسلمين عندهم وعند منازلهم ومواطن عباداتهم أن يؤووهم ويرفدوهـم ويواسـوهم فيما يعيشوا به ما كانوا مجتمعين، وأن يكتموا عليهم، ولا يظهروا العدو على عوراتهم ولا يخلوا شيئًا من الواجب عليهم
[2] .
وخلاصة الرسالة:
جعل (الآخر) يحافظ على اختلافه ومغايرته، بل حراسة هذه المغايرة وهذا الاختلاف والذود عنهما وحمايتهما، بجعل هذا (الآخر الداخلي) جزءًا من (الذات) الحضارية، أي (الأمة الواحدة)، ورعية الدولة الواحدة.
ويعتبر هذا كله جزءًا من الاعتقاد الإسلامي والتكليف الإلهي والسنة النبوية والسياسة الشرعية وعهد الله وميثاقه، وليس منة أو هبة من المسلمين، وليس مجرد حق من حقوق الإنسان يمنحه حاكم ويمنعه آخرون
[3] .
وخلاصة التجربة التاريخية الإسلامية في العلاقة مع (الآخر) تضعنا أمام قاعدة ذهبية في تدبير الاجتماع الإنساني: «البر قاعدة التعامل مع الآخرين»،
والذي تؤطره الآية الكريمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8 ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (الممتحنة : 8)،
ولذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجسد مثال المرونة والحكمة التي انطلقت الدعوة في خطها المستقيم... وهذا ما يجعل المجتمع الإسلامي متميزًا عن غيره
[ ص: 57 ] من المجتمعات الأخرى لكونه تجسيدًا لعقيدة وشريعة حضارية. ولكن هذا التمايز لا يعني الانغلاق ونبذ (الآخر)، إنه تمايز لحفظ الشخصية الرسالية من الذوبان، فهو تمايز تفرضه طبيعة المجتمع الإسلامي ومهمته الرسالية، وليس تمايزًا ناشئًا عن التعصب العرقي أو الديني أو ناشئًا عن البغضاء
[4] ، لذلك فالإنكار لـ (الآخر) واحتقاره واضطهاده وتجريده من الإنسانية وحقوقها صنعته (الحضارة) في طورها الروماني
[5] ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ »
[6] .
بهذا الأفق الإسلامي السمح احتضن الإسلام الكل، وجعل الإيمان فيه شاملًا لكل ما أوحت به السماء على مر تاريخ الوحي إلى كل الرسل والأنبياء.. وبذلك ولأول مرة في التاريخ، جعل الإسلام (الآخر) جزءًا من (الذات) فتجاوز بهذا المستوى غير المسبوق في السماحة مجرد الاعتراف بالآخرين والقبول بـ (الآخرين)
[7] .
[ ص: 58 ]