[ ص: 48 ] مسألة : فرض ولا بد لو لقمة فصاعدا ، وفرض عليه أن على كل مضح أن يأكل من أضحيته قل أو كثر ولا بد ، ومباح له أن يتصدق أيضا منها بما شاء ، وأن يطعم منها الغني ، والكافر . يهدي منها إن شاء ذلك
فإن جاز للمضحي أن يأكل من أضحيته من حين يضحي بها إلى انقضاء ثلاث ليال كاملة مستأنفة يبتدئها بالعدد من بعد تمام التضحية ثم لا يحل له أن يصبح في منزله منها بعد تمام الثلاث ليال شيء أصلا - لا ما قل ولا ما كثر . نزل بأهل بلد المضحي جهد أو نزل به طائفة من المسلمين في جهد
فإن ضحى ليلا لم يعد تلك الليلة في الثلاث ; لأنه تقدم منها شيء ; فإن لم يكن شيء من هذا فليدخر منها ما شاء .
روينا من طريق نا البخاري - عن أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد زيد بن أبي عبيد عن قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { سلمة بن الأكوع } . من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء ; فلما كان العام المقبل قالوا : يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي ؟ قال : كلوا ، وأطعموا ، وادخروا ، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها
ومن طريق عن مالك عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم " أن عمرة بنت عبد الرحمن قالت له سمعت تقول : إنهم قالوا : { عائشة أم المؤمنين قال عليه السلام : بعد كلوا ، وادخروا ، وتصدقوا لحوم الضحايا بعد ثلاث } . يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون فيها الودك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قالوا : نهيت أن تؤكل
فهذه أوامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل خلافها قال تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } . [ ص: 49 ]
ومن ادعى أنه ندب فقد كذب ، وقفا ما لا علم له به ويكفيه أن جميع الصحابة رضي الله عنهم لم يحملوا نهيه عليه السلام عن أن يصبح في بيوتهم بعد ثلاث منها شيء إلا على الفرض ولم يقدموا على مخالفته إلا بعد إذنه ، ولا فرق بين الأمر والنهي ، قال عليه السلام : { إذا نهيتكم عن شيء فاتركوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم } وعم عليه السلام بالإطعام فجائز أن يطعم منه كل آكل ، إذ لو حرم من ذلك شيء لبينه عليه السلام { وما كان ربك نسيا } ، { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وادخار ساعة فصاعدا يسمى ادخارا .
والعجب كله ممن يستخرج بعقله القاصر ورأيه الفاسد عللا لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله عليه السلام لا برهان له بها إلا دعواه الكاذبة ، ثم يأتي إلى حكم جعله عليه السلام موجبا لحكم آخر فلا يلتفت إليه ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهد الحال بالناس موجبا لئلا يبقى عند أحد من أضحيته شيء بعد ثالثة فلم يلتفتوا إلى ذلك ونعوذ بالله من هذا .
فإن ذكروا ما روينا من طريق عن إبراهيم الحربي عن الحكم بن موسى الوليد عن طلحة بن عمرو عن عن عطاء { ابن مسعود أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأكل منها ثلثا ونتصدق بثلثها ونطعم الجيران ثلثها } . مشهور بالكذب الفاضح ، فطلحة لم يدرك وعطاء ولا ولد إلا بعد موته ، ولو صح لقلنا به مسارعين إليه ، لكن روينا من طريق ابن مسعود عن عبد الرزاق عن عمر عن عاصم أبي مجلز قال : أمر أن يرفع له من أضحيته بضعة ويتصدق بسائرها . ابن عمر
ومن طريق نا أبي الجهم أحمد بن فرج نا الهروي نا ابن فضيل عن . عطاء
عن [ ص: 50 ] قال : سافر معي إبراهيم النخعي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته فأخذ منها بضعة فقال : آكلها ؟ فقلت له : وما عليك أن لا تأكل منها ؟ فقال تميم : يقول الله تعالى : { فكلوا منها } فتقول أنت : وما عليك أن لا تأكل .
قال : حمل هذا الأمر أبو محمد تميم على الوجوب وهذا الحق الذي لا يسع أحدا سواه ، وتميم من أكابر أصحاب . ابن مسعود
ومن طريق عن ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عبد الملك عن مولى لأبي سعيد عن أبي سعيد أنه كان يقول لبنيه : إذا ذبحتم أضاحيكم فأطعموا ، وكلوا ، وتصدقوا . وعن أيضا نحو هذا - وعن ابن مسعود نحوه ; وصح عن عطاء ، سعيد بن المسيب : ليس لصاحب الأضحية إلا ربعها . وعروة بن الزبير
فإن ذكروا : ما رويناه من طريق نا البخاري حدثني أخي إسماعيل بن أبي أويس أبو بكر عن - عن سليمان هو ابن بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري عمرة { قالت في الضحية كنا نملح منه فنقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالمدينة فقال : لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام } وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه ; والله أعلم . عن
فهذا خبر لا حجة فيه ، لأن قول القائل " ليست بعزيمة " ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو من ظن بعض رواة الخبر ، يبين ذلك قوله في آخر هذا الخبر { } والله أعلم . أراد أن يطعم منه
وأيضا : فإن أبا بكر بن أبي أويس مذكور عنه في روايته أمر عظيم ، وقد حمل هذا القول منه عليه السلام على الوجوب ، علي بن أبي طالب كما ذكرنا . [ ص: 51 ] وابن عمر
وروينا من طريق حدثني مسلم حرملة بن يحيى عن أخبرني ابن وهب عن يونس ابن شهاب أخبرني أبو عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد مع قال : ثم صليت مع عمر بن الخطاب فصلى لنا قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال { علي بن أبي طالب } . ومن طريق إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلا تأكلوا نا وكيع عن سفيان الثوري أبي حصين عن عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لا يأكل أحد من لحم أضحيته فوق ثلاث . علي بن أبي طالب
قال : حديث علي أبي عبيد مولى ابن أزهر كان عام حصر رضي الله عنه وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى عثمان المدينة وأصابهم جهد فأمر لذلك بمثل ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهد الناس ودفت الدافة - وبالله تعالى التوفيق .