قالوا : فلو ، فإن الماء طاهر جائز الوضوء به والغسل ، والسمك الطافي عندهم لا يحل أكله . مات في الماء ضفدع أو ذباب أو زنبور أو [ ص: 149 ] عقرب أو خنفساء أو جراد أو نمل أو صرار أو سمك فطفا أو كل ما لا دم له
وكذلك إن مات كل ذلك في مائع غير الماء فهو طاهر حلال أكله ، قالوا : فإن ماتت في الماء أو في مائع غيره حية فقد تنجس ذلك الماء وذلك المائع ، لأن لها دما ، فإن لم يتنجس ذلك الماء ، وإن ذلك اللحم حرام لا يحل أكله ، وهكذا كل شيء إلا الخنزير وابن آدم ، فإنهما وإن ذبحا ينجسان الماء . ذبح كلب أو حمار أو سبع ثم رمي كل ذلك في راكد
قال : فمن يقول هذه الأقوال - التي كثير مما يأتي به المبرسم أشبه منها - ألا يستحي من أن ينكر على من اتبع أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموجبات العقول في فهم ما أمر الله تعالى به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يتعد حدود ما أمر الله تعالى به ولكن ما رأينا سنة مضاعة ، إلا ومعها بدعة مذاعة . وهذه أقوال لو تتبع ما فيها من التخليط لقام في بيان ذلك سفر ضخم ، إذ كل فصل منها مصيبة في التحكم والفساد والتناقض ، وإنها أقوال لم يقلها قط أحد قبلهم ، ولا لها حظ من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا من قياس يعقل ، ولا من رأي سديد ، ولا من باطل مطرد ، ولكن من باطل متخاذل في غاية السخافة . علي
والعجب أنهم موهوا برواية عن ابن عباس : أنهما نزحا زمزم من زنجي مات فيها ، وعن وابن الزبير رضي الله عنه وعن علي بن أبي طالب إبراهيم النخعي وعطاء والشعبي والحسن وحماد بن أبي سليمان . وسلمة بن كهيل
قال : وكل ما روي عن هؤلاء الصحابة وهؤلاء التابعين رضي الله عنهم فمخالف لأقوال علي بن أحمد وأصحابه . أبي حنيفة
أما فإننا روينا عنه أنه قال في فأرة وقعت في بئر فماتت : إنه ينزح ماؤها ، وأنه قال في فأرة وقعت في بئر فقطعت : يخرج منها سبع دلاء ، فإن كانت الفأرة كهيئتها لم تتقطع ينزح منها دلو أو دلوان ، فإن كانت منتنة ينزح من البئر ما يذهب الريح ، وهاتان الروايتان ليست واحدة منهما قول علي أصلا . أبي حنيفة
وأما الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فلو صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بذلك فرض نزح البئر مما يقع فيها من النجاسات ، فكيف عمن دونه عليه السلام ، لأنه ليس فيه أنهما أوجبا نزحها ولا أمرا به ، وإنما هو فعل منهما قد يفعلانه عن طيب النفس ، لا على أن ذلك واجب ، فبطل تعلقهم بفعل وابن الزبير [ ص: 150 ] ابن عباس ، وأيضا فإن في الخبر نفسه أنه قيل وابن الزبير : قد غلبتنا عين من جهة الحجر ، فأعطاهم كساء خز فحشوه فيها حتى نزحوها ، وليس هذا قول لابن عباس وأصحابه ، لأن حد النزح عند أبي حنيفة أن يغلبهم الماء فقط ، وعند أبي حنيفة مائتا دلو فقط ، وعند محمد كقول أبي يوسف ، فمن أضل ممن يحتج بخبر - يقضي بأنه حجة على من لا يراه حجة - ثم يكون المحتج به أول مخالف لما احتج فكيف ولو صح أنهما رضي الله عنهما أمرا بنزحها لما كان للحنفيين في ذلك حجة ، لأنه لا يجوز أن يظن بهم ، إلا أن أبي حنيفة زمزم تغيرت بموت الزنجي . وهذا قولنا ، ويؤيد هذا صحة الخبر عن الذي رويناه من طريق ابن عباس عن وكيع زكرياء بن أبي زائدة عن الشعبي عن : أربع لا تنجس ، الماء والثوب والإنسان والأرض . وقد روينا عن ابن عباس أن الله جعل الماء طهورا . عمر بن الخطاب
وأما التابعون المذكورون ، فإن قال : في الفأرة أربعون دلوا وفي السنور أربعون دلوا ، وقال إبراهيم النخعي الشعبي في الدجاجة سبعون دلوا ، وقال في السنور ثلاثون دلوا ، وفي الدجاجة ثلاثون دلوا . وقال حماد بن أبي سليمان في الدجاجة أربعون دلوا ، وقال سلمة بن كهيل الحسن في الفأرة أربعون دلوا ، وقال في الفأرة عشرون دلوا ، وفي الشاة تموت في البئر أربعون دلوا ، فإن تفسخت فمائة دلو أو تنزح ، وفي الكلب يقع في البئر ، إن أخرج منها حيا عشرون دلوا ، فإن مات فأخرج حين موته فستون دلوا ، فإن تفسخ فمائة دلو أو تنزح ، فهل من هذه الأقوال قول يوافق أقوال عطاء وأصحابه إلا قول أبي حنيفة في الفأرة دون أن يقسم تقسيم عطاء ، وقول أبي حنيفة في السنور دون أن يقسم أيضا تقسيم إبراهيم ، فلم يحصلوا إلا على خلاف الصحابة والتابعين كلهم فلا تعلق بشيء من السنن أو المقاييس . ومن عجيب ما أوردنا عنهم قولهم في بعض أقوالهم : إن ماء وضوء المسلم الطاهر النظيف أنجس من الفأرة الميتة ولو أوردنا التشنيع عليهم بالحق لألزمناهم ذلك في وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما أن يتركوا قولهم ، وإما أن يخرجوا عن الإسلام أو في وضوء أبي حنيفة أبي بكر وعثمان وعمر رضي الله عنهم . وعلي
وقولهم : إن حرك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر ، فليت شعري هذه الحركة بماذا تكون أبإصبع طفل ، أم بتبنة ، أو بعود مغزل ، أو بعوم عائم ، أو بوقوع فيل ، أو بحصاة صغيرة أو بحجر منجنيق ، أو بانهدام جرف ؟ نحمد الله على السلامة من هذه التخاليط ، لا سيما فرقهم في ذلك بين [ ص: 151 ] الماء وسائر المائعات ، فإن ادعوا فيه إجماعا ، قلنا لهم : كذبتم ، هذا ابن الماجشون يقول : إن كل ماء أصابته نجاسة فقد تنجس ، إلا أن يكون غديرا إذا حرك وسطه لم تتحرك أطرافه .