[ ص: 67 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المعاملة في الثمار 1343 - مسألة : المعاملة فيها سنة ، وهي أن يدفع المرء أشجاره أي شجر كان من نخل ، أو عنب ، أو تين ، أو ياسمين ، أو موز ، أو غير ذلك ، لا تحاش شيئا مما يقوم على ساق ويطعم سنة بعد سنة لمن يحفرها ويزبلها ويسقيها - إن كانت مما يسقى بسانية ، أو ناعورة ، أو ساقية ، ويؤبر النخل ، ويزبر الدوالي ، ويحرث ما احتاج إلى حرثه ويحفظه حتى يتم ويجمع ، أو ييبس إن كان مما ييبس ، أو يخرج دهنه إن كان مما يخرج دهنه ، أو حتى يحل بيعه إن كان مما يباع كذلك ، على سهم مسمى من ذلك الثمر ، أو مما تحمله الأصول كنصف أو ثلث ، أو ربع ، أو أكثر ، أو أقل ، كما قلنا في " المزارعة " سواء سواء . برهان ذلك - : ما ذكرناه هنالك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر .
وروينا من طريق أبي داود نا نا أحمد بن حنبل نا أبي عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثني محمد بن إسحاق عن نافع مولى ابن عمر قال : قال عبد الله بن عمر للناس " أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل عمر بن الخطاب يهود خيبر على أننا نخرجهم إذا شئنا ، فمن كان له مال فليلحق به ، فإني مخرج يهود ، فأخرجهم " .
قال : وبهذا يقول جمهور الناس ، إلا أننا روينا عن أبو محمد الحسن ، كراهة ذلك - ولم يجزه وإبراهيم ، ولا أبو حنيفة . زفر
وأجازه ، ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري والأوزاعي ، ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وغيرهم . [ ص: 68 ] وأجازه وأبو سليمان في كل شجر قائم الأصل إلا فيما يخلف ويجنى مرة بعد أخرى كالموز ، والقصب ، والبقول ، فلم يجز فيها ، ولا أجاز ذلك أيضا في البقول إلا في السقي خاصة . مالك
ولم يجزه في أشهر قوليه ، إلا في النخل ، والعنب فقط - ومن أصحاب الشافعي أبي سليمان من لم يجز ذلك ، إلا في النخل فقط .
قال : من منع من ذلك إلا في النخل وحده ، أو في النخل والعنب ، أو في بعض دون بعض ، أو في سقي دون بعل ، فقد خالف الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا قبل ودخلوا في الذين أنكروا على أبو محمد فلا معنى لقولهم . أبي حنيفة
واحتج بعض المقلدين بأن قالوا : لا تجوز الإجارة إلا بأجرة معلومة . لأبي حنيفة
قال : ليست المزارعة ولا إعطاء الشجر ببعض ما يخرج منها : إجارة ، والتسمية في الدين إنما هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى قال تعالى : { أبو محمد إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } .
ويقال لهم : هلا أبطلتم بهذا الدليل بعينه المضاربة ، وقلتم : إنها إجارة بأجرة مجهولة ؟ فإن قالوا : إن المضاربة متفق عليها ؟ قلنا : : متفق عليه بيقين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل جميع أصحابه رضي الله عنهم ، ولا تحاش منهم أحدا ، فما غاب منهم عن ودفع الأرض بجزء مما يخرج منها ، ودفع الشجر مما يخرج منها خيبر إلا معذور بمرض أو ضعف أو ولاية تشغله ، ومع ذلك فكل من غاب بأحد هذه الوجوه فقد عرف أمر خيبر ، واتصل الأمر فيها عاما بعد عام إلى آخر خلافة - فهذا هو الإجماع المتيقن المقطوع عليه ، لا ما يدعونه من الباطل والظن الكاذب في الإجماع على المضاربة التي لا تروى إلا عن ستة من الصحابة رضي الله عنهم ، فاعترضوا في أمر عمر خيبر بأن قالوا : لا يخلو أهل خيبر من أن يكونوا عبيدا أو أحرارا ، فإن كانوا عبيدا فمعاملة المرء لعبده بمثل هذا جائز ، وإن كانوا أحرارا فيكون الذي أخذ منهم بمنزلة الجزية ; لأنه لم يأت في شيء من الأخبار أنه عليه السلام قد أخذ منهم جزية ولا زكاة . [ ص: 69 ] قال : وهذا مما جروا فيه على الكذب والبهت والتوقح البارد - : أما قولهم : لا يخلو أهل أبو محمد خيبر من أن يكونوا عبيدا ، فكيف انطلقت ألسنتهم بهذا ، وهم أول مخالف لهذا الحكم ؟ فلا يختلفون في أن أهل العنوة أحرار ، وأنه إن رأى الإمام إرقاقهم فلا بد فيهم من التخميس ، والبيع لقسمة أثمانهم .
ثم كيف استجازوا أن يقولوا : لعلهم كانوا عبيدا وقد صح أن أجلاهم بحضرة الصحابة رضي الله عنهم عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج عمر اليهود عن جزيرة العرب ؟ فكيف يمكن أن يستجيز تفويت عبيد المسلمين ، وفيهم حظ لليتامى والأرامل ؟ إن من نسب هذا إلى عمر لضال مضل ، بل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . عمر
وقد صح أنه عليه السلام أراد إجلاءهم فرغبوا في إقرارهم فأقرهم على أن يخرجهم إذا شاء المسلمون ، وهو عليه السلام لا يجوز أن ينسب إليه تضييع رقيق المسلمين .
ومن المحال أن يكونوا عبيدا له عليه السلام خاصة ; لأنه عليه السلام ليس له من المغنم إلا خمس الخمس وسهمه مع المسلمين وقد قال قوم : والصفي ، ولم يقل أحد من أهل الإسلام : إن جميع من ملك عنوة عبيد له عليه السلام .
ثم لو أمكن أن يكون ما زعموا من الباطل - وكانوا له عبيدا - لكان قد أعتقهم بلا شك - : كما روينا من طريق نا البخاري نا إبراهيم بن الحارث نا يحيى بن أبي بكير - نا زهير - هو ابن معاوية الجعفي - عن أبو إسحاق - هو السبيعي [ ختن رسول الله ] وأخي أم المؤمنين عمرو بن الحارث قال { جويرية بنت الحارث } . ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء ، وسلاحه ، وأرضا جعلها صدقة
وقد قسم عليه السلام من أخذ عنوة بخيبر - : كما روينا من طريق نا مسلم زهير بن حرب نا عن إسماعيل ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب { أنس خيبر } فذكر الحديث وفيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا دحية فقال : يا [ ص: 70 ] رسول الله أعطني جارية من السبي ؟ قال : اذهب فخذ جارية ، فأخذ صفية بنت حيي } وذكر الحديث . : قال : فأصبناها عنوة ، وجمع السبي فجاءه
قال : وكانت الأرض كلها عنوة ، وصالح أهل بعض الحصون على الأمان ، فنزلوا ذمة أحرارا - وقد صح من حديث أبو محمد قوله كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر خيبر ، فصح أن الباقين بها أحرار .
وأما قولهم : إن ذلك المأخوذ منهم كان مكان الجزية ، فكلام من لا يتقي الله تعالى ، وكيف يجوز أن يكون ذلك النصف مكان الجزية ؟
وإنما كان حقوق أرباب الضياع المقسومة عليهم الذي عومل اليهود على كفايتهم العمل ، والذين خطبهم كما ذكرنا وأمرهم أن يلحقوا بأموالهم فلينظروا فيها إذا أراد إجلاء عمر اليهود عنها .
والآثار بهذا متواترة متظاهرة كالمال الذي حصل بها فجعله صدقة وكقول لعمر في سبب إجلاء ابن عمر اليهود : خرجنا إلى خيبر فتفرقنا في أموالنا وكان إعطاء أمهات المؤمنين بعض الأرض والماء ، وبعضهن الأوساق ، وأن بقايا أبناء المهاجرين إليها إلى اليوم على مواريثهم ، فظهر هذيان هؤلاء النوكى .
والعجب أنهم قالوا : لو كان إجماعا لكفر ، أبو حنيفة فقلنا : عذرا بجهلهما كما يعذر من قرأ القرآن فأخطأ فيه وبدله وزاد ونقص وهو يظن أنه على صواب ، وأما من قامت الحجة عليه وتمادى معاندا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر بلا شك . وزفر
وشغب أصحاب بأن قالوا : لما صحت المساقاة في النخل وجب أن يكون أيضا في العنب ; لأن كليهما فيه الزكاة ، ولا تجب الزكاة في شيء من الثمار غيرهما . الشافعي
قال : وهذا فاسد وقياس بارد ، ويقال لهم : لما كان ثمر النخل ذا نوى [ ص: 71 ] وجب أن يقاس عليه كل ذي نوى ، أو لما كان ثمر النخل حلوا وجب أن يقاس عليه كل حلو ، وإلا فما الذي جعل وجوب الزكاة حجة في إعطائها بسهم من ثمارها ؟ وقال أيضا : إن ثمر النخل ظاهر يحاط به وكذلك العنب ؟ وقال أبو محمد : وكذلك التين ، والفستق ، وغير ذلك . علي
وأما منع المالكيين من ذلك في الموز والبقل - فدعوى بلا دليل .
فإن قالوا : لفظ " المساقاة " يدل على السقي ؟ فقلنا : ومن سمى هذا العمل " مساقاة " حتى تجعلوا هذه اللفظة حجة ؟ ما علمناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما نقولها معكم مساعدة فقط - وبالله تعالى التوفيق .
وقد كان بخيبر بلا شك بقل وكل ما ينبت في أرض العرب من الرمان ، والموز ، والقصب ، والبقول ، فعاملهم عليه السلام على نصف كل ما يخرج منها - وبالله تعالى التوفيق .