1397 - مسألة : وللمرأة حق زائد ، وهو أن لها أن تتصدق من مال زوجها أحب أم كره  ، وبغير إذنه غير مفسدة ، وهي مأجورة بذلك ، ولا يجوز له أن يتصدق من مالها بشيء أصلا إلا بإذنها ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها    } فبطل بهذا حكم أحد في مال غيره . 
ثم وجب أن يخص من ذلك ما خصه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا من طريق  أسماء بنت أبي بكر الصديق  في الباب الذي قبل هذا . 
وروينا من طريق  مسلم  نا  محمد بن رافع  نا  عبد الرزاق  نا  معمر  عن  همام بن منبه  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا .  [ ص: 193 ] تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه ، وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له   } . 
ومن طريق أحمد بن شعيب   أخبرني  أحمد بن حرب  نا  أبو معاوية  عن  الأعمش  عن سفيان  عن  عائشة أم المؤمنين    . 
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان له أجره بما كسب ، ولها مثله بما أنفقت ، وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيء   } ورويناه أيضا من طريق  محمد بن جعفر   نا  شعبة  عن  عمرو بن مرة  قال : سمعت أبا وائل  يحدث عن  عائشة أم المؤمنين  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر وللزوج مثل ذلك ، وللخازن مثل ذلك ، ولا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئا   } . 
قال أبو محمد    : أبو وائل  أدرك الجاهلية ، وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فغير منكر أن يسمعه من  أم المؤمنين  ومن  مسروق  عنها أيضا . 
قال  علي    : واعترض بعض الجهال في هذه الآثار القوية برواية تشبهه من طريق العرزمي  عن  عطاء  عن  أبي هريرة    " لا يحل للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بغير إذنه " وهذا جهل شديد ; لأنه لا يصح عن  أبي هريرة  لضعف العرزمي    . 
ثم لو صح فلا يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي من دونه إلا فاسق - فإن قالوا :  أبو هريرة  روى هذا وهو تركه ؟ قلنا : قد مضى الجواب ، وإنما افترض علينا الانقياد لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا للباطل الذي لم يصح عمن دونه ، نعم ، ولا لما صح عمن دونه ، والحجة في رواية  أبي هريرة  لا في رأيه ، وقد أفردنا لما تناقضوا في هذا المكان بابا ضخما فكيف وقد صح عن غير  أبي هريرة  القول بهذا ؟ كما روينا من طريق  عبد الرزاق  عن  سفيان بن عيينة  عن  إسماعيل بن أبي خالد   [ ص: 194 ] عن  قيس بن أبي حازم  عن امرأته : أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين  فسألتها امرأة هل تتصدق المرأة من بيت زوجها ؟ فقالت عائشة    : نعم ، ما لم تق مالها بماله . 
فإن ذكروا ما روينا من طريق  عبد الرزاق  عن  إسماعيل بن عياش  عن شرحبيل بن مسلم الخولاني  عن  أبي أمامة الباهلي    " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تنفق المرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها ، قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال : ذلك أفضل أموالنا   } . 
وما روينا من طريق  حماد بن سلمة  عن  قتادة  عن  مورق العجلي    { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته امرأة ما يحل من أموال أزواجهن ؟ قال : الرطب تأكلينه وتهدينه   } . 
ومن طريق  حماد بن سلمة  عن  يونس بن عبيد  عن زياد  عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله : إلا أنه قال " الرطب " بفتح الراء وإسكان الطاء - وفي الأول بضم الراء وفتح الطاء . 
قال أبو محمد    : فهذا كله لا شيء ، حديث  عبد الرزاق  عن  إسماعيل بن عياش    - وهو ضعيف - عن شرحبيل بن مسلم  وهو مجهول لا يدرى من هو ، لا يعارض بمثله الثابت من طريق  أسماء  ،  وعائشة  ،  وأبي هريرة  ، المتواتر عنهم من طريق  ابن أبي مليكة  ، وعباد بن عبيد الله بن الزبير  ، وفاطمة بنت المنذر  عن  أسماء  ،  ومسروق  ، وشقيق  عن  عائشة  ،  والأعرج  ،  وهمام بن منبه  عن  أبي هريرة  ، هذا نقل تواتر يوجب العلم في أعلام مشاهير بمثل هذا السقوط والضعف الذي لو انفرد عن معارض لم يحل الأخذ به . والآخران مرسلان ، على أن فيهما خلافا لقول المخالف ، لأن فيه إباحة الرطب  [ ص: 195 ] جملة ، وقد تعظم قيمته ، وقد رويت مراسيل أحسن من هذا بخلاف قولهم - : كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال  نا  يزيد بن زريع  نا  يونس بن عبيد  عن الحسن    { قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : صاحبتي تتصدق من مالي ، وتطعم من طعامي ؟ قال : أنتما شريكان قال : أرأيت إن نهيتها عن ذلك ؟ قال : لها ما نوت ولك ما بخلت   } . 
ومن طريق  ابن عباس  أن امرأة قالت له آخذ من مال زوجي فأتصدق به ؟ قال : الخبز والتمر ، قالت : فدراهمه ؟ قال : أتحبين أن يتصدق عليك ؟ قالت : لا ، قال : فلا تأخذي دراهمه إلا بإذنه - أو نحو هذا . 
قال  علي    : يكفي من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " غير مفسدة " فهذا يجمع البيان كله . 
وقال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم    } . وقال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم    } فمن خالف هذا لم يلتفت إليه - وبالله تعالى التوفيق . 
				
						
						
