141 - مسألة : جائز ، وكذلك الغسل به للجنابة ، وسواء وجد ماء آخر غيره أو لم يوجد ، وهو الماء الذي توضأ به بعينه لفريضة أو نافلة أو اغتسل به بعينه لجنابة أو غيرها ، وسواء كان المتوضئ به رجلا أو امرأة . والوضوء بالماء المستعمل
برهان ذلك قول الله تعالى { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا } فعم تعالى كل ماء ولم يخصه ، فلا يحل لأحد أن يترك الماء في وضوئه وغسله الواجب وهو يجده إلا ما منعه منه نص ثابت أو إجماع متيقن مقطوع بصحته . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء } فعم أيضا عليه السلام ولم يخص ، فلا يحل تخصيص ماء بالمنع لم يخصه نص آخر أو إجماع متيقن .
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي أبو داود ثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود وهو الخريبي - عن عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل قالت { الربيع بنت معوذ } . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان بيده
وأما من الإجماع فلا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن كل متوضئ فإنه يأخذ الماء فيغسل به ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقه ، وهكذا كل عضو في الوضوء وفي غسل الجنابة ، وبالضرورة والحس يدري كل مشاهد لذلك أن ذلك الماء قد وضئت به الكف وغسلت ، ثم غسل به أول الذراع ثم آخره ، وهذا ماء مستعمل بيقين ، ثم إنه يرد يده إلى الإناء وهي تقطر من الماء الذي طهر به العضو ، فيأخذ ماء آخر للعضو الآخر ، فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه لم يطهر العضو الثاني إلا بماء جديد قد مازجه ماء آخر مستعمل في تطهير عضو آخر وهذا ما لا مخلص منه .
وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وهو أيضا قول وعطاء بن أبي رباح سفيان الثوري وأبي ثور وجميع أصحابنا . [ ص: 183 ] وداود
وقال : يتوضأ به إن لم يجد غيره ولا يتيمم . مالك
وقال : لا يجوز الغسل ولا الوضوء بماء قد توضأ به أو اغتسل به ، ويكره شربه ، وروي عنه أنه طاهر ، والأظهر عنه أنه نجس ، وهو الذي روي عنه نصا ، وأنه لا ينجس أبو حنيفة إلا أن يكون كثيرا فاحشا . الثوب إذا أصابه الماء المستعمل
وقال : إن كان الذي أصاب الثوب منه شبر في شبر فقد نجسه ، وإن كان أقل لم ينجسه . وقال أبو يوسف أبو حنيفة إن كان رجل طاهر قد توضأ للصلاة أو لم يتوضأ لها فتوضأ في بئر فقد تنجس ماؤها كله وتنزح كلها ، ولا يجزيه ذلك الوضوء إن كان غير متوضئ ، فإن اغتسل فيها أرضا أنجسها كلها . وكذلك لو اغتسل وهو طاهر غير جنب في سبعة آبار نجسها كلها . وأبو يوسف
وقال : ينجسها كلها ولو أنها عشرون بئرا ، وقالا جميعا : لا يجزيه ذلك الغسل ، فإن طهر فيها يده أو رجله فقد تنجست كلها ، فإن كان على ذراعيه جبائر أو على أصابع رجليه جبائر فغمسها في البئر ينوي بذلك المسح عليها لم يجزه وتنجس ماؤها كله ، فلو كان على أصابع يده جبائر فغمسها في البئر ينوي بذلك المسح عليها أجزأه ولم ينجس ماؤها اليد بخلاف سائر الأعضاء ، فلو انغمس فيها ولم ينو غسلا ولا وضوءا ولا تدلك فيها لم ينجس الماء حتى ينوي الغسل أو الوضوء وقال أبو يوسف : لا يطهر بذلك الانغماس ، وقال أبو يوسف : يطهر به . قال محمد بن الحسن : فإن غمس رأسه ينوي المسح عليه لم ينجس الماء ، وإنما ينجسه نية تطهير عضو يلزم فيه الغسل ، قال فلو غسل بعض يده بنية الوضوء أو الغسل لم ينجس الماء حتى يغسل العضو بكماله ، فلو غمس رأسه أو خفه ينوي بذلك المسح أجزأه ولم يفسد الماء ، وإنما يفسده نية الغسل لا نية المسح . وهذه أقول هي إلى الهوس أقرب منها إلى ما يعقل . أبو يوسف
وقال : لا يجزئ الوضوء ولا الغسل بماء قد اغتسل به أو توضأ به وهو طاهر كله ، وأصفق أصحابه على أن الشافعي فقد حرم الوضوء بذلك الماء ; لأنه قد صار ماء مستعملا ، وإنما يجب أن يصب منه على يده ، فإذا وضأها أدخلها حينئذ في الإناء . من أدخل يده في الإناء ليتوضأ فأخذ الماء [ ص: 184 ] فتمضمض واستنشق وغسل وجهه ثم أدخل يده في الإناء
قال : واحتج من منع ذلك بالحديث الثابت عن { أبو محمد } . رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه الجنب أن يغتسل في الماء الدائم
قال : وقالوا : إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، لأن الماء يصير مستعملا ، وقال بعض من خالفهم : بل ما نهى عن ذلك عليه السلام إلا خوف أن يخرج من إحليله شيء ينجس الماء . أبو محمد
قال : وكلا القولين باطل نعوذ بالله من مثله ، ومن أن نقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، وأن نخبر عنه ما لم يخبر به عن نفسه ولا فعله ، فهذا هو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أكبر الكبائر ممن قطع به ، فإن لم يقطع به فإنما هو ظن ، وقد قال عز وجل : { أبو محمد إن الظن لا يغني من الحق شيئا } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ولا بد لمن قال بأحد هذين التأويلين من إحدى هاتين المنزلتين ، فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة . إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث
واحتج بعضهم فقال : لم يقل أحد للمتوضئ ولا للمغتسل أن يردد ذلك الماء على أعضائه ، بل أوجبوا عليه أخذ ماء جديد ، وبذلك جاء عمل النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء والغسل فوجب أن لا يجزئ .
قال : وهذا باطل ، لأنه لم ينه أحد من السلف عن أبو محمد ، ولا نهى عنه عليه السلام قط . ترديد الماء على الأعضاء في الوضوء والغسل
ويقال للحنفيين : قد أجزتم ، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نكس وضوءه ، ولا أن أحدا من المسلمين فعل ذلك ، فأخذه عليه السلام ماء جديدا لكل عضو إنما هو فعل منه عليه السلام ، وأفعاله عليه السلام لا تلزم . وقد صح عنه مسح رأسه المقدس بفضل ماء مستعمل . [ ص: 185 ] تنكيس الوضوء
فإن قيل : قد روي يؤخذ للرأس ماء جديد . قلنا : إنما رواه دهثم بن قران - وهو ساقط لا يحتج به - عن نمران بن جارية وهو غير معروف فكيف وقد أباح عليه السلام غسل الجنابة بغير تجديد ماء . كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج إسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وابن أبي عمر كلهم عن عن سفيان بن عيينة أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن { أم سلمة } . حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في غسل الجنابة إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا ثنا البخاري - ثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين معمر بن يحيى بن سام حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين { سألني ابن عمك فقال : كيف الغسل من الجنابة ؟ فقلت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه ثم يفيض على سائر جسده جابر } . قال لي
قال ولو كان ما قاله أصحاب أبو محمد من تنجس الماء المستعمل لما صح طهر ولا وضوء ولا صلاة لأحد أبدا ، لأن الماء الذي يفيضه المغتسل على جسده يطهر منكبيه وصدره ، ثم ينحدر إلى ظهره وبطنه ، فكان يكون كل أحد مغتسلا بماء نجس ، ومعاذ الله من هذا ، وهكذا في غسله ذراعه ووجهه ورجله في الوضوء ، لأنه لا يغسل ذراعه إلا بالماء الذي غسل به كفه ، ولا يغسل أسفل وجهه إلا بالماء الذي قد غسل به أعلاه وكذلك رجله . أبي حنيفة
وقال بعضهم : الماء المستعمل لا بد من أن يصحبه من عرق الجسم في الغسل والوضوء شيء فهو ماء مضاف . [ ص: 186 ]
قال : وهذا غث جدا ، وحتى لو كان كما قالوا فكان ماذا ؟ ومتى حرم أبو محمد فكيف وهم يجيزون الوضوء بماء قد تبرد فيه من الحر وهذا أكثر في أن يكون فيه العرق من الماء المستعمل . وقال بعضهم : قد جاء أثر بأن الخطايا تخرج مع غسل أعضاء الوضوء . قلنا : نعم - ولله الحمد - فكان ماذا ؟ وإن هذا لمما يغيط باستعماله مرارا إن أمكن لفضله ، وما علمنا للخطايا أجراما تحل في الماء . الوضوء والغسل بماء فيه شيء طاهر لا يظهر له في الماء رسم
وقال بعضهم : الماء المستعمل كحصى الجمار الذي رمى به لا يجوز أن يرمي به ثانية .
قال : وهذا باطل ، بل أبو محمد ، وما ندري شيئا يمنع من ذلك ، وكذلك التراب الذي تيمم به فالتيمم به جائز والثوب الذي سترت به العورة في الصلاة جائز أن تستر به أيضا العورة في صلاة أخرى ، فإن كانوا أهل قياس فهذا كله باب واحد . حصى الجمار إذا رمى بها فجائز أخذها والرمي بها ثانية
وقال بعضهم : الماء المستعمل بمنزلة الماء الذي طبخ فيه فول أو حمص .
قال : وهذا هوس مردود على قائله ، وما ندري شيئا يمنع من جواز علي أو ترمس أو لوبيا ، ما دام يقع عليه اسم ماء . الوضوء والغسل بماء طبخ فيه فول أو حمص
وقال بعضهم : لما لم يطلق على الماء المستعمل اسم الماء مفردا دون أن يتبع باسم آخر وجب أن لا يكون في حكم الماء المطلق .
قال : وهذه حماقة ، بل يطلق عليه اسم ماء فقط ، ثم لا فرق بين قولنا ماء مستعمل فيوصف بذلك ، وبين قولنا ماء مطلق فيوصف بذلك ، وقولنا ماء ملح أو ماء عذب ، أو ماء مر ، أو ماء سخن أو ماء مطر ، وكل ذلك لا يمنع من جواز الوضوء به والغسل . أبو محمد
ولو صح قول في نجاسة الماء المتوضأ به والمغتسل به لبطل أكثر الدين ; لأنه كان الإنسان إذا اغتسل أو توضأ ثم لبس ثوبه لا يصلي إلا بثوب نجس كله ، وللزمه أن يطهر أعضاءه منه بماء آخر . أبي حنيفة
وقال بعضهم : لا ينجس إلا إذا فارق الأعضاء . [ ص: 187 ]
قال : وهذه جرأة على القول بالباطل في الدين بالدعوى ، ويقال لهم : هل تنجس عندكم إلا بالاستعمال ؟ فلا بد من نعم ، فمن المحال أن لا ينجس في الحال المنجسة له ثم ينجس بعد ذلك ، ولا جرأة أعظم من أن يقال : هذا ماء طاهر تؤدى به الفرائض ، فإذا تقرب به إلى الله في أفضل الأعمال من الوضوء والغسل تنجس أو حرم أن يتقرب إلى الله تعالى به ، وما ندري من أين وقع لهم هذا التخليط . أبو محمد
وقال بعضهم : قد جاء عن أن الجنب إذا اغتسل في الحوض أفسد ماءه ، وهذا لا يصح ، بل هو موضوع ، وإنما ذكره الحنفيون عن ابن عباس عن حماد بن أبي سليمان إبراهيم عن ، ولا نعلم من هو قبل ابن عباس حماد ، ولا نعرف لإبراهيم سماعا من والصحيح عن ابن عباس خلاف هذا . ابن عباس
قال : وقد ذكرنا عن أبو محمد قبل خلاف هذا من قوله : أربع لا تنجس الماء والأرض والإنسان ، وذكر رابعا . ابن عباس
وذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه الصدقة على آل محمد { } . وعن إنما هي غسالة أيدي الناس مثل ذلك . عمر
قال : وهذا لا حجة فيه أصلا ، لأن اللازم لهم في احتجاجهم بهذا الخبر أن لا يحرم ذلك إلا على آل أبو محمد محمد خاصة ، فإنه عليه السلام لم يكره ذلك ولا منعه أحدا غيرهم ، بل أباحه لسائر الناس .
وأما احتجاجهم بقول فإنهم مخالفون له لأنهم يجيزون في أصل أقوالهم شرب ذلك الماء . وأيضا فإن غسالة أيدي الناس غير وضوئهم الذي يتقربون به إلى الله تعالى ، ولا عجب أكثر من إباحتهم غسالة أيدي الناس وفيها جاء ما احتجوا به . عمر
وقولهم إنها طاهرة ، وتحريمهم الماء الذي قد توضأ به قربة إلى الله تعالى وليس في شيء من هذين الأثرين نهي عنه ، ونعوذ بالله من الضلال وتحريف الكلم عن مواضعه .
ونسأل أصحاب عمن وضأ عضوا من أعضاء وضوئه فقط ينوي به [ ص: 188 ] الوضوء في ماء دائم أو غسله كذلك وهو جنب ، أو بعض عضو أو بعض أصبع أو شعرة واحدة أو مسح شعرة من رأسه أو خفه أو بعض خفه - : حتى نعرف أقوالهم في ذلك . الشافعي
وقد صح { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وسقى إنسانا ذلك الوضوء } ، وأنه عليه السلام { جابر بن عبد الله } ، وأنه عليه السلام { توضأ وصب وضوءه على كان إذا توضأ تمسح الناس بوضوئه } ، فقالوا بآرائهم الملعونة : إن المسلم الطاهر النظيف إذا توضأ بماء طاهر ثم صب ذلك الماء في بئر فهي بمنزلة لو صب فيها فأر ميت أو نجس ، ونسأل الله العافية من هذا القول .