1420 - مسألة : فلو تنازع المتبايعان فقال أحدهما : تفرقنا وتم البيع ، أو قال : خيرتني ، أو قال : خيرتك فاخترت أو اخترت تمام البيع - وقال الآخر : بل ما تفرقنا حتى فسخت وما خيرتني ولا خيرتك ، أو أقر بالتخيير وقال : فلم أختر أنا ، أو قال : أنت تمام البيع    - : فإن كانت السلعة المبيعة معروفة للبائع ببينة ، أو بعلم الحاكم ولا نبالي حينئذ في يد من كانت منهما ولا في يد من كان الثمن منهما - أو كانت غير معروفة إلا أنها في يده والثمن عند المشتري - فإن القول في كل هذا قول مبطل البيع منهما - كائنا من كان - مع يمينه ، لأنه مدعى عليه عقد بيع لا يقر به ، ولا بينة عليه به ، فليس عليه إلا اليمين بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه . 
فإن كانت السلعة في يد المشتري وهي غير معروفة للبائع وكان الثمن عند البائع بعد : فالقول قول مصحح البيع منهما - كائنا من كان - مع يمينه ; لأنه مدعى عليه نقل شيء عن يده ، ومن كان في يده شيء فهو في الحكم له : فليس عليه إلا اليمين . 
فلو كانت السلعة والثمن معا في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه لأنه مدعى عليه كما قلنا - وبالله تعالى التوفيق . 
وهكذا القول في كل ما اختلف فيه المتبايعان ، مثل أن يقول أحدهما : ابتعته بنقد ، ويقول الآخر : بل بنسيئة ، أو قال أحدهما : بكذا أو كذا ، أو قال الآخر : بل أكثر - أو قال أحدهما : بعرض وقال الآخر : بعرض آخر ، أو بعين . 
أو قال أحدهما : بدنانير ، وقال الآخر بدراهم - أو قال أحدهما بصفة كذا وذكر ما يبطل به البيع وقال الآخر . 
بل بيعا صحيحا - : فإن كان في قول أحدهما إقرار للآخر  [ ص: 256 ] بزيادة إقرارا صحيحا ألزم ما أقر به ولا بد - : فإن كانت السلعة بيد البائع والثمن بيد المشتري ، فهنا هو كل واحد منهما مدعى عليه فيحلف البائع بالله ما بعتها منه كما يذكر ولا بما يذكر ، ويحلف المشتري بالله ما باعها مني بما يذكر ولا كما يذكر ، ويبرأ كل واحد منهما من طلب ، الآخر ، ويبطل ما ذكرا من البيع . 
وذهب قوم إلى أن البيعين إذا اختلفا ترادا البيع دون أيمان - وهو قول  ابن مسعود  ، والشعبي  ،  وأحمد بن حنبل    . 
كما روينا من طريق  عبد الرزاق  نا  سفيان الثوري  عن معن بن عبد الرحمن  عن  القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود    [ عن أبيه ] أن  ابن مسعود  باع من الأشعث بن قيس  بيعا فاختلفا في الثمن ، فقال  ابن مسعود    : بعشرين ، وقال الأشعث    : بعشرة ، فقال له  ابن مسعود    : اجعل بيني وبينك رجلا ؟ فقال له الأشعث    : أنت بيني وبين نفسك ، قال  ابن مسعود    : فإني أقول بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال رب المال ، أو يترادان البيع   } .  [ ص: 257 ] وروي عن  أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود  أنه قال : يحلف البائع فإن شاء المشتري أخذ وإن شاء ترك - ولم يذكر عليه يمينا . 
وقال قوم : إن كانت السلعة قائمة تحالفا وفسخ البيع ، وإن كانت قد هلكت فالقول قول المشتري مع يمينه ، هذا إذا لم تكن هنالك بينة - وهو قول  حماد بن أبي سليمان  ،  وأبي حنيفة  ،  وأبي يوسف  ،  ومالك    - وقال  إبراهيم  ،  والثوري  ، والأوزاعي  في المستهلكة بذلك . 
وقال قوم : إذا اختلف المتبايعان حلفا جميعا ، فإن حلفا أو نكلا فسخ البيع - وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي بقول الذي حلف سواء كانت قائمة أو مستهلكة - وهو قول  شريح  ،  والشافعي  ،  ومحمد بن الحسن  ، إلا أنهما قالا : يترادان ثمن المستهلكة ، وقال  عطاء  يرد البيع إلا أن يتفقا - وقال  زفر بن الهذيل  في السلعة القائمة : يتحالفان ويترادان ، وأما المستهلكة فإن اتفقا على أن الثمن كان من جنس واحد فالقول قول المشتري ، فإن اختلفا في الجنس تحالفا وترادا قيمة المبيع - . 
وقال  أبو سليمان  ،  وأبو ثور    : القول في ذلك - قائمة كانت السلعة أو مستهلكة - قول المشتري مع يمينه . 
قال أبو محمد    : فأما قول  ابن مسعود  ، والشعبي  ،  وأحمد  ، فإنهم احتجوا بالحديث الذي ذكرنا فيه - ورويناه بلفظ آخر ، وهو { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع ، والمبتاع بالخيار   } فاللفظ الأول رويناه كما ذكرناه . 
ورويناه أيضا من طريق  حفص بن غياث  عن أبي عميس  أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس  عن أبيه عن جده قال  ابن مسعود    - ومن طريق أبي عميس  أيضا عن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث  عن أبيه عن جده قال  ابن مسعود    - من طريق  هشيم  نا  ابن أبي ليلى - هو محمد بن عبد الرحمن القاضي    - عن  القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود  عن أبيه : أن  ابن مسعود    - : وأما اللفظ الثاني فرويناه من طريق ابن عجلان  عن  عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود    : أن  ابن مسعود    . 
قال أبو محمد    : وهذا كله لا حجة فيه ، ولا يصح شيء منه ; لأنها كلها مرسلات -  [ ص: 258 ] وعبد الرحمن بن مسعود  كان له - إذ مات أبوه رضي الله عنه - ست سنين فقط ، لم يحفظ منه كلمة ، والراوي عنه أيضا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى    - وهو سيئ الحفظ - وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث    - ظالم من ظلمة  الحجاج    - لا حجة في روايته - وأيضا فلم يسمع منه أبو عميس  شيئا لتأخر سنه عن لقائه - وأيضا فهو خطأ ، وإنما هو عبد الرحمن بن محمد بن قيس بن محمد بن الأشعث    - وهو مجهول ابن مجهول - وأيضا محمد بن الأشعث  لم يسمع من  ابن مسعود    - : فبطل التعلق به جملة . 
وأما قول  أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود  فإنه يحتج له بما روينا من طريق أحمد بن شعيب   ، أخبرني إبراهيم بن الحسين  نا حجاج - هو ابن محمد    - قال  ابن جريج    : أخبرني إسماعيل بن أمية  عن عبد الملك بن عبيد  أنه سمع  أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود  يقول : قال  ابن مسعود    { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتبايعين سلعة يقول أحدهما : أخذتها بكذا وكذا ، وقال الآخر : بعتها بكذا وكذا ، بأن يستحلف البائع ، ثم يختار المبتاع ، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك   } . 
ورويناه أيضا من طريق إسماعيل بن أمية  عن عبد الملك بن عبيد  عن ابن  لعبد الله بن مسعود  عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا شيء - لأن  أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود  سئل أتذكر من أبيك شيئا ؟ قال : لا - ولم يكن لعبد الله  رضي الله عنه من الولد إلا أبو عبيدة    - وهو أكبرهم - وعبد الرحمن  تركه ابن ست سنين ، وعتبة    - وكان أصغرهم - وعبد الملك بن عبيد  المذكور مجهول - : فسقط هذا القول . قال  أبو محمد    : وأما سائر الأقوال فلا حجة لهم أصلا ، لا سيما من فرق بين السلعة القائمة والمستهلكة ، ومن حلف المشتري - : فإنه لا يوجد ذلك في شيء من الآثار أصلا ، إلا أنهم أطلقوا إطلاقا سامحوا فيه قلة الورع - يعني الحنفيين والمالكيين - فلا يزالون يقولون في كتبهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فإنهما يتحالفان ويترادان   } . وهذا لا يوجد أبدا لا في مرسل ولا في مسند ، لا في قوي ولا في ضعيف ، إلا أن يوضع للوقت .  [ ص: 259 ] قال  علي    : وهذا مما تناقضوا فيه ، فخالفوا المرسل المذكور ، وخالفوا  ابن مسعود  ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم . 
واحتج بعضهم لقولهم في ذلك بأن قال : لما كان كلاهما مدعيا ومدعى عليه وجب عليهما اليمين جميعا ، فإن البائع يدعي على المشتري ثمنا أو عقدا لا يقر به المشتري ، والمشتري يدعي على البائع عقدا لا يقر به البائع . 
قال  أبو محمد    : ليس هذا في كل مكان كما ذكروا ; لأن من كان بيده شيء لا يعرف لغيره ، وقال له إنسان : هذا لي بعته منك بمثقالين ، وقال الذي هو في يده : بل ابتعته منك بمثقال وقد أنصفتك  ، فإن الذي الشيء بيده ليس مدعيا على الآخر بشيء أصلا ; لأن الحكم أن كل ما بيد المرء فهو له ، فإن ادعى فيه مدع : حلف الذي هو بيده وبرئ ولم يقر له قط بملكه إقرارا مطلقا ، فليس البائع ههنا مدعى عليه أصلا . 
وقد عظم تناقضهم ههنا ، لا سيما تفريقهم بين السلعة القائمة والمستهلكة فهو شيء لا يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا معقول ، ولا رأي له وجه . 
ويعارضون بما احتج له أصحابنا ،  وأبو ثور  ، في قولهم : إن القول قول المشتري على كل حال مع يمينه ; لأنهما جميعا قد اتفقا على البيع ، وعلى انتقال الملك إلى المشتري ، ثم ادعى البائع على المشتري بما لا يقر له به المشتري ، وهذا أشبه بأصول الحنفيين ، والمالكيين : من أقوالهم في الإقرار . 
قال  أبو محمد    : وليس هذا أيضا صحيحا ; لأن البائع لم يوافق المشتري قط على ما ادعاه في ماله ، وإنما أقر له بانتقال الملك وبالبيع على صفة لم يصدقه المشتري فيها ، فلا يجوز أن يقضي للمشتري بإقرار هو مكذوب له . 
فصح أن القول ما قلناه : من أن كل ما كان بيد إنسان فهو له ، إلا أن تقوم بملكه بينة لغيره - وهو قول إياس بن معاوية  ، وبهذا جاءت السنة . 
والعجب من إيهام الحنفيين والمالكيين ، والشافعيين : أنهم يقولون بالحديث المذكور وهم قد خالفوه جملة كما أوردنا ، لا سيما الشافعيين ، فإنهم يقولون : لا يجوز الحكم بالمرسل ، ثم أخذوا ههنا بمرسل ، وليتهم صدقوا في أخذهم به ، بل  [ ص: 260 ] خالفوه ، وتناقضوا كلهم مع ذلك في ، فتاويهم في فروع هذه المسألة تناقضا كثيرا - وبالله تعالى التوفيق . 
وأعجب شيء في هذا تحليف المالكيين للبائع ، والمشتري : بأن يحلف البائع : بالله لقد بعتكها بكذا وكذا ، وبأن يحلف المشتري : بالله لقد اشتريتها منك بكذا وكذا ، فيجمعون في هذا أعجوبتين : إحداهما - تحليفهما على ما يدعيانه لا على نفي ما يدعي به كل واحد منهما على الآخر ، والأخرى أنهم يحلفونهما كذلك ثم لا يعطونهما ما حلفا عليه ، فأي معنى لتحليفهما بذلك ؟ وإنما يحلف المدعى عليه على نفي ما يدعي به كل واحد منهما على الآخر ، والأخرى أنهم يحلفونهما كذلك ثم لا يعطونهما ما حلفا عليه ، فأي معنى لتحليفهما بذلك ؟ وإنما يحلف المدعى عليه على نفي ما ادعي عليه به ويبرأ . 
وأما هم ومن يرى رد اليمين : فإنه يحلف المدعي على ما ادعى ويقضون له به ، ونقضوا ههنا أصولهم أقبح نقض وأفسده بلا دليل أصلا . 
وقالوا أيضا : إن ادعى أحدهما صحة العمل ، والآخر فساده : القول قول مدعي الصحة ولا يدرى من أين وقع لهم هذا ؟ وبالله تعالى التوفيق . 
				
						
						
