[ ص: 265 ] ومن طريق نا عبد الرزاق أخبرني ابن جريج سليمان بن البرصاء قال : بايعت بيعا فقال لي : إن جاءتنا نفقتنا إلى ثلاث ليال فالبيع بيعنا ، وإن لم تأتنا نفقتنا إلى ذلك فلا بيع بيننا وبينك ، ولك سلعتك ؟ قال ابن عمر : لا نعلم عن الصحابة رضي الله عنهم في بيع الخيار شيئا غير هذا ، وهو كله خلاف لأقوال أبو محمد ، أبي حنيفة ، ومالك ، وهذه عندهم بيوع فاسدة مفسوخة ، فأين تهويلهم بالصاحب الذي لا يعرف له مخالف ؟ نعم ، وإن عرف له مخالف . والشافعي
وأين ردهم السنة الثابتة في أن لا بيع بين أحد من المتبايعين حتى يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر بعد البيع برواية شيخ من بني كنانة عن البيع عن صفقة أو خيار ؟ وليس في هذا لو صح خلاف للسنة ، بل قد صح عن عمر وغير عمر من الصحابة موافقة السنة في ذلك ، وإجازة رد البيع قبل التخيير والتفرق . عمر
ثم هان عليهم ههنا خلاف عمل ، عمر بن الخطاب ونافع بن الحارث ، - وكلهم صحابة - : العمل المشهور الذي لا يمكن أن يخفى بحضرة الصحابة وصفوان بن أمية بالمدينة ، ومكة ، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف ، ولا عليهم منهم منكر ممن يجيز أصلا بأصح طريق وأثبته في أشهر قصة ، وهي ابتياع دار للسجن البيع بشرط الخيار بمكة ، وما كان قبل ذلك بها للسجن دار أصلا .
ثم فعل ، ابن عمر وابن مطيع - وهما صاحبان - يبتاعان كما ترى بخيار إن أخذا إلى غير مدة مسماة - قبل ذلك ، وعمر ، وصفوان ونافع يتبايعون على الرضا إلى غير مدة مسماة ، لا يعرف لهم في ذلك مخالف ممن يجيز البيع بشرط خيار ، فاعجبوا لأقوال هؤلاء القوم ؟ وأما التابعون : فروينا من طريق نا عبد الرزاق عن معمر عن أبيه في الرجل يشتري السلعة على الرضا ؟ قال : الخيار لكليهما حتى يفترقا عن رضا . ابن طاوس
وبه إلى عن معمر أيوب عن إذا بعت شيئا على الرضا فلا تخلط الورق بغيرها حتى تنظر أيأخذ أم يرد . ابن سيرين
ومن طريق نا سعيد بن منصور نا هشيم عن يونس الحسن قال : إذا أخذ الرجل [ ص: 266 ] من الرجل البيع على أنه فيه بالخيار فهلك منه ؟ فإن كان سمى الثمن فهو له ضامن ، وإن لم يسمه فهو أمين ولا ضمان عليه .
وعن ما ذكرنا قبل ما نعلم في هذا عن أحد من التابعين غير ما ذكرنا ، وكله مخالف لقول شريح ، أبي حنيفة ، ومالك ; لأنه ليس في شيء منه ذكر مدة أصلا . والشافعي
وفي قول الحسن : جواز ذلك بغير ذكر ثمن .
وفي قول : جواز النقد فيه ، ولم يخص بشرط ولا بغير شرط وأما قول ابن سيرين فموافق لقولنا ; لأنه قطع بأن كل بيع يكون فيه شرط خيار فإن الخيار يجب فيه للبائع وللمشتري حتى يتفقا ، فصح أنه ليس هو عنده بيعا أصلا ، وأنه باق على حكمه كما كان - وهذا قولنا ، فصح يقينا أن أقوال من ذكرنا مخالفة لكل ما روي في ذلك عن صاحب أو تابع ، وأنهما لا سلف لهم فيها ، وتفريق طاوس سفيان ، من كون الخيار للبائع أو لهما ، فلم يجيزاه ، وبين أن يكون الخيار للمشتري وحده ؟ فأجازه وابن شبرمة سفيان ، لا معنى له ; لأنه لم يأت بالفرق بين ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول متقدم ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه - وليس إلا جواز كل ذلك أو بطلان كل ذلك . وقد روينا بطلان ذلك عن جماعة من السلف .
كما روينا من طريق نا عبد الرزاق سفيان الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن : أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عائشة أم المؤمنين كرهت أن تباع الأمة بشرط .
ومن طريق نا عبد الرزاق عن معمر الزهري عن قال : أراد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن يشتري جارية يتسراها من امرأته ؟ فقالت : لا أبيعكها حتى أشترط عليك إن اتبعتها نفسي فأنا أولى بالثمن ؟ فقال ابن مسعود : حتى أسأل ابن مسعود ، فسأله ؟ فقال له عمر : لا تقربها وفيها شرط لأحد . ومن طريق عمر عن عبد الرزاق عن معمر عمرو بن مسلم قال : سألت عكرمة مولى عن رجل ابن عباس ؟ فقال أخذ من رجل ثوبا ؟ فقال : أذهب به فإن رضيته أخذته ، فباعه الآخذ قبل أن يرجع إلى صاحب الثوب عكرمة : لا يحل له الربح . [ ص: 267 ] ومن طريق عن عبد الرزاق ابن جريح قال : قال : كل بيع فيه شرط فليس بيعا - وقال عطاء بما ذكرنا قبل . طاوس
قال : هذا كله عند كل ذي حس سليم أوضح في إبطال البيع بشرط الخيار من دعواهم أن أبو محمد مخالف للسنة في أن لا بيع بين المتبايعين حتى يتفرقا بما لم يصح عنه من قوله : البيع عن صفقة أو خيار ، ومن دعواهم مثل ذلك على عمر في قوله : ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فمن البائع ، وليس في هذا إشارة إلى خلاف السنة المذكورة ، بل قد صح عنهما موافقة السنة في ذلك . ابن عمر
قال : فإن كان ما روي عن الصحابة ، والتابعين في ذلك إجماع فقد خالفوه ، فهم مخالفون للإجماع كما أقروا على أنفسهم ، وإن لم يكن إجماعا فلا حجة في قول لم يأت به نص ولا إجماع . علي
فإن احتجوا في إباحة بيع الخيار بما روي { } فهذا لا يصح لأنه عن : المسلمون عند شروطهم كثير بن زيد وهو مطرح باتفاق ، ولا يحل الاحتجاج بما روى .
ومن طريق أخرى عن كذاب عن مجهول عن مجهول مرسل مع ذلك وعن مرسل ، ولو صح مع ذلك لما كان لهم فيه متعلق أصلا ; لأن شروط المسلمين ليس هي كل ما اشترطوه ، لو كان ذلك للزم شرط الزنى ، والسرقة ، وهم قد أبطلوا أكثر من ألف شرط أباحها غيرهم ، وإنما شروط المسلمين : الشروط التي جاء القرآن ، والسنة بإباحتها نصا فقط ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عطاء } . كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
قال : فإن احتج من يجيز بيع الخيار بما قد ذكرناه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { علي } فلا حجة لهم فيه ; لأن كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار أيوب عن عن نافع قد بين ذلك الخيار ما هو ؟ وأنه قول أحدهما للآخر : اختر . ابن عمر
وبينه أيضا عن الليث عن نافع بمثله . ابن عمر
وأوضحه عن إسماعيل بن جعفر عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ابن عمر } . المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع عن خيار ، فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع
فصح ضرورة أن هذا الخيار إنما هو التخيير من أحدهما للآخر فقط . [ ص: 268 ] وذكروا أيضا خبر " المصراة " وسنذكره في هذا الكتاب بإسناده إن شاء الله تعالى ، { } . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الخيار لواجدها ثلاثا ، فإن رضيها أمسكها وإن كرهها ردها ، ورد معها صاعا من تمر
وخبر { منقذ إذ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقول إذا باع أو ابتاع : لا خلابة ، ثم جعل له الخيار ثلاثا } ، وقد ذكرناه في " كتاب الحجر " من ديواننا هذا .
وخبر تلقي السلع [ الركبان ] والنهي عنه ، وأنه صلى الله عليه وسلم جعل للبائع الخيار إذا دخل السوق ، وبالخيار في رد البيع يوجد فيه العيب .
قال : وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه ، واحتجاجهم به في إباحة بيع الخيار إثم وعار ; لأن خبر المصراة إنما فيه الخيار للمشتري - أحب البائع أم كره - لا برضا منه أصلا ولا بأن يشترط في حال عقد البيع فكيف يستجيز ذو فهم أن يحتج بهذا الخيار في إباحة بيع يتفق فيه البائع والمشتري على الرضا بشرط خيار لأحدهما أو لكليهما أو لغيرهما ؟ وأما خبر أبو محمد منقذ فكذلك أيضا ; لأنه إنما هو خيار يجب لمن قال عند التبايع : لا خلابة ، بائعا كان أو مشتريا سواء رضي بذلك معاملة أو لم يرض لم يشترطه الذي جعل له في نفس العقد ، فأي شبه بين هذين الحكمين وبين خيار يتفقان برضاهما على اشتراطه لأحدهما أو لغيرهما ، وكلهم لا يقول بهذا الخبر أصلا ؟ وأما خبر تلقي السلع فكذلك أيضا إنما هو خيار جعل للبائع - أحب المشتري أم كره - لم يشترطاه في العقد - .
وهو أيضا خيار إلى غير مدة محدودة وكلهم لا يجيز هذا أصلا .
فأي عجب يفوق قول قوم يبطلون الأصل ولا يجيزون القول به ، ويصححون القياس عليه في ما لا يشبهه ويخالفون السنن فيما جاءت فيه ، ثم يحتجون بها فيما ليس فيها منه أثر ولا دليل ولا معنى ؟ فخالفوا الحقائق جملة ونحمد الله تعالى على ما من به من التوفيق . [ ص: 269 ] فإن قالوا : لما جاز في هذه الأخبار في أحدها الخيار للبائع ، وفي الآخر الخيار للمشتري ، وفي الثالث الخيار للمرء بائعا كان أو مشتريا ، وكان في الشفعة الخيار لغير البائع والمشتري بغير أن يشترط في العقد شيء من ذلك ، من غير أن يلتفت رضا الآخر أو رضا البائع والمشتري كان إذا اشترطاه بتراضيهما لأحدهما أو - لهما أو لغيرهما أحرى أن يجوز ؟ قلنا : هذا حكم الشيطان لا حكم الله عز وجل ، وهذا هو تعدي حدود الله تعالى الذي قال الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } وتلك دعوى منكم لا برهان على صحتها ، بل البرهان قائم على بطلانها بقوله تعالى : { شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .
وما تدرون أنتم ولا غيركم من أين قلتم بدعواكم هذه ؟ ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ، لأن القياس عند القائلين به لا يصح تشبيه المشبه إلا حتى يصح المشبه به ، وليس منكم أحد يصحح حكم شيء من هذه الأخبار إلا المصراة ، والشفعة فقط ، فكيف تستحلون أن تحكموا بحكم لأنه يشبه حكما لا يجوز العمل به ؟ وهل سمع بأحمق من هذا العمل ؟ والذين يصححون منكم حكم المصراة لا يختلفون في أنه يجوز القياس على ما فيه من رد صاع تمر مع الشيء الذي يختار الراد رده ، فمن أين جاز عندكم القياس على بعض ما في ذلك الخبر وحرم القياس على بعض ما فيه ؟ أليس هذا مما تحتار فيه أوهام العقلاء ؟ وكذلك الشفعة إنما هي لشريك عندكم ، أو للجار فيما بيع من مشاع في العقار خاصة ، فمن أين وقع بكم يا هؤلاء أن تحرموا القياس على ذلك ما بيع أيضا من المشاع في غير العقار للشريك أيضا .
ولو صح قياس في الدهر كان هذا أوضح قياس وأصحه لتساويهما في العلة والشبه عند كل ناظر ثم تقيسون عليه ما لا يشبهه أصلا من اشتراط اختيار للبائع أو للمشتري أو لهما أو لأجنبي ، وهو ضد ذلك الحكم جملة ، فذلك للشريك وهذا لغير الشريك ، وذلك في المشاع وهذا في غير المشاع ، وذلك مشترط ، وهذا غير مشترط ، وذلك إلى غير مدة وهذا إلى مدة ، فما هذا التخليط ، والخبط ؟ [ ص: 270 ] وأما الخيار في رد المبيع فالقول فيه كالقول في خيار الشفعة سواء سواء ، من أنه لا شبه بينه وبين اشتراط الخيار في البيع بوجه من الوجوه لما قلنا آنفا ، فظهر فساد احتجاجهم جملة بالأخبار ، وبالقياس - .
وبالله تعالى التوفيق .
وأي قول أفسد من قول من يبطل الخيار الذي أوجبه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم للمتبايعين قبل التفرق بأبدانهما ، وقبل أن يخير أحدهما الآخر فيختار إمضاء أو ردا . والخيار الواجب لمن قال عند البيع : لا خلابة .
والخيار لمن باع سلعته ممن تلقاها إذا دخل السوق .
والخيار الواجب لمن ابتاع مصراة .
والخيار الواجب لمن باع شركا من مال هو فيه شريك ثم أوجب خيارا لم يوجبه الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن البرهان على بطلان كل بيع يشترط فيه خيار للبائع أو للمشتري أو لهما أو لغيرهما - : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن اشترطه مائة مرة وإن كان مائة شرط كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق
وكان اشتراط الخيار المذكور شرطا ليس في كتاب الله تعالى ولا في شيء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان فيها لكان في كتاب الله تعالى ; لأن الله تعالى أمر في كتابه بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فوجب بطلان الشرط المذكور يقينا ، وإذ هو باطل فكل عقد لم يصحح إلا بصحة ما لم يصح فلا صحة له بلا شك ، فوجب بطلان البيع الذي عقد على شرط خيار كما ذكرنا ، قال الله تعالى : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } .
قال : وعهدنا بهم يفتخرون باتباع المرسل وأنه كالمسند - : وقد روينا من طريق أبو محمد نا أبي بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي قلابة } [ ص: 271 ] وهذا من أحسن المراسل ، فأين هم عنه ؟ وفيه النهي عن بقاء عن الخيار بعد التفرق ؟ ونسألهم عن بيع الخيار هل زال ملك بائعه عنه وملكه المشتري له أم لا ، إذا اشترط الخيار للبائع أو لهما ؟ فإن قالوا : لا ، فهو قولنا وصح أنه لا بيع هنالك أصلا ; لأن البيع نقل ملك البائع وإيقاع ملك المشتري . لا يتفرق بيعان إلا عن تراض
وإن قالوا : نعم ، قلنا : فالخيار لا معنى له ، ولا يصح في شيء قد صح ملكه عليه - وأقوالهم تدل على خلاف هذا .
فإن قالوا قد باع البائع ولم يشتر المشتري بعد ؟ قلنا : هذا تخليط وباطل لا خفاء به ; لأنه لا يكون بيع إلا وهنالك بائع ومبتاع وانتقال ملك .
وهكذا إن كان الخيار للبائع فقط ، فمن المحال أن ينعقد بيع على المشتري ولم ينعقد ذلك البيع على البائع .
فإن كان الخيار لهما أو لأجنبي : فهذا بيع لم ينعقد لا على البائع ولا على المبتاع فهو باطل - والقوم أصحاب قياس بزعمهم .
وقد أجمعوا على أن النكاح بالخيار لا يجوز ، فهلا قاسوا على ذلك البيع وسائر ما أجازوا فيه الخيار ، كما فعلوا في معارضة السنة بهذا القياس نفسه في إبطالهم الخيار بعد البيع قبل التفرق ، فلا نصوص التزموا ولا القياس طردوا ، والدلائل على إبطال بيع الخيار تكثر ، ومناقضاتهم فيه جمة ، وإنما أقوالهم فيه دعاوى - بلا برهان - مختلفة متدافعة كما ذكرناها قبل - وبالله تعالى التوفيق .