رويناه من طريق عن ابن وهب عن يونس بن يزيد الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه - وهذا يبطل عهدة الثلاث ، والسنة - وبالله تعالى التوفيق .
قال : ثم نقول لهم : أخبرونا عن الحكم بعهدة الثلاث ، والسنة : أسنة هو وحق أم ليس سنة ولا حقا ، ولا بد من أحدهما ؟ فإن قالوا : هو سنة وحق ؟ قلنا : فمن أين استحللتم أن لا تحكموا بها في البلاد التي اصطلح أهلها على ترك الحكم بها فيها ؟ ومتى رأيتم سنة يفسح للناس في تركها ومخالفتها ؟ حاش لله من هذا . أبو محمد
وإن قالوا : ليست سنة ولا حقا ؟ قلنا : بأي وجه استحللتم أن تأخذوا بها أموال الناس المحرمة فتعطوها غيرهم بالكره منهم ؟ ولعل المحكوم عليه فقير هالك ، والمحكوم له غني أشر ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ففسختم البيوع الصحيحة بما ليس سنة ولا حقا ، إذ أبحتم ترك الحكم بالسنة والحق ، ولا مخلص لكم من أحدهما ، وهذا كما ترى . [ ص: 279 ] وأما قول إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام في الجوائح : فإنه لا يعرف عن أحد قبله مما ذكرنا عنه من التقسيم بين الثمار ، والمقاثي ، وبين البقول ، والموز ولا يعضد قوله في ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة أصلا ، ولا قول أحد ممن سلف ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه . مالك
ولهم في تخصيص الثلث آثار ساقطة نذكرها أيضا إن شاء الله تعالى ونبين وهيها - وقولنا في هذا هو قول ، أبي حنيفة ، وسفيان الثوري - وأحد قولي وأبي سفيان ، وقول جمهور السلف . الشافعي
كما روينا من طريق أبي عبيدة نا عن عبد الله بن صالح أخبرني الليث بن سعد أبو بكر بن سهل بن حنيف أن أهل بيته كانوا يلزمون المشتري الجائحة - قال : وبلغني عن الليث أنه قضى بالجائحة على المشتري . عثمان بن عفان
قال : وذهب أبو محمد : أحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، في أول قوله إلى حط الجائحة في الثمار عن المشتري - قلت أو كثرت - وهذا قول له متعلق بأثر صحيح ، نذكره إن شاء الله تعالى ونبين وجهه وحكمه بحول الله تعالى وقوته . والشافعي
روينا من طريق نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن عباد عن أبو ضمرة عن ابن جريج أنه سمع أبي الزبير يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { جابر بن عبد الله } . لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل أن تأخذ منه شيئا ، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ؟
ومن طريق نا مسلم بشر بن الحكم نا - عن سفيان - هو ابن عيينة حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن { جابر بن عبد الله } . أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح
قال : وهذان أثران صحيحان . علي
وقالوا أيضا : على بائع الثمرة إسلامها إلى المشتري طيبة كلها فإذا لم يفعل ، سقط عن المشتري بمقدار ما لم يسلم إليه كما يلزم . [ ص: 280 ] ومن طريق عن ابن وهب أنس بن عياض أن أبا إسحاق مقدما مولى أم الحكم بنت عبد الحكم حدثه أن قضى بوضع الجوائح . عمر بن عبد العزيز
وبه إلى عن ابن وهب عثمان بن الحكم عن عن ابن جريج قال : الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو ريح أو حريق أو جراد . عطاء
قال : إن لم يأت ما يبين أن هذين الخبرين المذكورين على غير ظاهرهما وإلا فلا يحل خلاف ما فيهما ، وعلى كل حال فلا حجة فيهما لقول أبو محمد ، بل هما حجة عليه ; لأنه ليس فيهما تخصيص ثلث من غيره . مالك
فنظرنا هل جاء في هذا الحكم غير هذين الخبرين ؟ فوجدنا ما رويناه من طريق نا مسلم نا قتيبة بن سعيد عن ليث بن سعد - عن بكير - هو ابن الأشج عن عياض بن عبد الله قال : { أبي سعيد الخدري } فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله لغرمائه ، ولم يسقط عنه لأجل الجائحة شيئا ؟ فنظرنا في هذا الخبر مع خبري أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها ، فكثر دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك المتقدمين . جابر
فوجدنا خبرين من طريق ، جابر ، قد وردا ببيان تتألف به هذه الأخبار كلها - بحمد الله تعالى . وأنس
كما روينا من طريق حدثني مسلم أبو الطاهر أنا أخبرني ابن وهب عن مالك حميد الطويل عن { أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى تزهي قالوا : وما تزهي ؟ قال : تحمر ، أرأيت إذا منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك ؟ } .
ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرنا نا قتيبة - عن سفيان - هو ابن عيينة حميد الأعرج [ ص: 281 ] عن سليمان بن عتيق عن { جابر } . فصح بهذين الخبرين أن الجوائح التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضعها هي التي تصيب ما بيع من الثمر سنين ، وقبل أن يزهي ، وأن الجائحة التي لم يسقطها وألزم المشتري مصيبتها ، وأخرجه عن جميع ماله بها - : هي التي تصيب الثمر المبيع بعد ظهور الطيب فيه وجواز بيعه - وبالله تعالى التوفيق . أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر السنين
وأيضا : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } فلم يخص عليه السلام شجرا في ورقه من ثمر موضوع الأرض وهم يخصون ذلك بآرائهم ، فقد صح خلافهم لهذا الخبر وتخصيصهم له ، وبطل احتجاجهم به على عمومه والأخذ فيه . لو بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا
وأمر بوضع الجوائح ولم يذكر في ثمر ولا في غيره ، ولا في أي جائحة هو - فصح أنهم مخالفون له أيضا ، وبطل أن يحتجوا به على عمومه ، وصار قولهم ، وقولنا في هذين الخبرين سواء في تخصيصهم ، إلا أنهم خصوهما بلا دليل ؟ قال : والخسارة لانحطاط السعر جائحة بلا شك ، وهم لا يضعون عنه شيئا لذلك - وأما قولهم على البائع أن يسلمها طيبة إلى المشتري ؟ فباطل ما عليه ذلك ، إنما عليه أن يسلم إليه ما باع بيعا جائزا فقط ، إذ لم يوجب عليه غير ذلك نص ولا إجماع - وهذا مما خالف فيه المالكيون القياس ، والأصول ، إذا جعلوا مالا ربحه وملكه لزيد ، وخسارته على عمرو : الذي لا يملكه . أبو محمد
قال : وأما الآثار الواهية التي احتج بها مقلدو علي - : فروينا من طريق مالك عبد الملك بن حبيب الأندلسي نا عن مطرف عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي طوالة } . [ ص: 282 ] قال إذا أصيب ثلث الثمر فقد وجب على البائع الوضيعة عبد الملك : وحدثني أصبغ بن الفرج عن السبيعي عبد الجبار بن عمر عن ربيعة الرأي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجائحة إذا بلغت ثلث الثمر فصاعدا } .
قال عبد الملك : وحدثني عن عبيد الله بن موسى خالد بن إياس عن يحيى بن سعيد عن عن أبي الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { جابر خمس من الجوائح : الريح ، والبرد ، والحريق ، والجراد ، والسيل } .
قال : هذا كله كذب : أبو محمد عبد الملك مذكور بالكذب .
والأول مرسل مع ذلك .
والسبيعي مجهول لا يدري أحد من هو ؟ وعبد الجبار بن عمر ضعيف وهو أيضا مرسل - فسقط كل ذلك ، وخالد بن إياس ساقط - ثم لو صح لما كان فيه أمر بإسقاط الجوائح أصلا ، لا بنص ، ولا بدليل ، إلا أن الحنفيين الذين يحتجون بروايات الكذابين ومرسلاتهم : كمبشر بن عبيد الحلبي ، وجابر الجعفي ; وغيرهما : فلا عذر لهم في أن لا يأخذوا بهذه المراسيل - وهذا مما تناقضوا فيه .
وذكر المالكيون عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رويناه من طريق نا عبد الملك بن حبيب ابن أبي أويس عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن : أنه كان يقضي بوضع الجائحة إذا بلغت ثلث الثمر فصاعدا . علي بن أبي طالب
ومن طريق ابن حبيب أيضا حدثني الحذافي عن عن الواقدي موسى بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن قال : باع سليمان بن يسار من عبد الرحمن بن عوف عينا له فأصابه الجراد فأذهبه أو أكثره ، فاختصما إلى سعد بن أبي وقاص فقضى على عثمان برد الثمن إلى عبد الرحمن . سعد
قال : وكان الواقدي سهل بن أبي حثمة ، ، وعمر بن عبد العزيز والقاسم ، وسالم ، ، وعلي بن الحسين ، وسليمان بن يسار - : يرون الجائحة موضوعة عن المشتري إذا بلغت الثلث فصاعدا . وعطاء بن أبي رباح
قال : هذا كله باطل ، لأنه كله من طريق أبو محمد ، ثم عبد الملك بن حبيب الحسين بن عبد الله بن ضميرة مطرح ، متفق على أن لا يحتج بروايته ، وأبوه مجهول ، مذكور بالكذب . [ ص: 283 ] ثم لو صح حديث والواقدي لكان فيه أن عثمان لم ير رد الجائحة وإن أتت على الثمر كله أو أكثر - وإذا وقع الخلاف فلا حجة في قول بعضهم دون بعض ، والثابت في هذا عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه - وهو عالم أهل ابن عمر المدينة في عصره - ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب محمد نا نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الله بن دينار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } ، فقيل لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه : ما صلاحه ؟ قال : تذهب عاهته " . لابن عمر
قال : تأملوا هذا فإن أبو محمد روى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر قبل ، بدو صلاحه - وفسر ابن عمر بأن بدو صلاح الثمر : هو ذهاب عاهته . ابن عمر
فصح يقينا أن العاهة وهي الجائحة لا تكون عند إلا قبل بدو صلاح الثمر ، وأنه لا عاهة ، ولا جائحة بعد بدو صلاح الثمر ، وهذا هو نص قولنا - والحمد لله رب العالمين - ولا يصح غير هذا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . ابن عمر
ومن تناقض المالكيين في هذا أنهم يقولون فيمن - : لم يسقط عنه لذلك شيء من الثمن - . باع ثمرا قد طاب أكله وحضر جداده فأجيح كله أو بعضه
وهذا خلاف كل ما ذكرنا آنفا من الموضوعات جملة .
فإن احتجوا في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } . الثلث والثلث كثير
قلنا : نعم هذا في الوصية ، ولكن من أين لكم أن الكثير من الجوائح يوضع دون القليل حتى تحدوا ذلك بالثلث ؟ وأنتم تقولون في - : أنه توضع عنه الجائحة . غني له مائة ألف دينار ابتاع ثمرا بثلاثة دراهم فأجيح في ثلث الثمرة ثم باع الباقي بدينار
وتقولون في - : أنه لا يحط عنه شيء ، والكثير والقليل إنما هما بإضافة كما ترى لا على الإطلاق . [ ص: 284 ] ثم لم يلبثوا أن تناقضوا أسمج تناقض وأغثه وأبعده عن الصواب للمرأة ذات الزوج أن تحكم في الصدقة بالثلث من مالها فأقل بغير رضا زوجها ، ولا يجوز لها ذلك فيما كان أكثر من الثلث إلا بإذن زوجها ، فجعلوا الثلث ههنا قليلا كما هو دون الثلث وجعلوه في الجائحة كثيرا بخلاف ما دونه . مسكين ابتاع ثمرة بدينار فذهب ربعها ثم رخص الثمر فباع الباقي بدرهم
ثم قالوا : إن اشترط المحبس مما حبس الثلث فما زاد بطل الحبس ، فإن اشترط أقل من الثلث جاز وصح الحبس - فجعلوا الثلث ههنا كثيرا بخلاف ما دونه .
ثم قالوا : من يكون ما عليهما من الفضة ثلث قيمة الجميع فأقل فهذا قليل ، ويجوز بيعه بالفضة وإن كان ما عليهما من الفضة أكثر من الثلث لم يجز أن يباعا بفضة أصلا - فجعلوا الثلث ههنا قليلا في حكم ما دونه . باع سيفا محلى بفضة أو مصحفا كذلك
وأباحوا أن يستثني المرء من ثمر شجره ومن زرع أرضه إذا باعها مكيلة تبلغ الثلث فأقل - ومنعوا من استثناء ما زاد على الثلث - فجعلوا الثلث ههنا قليلا في حكم ما دونه .
ثم منعوا من أن يستثني منها مقدار ثلثها فصاعدا ، وأباحوا له أن يستثني منها أرطالا أقل من الثلث - فجعلوا الثلث ههنا كثيرا بخلاف ما دونه . باع شاة واستثنى من لحمها لنفسه أرطالا
ثم أباحوا لمن اشترى دارا فيها شجر فيها ثمر لم يبد صلاحه أن يدخل الثمر في كراء الدار إن كان الثلث بالقيمة منه ومن كراء الدار - ومنعوا من ذلك إذا كان الثلث فأكثر - : فجعلوا الثلث ههنا قليلا في حكم ما دونه .
ثم جعلوا العشر قليلا وما زاد عليه كثيرا فقالوا فيمن : أنها تلزم الآمر ; لأن هذا قليل ، قالوا : فإن اشتراها له بأكثر لم يلزم الآمر ; لأنه كثير - وهذا يشبه اللعب ، فيا للناس ؟ أبهذه الآراء تشرع الشرائع وتحرم وتحلل ، وتباع الأموال المحرمة وتعارض السنن ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل . أمر آخر بأن يشتري له خادما بثلاثين دينارا فاشتراها له بثلاثة وثلاثين دينارا
وروينا من طريق عن ابن وهب عثمان بن الحكم عن قال : لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال . [ ص: 285 ] ومن طريق يحيى بن سعيد الأنصاري حدثنا عبد الرزاق أخبرني من سمع معمر الزهري قال : قلت ما الجائحة ؟ قال : النصف .
قال : فهذا علي الزهري لا يرى الجائحة إلا النصف .
وهذا فقيه يحيى بن سعيد المدينة لا يرى الجائحة إلا في الثمن ، لا في عين الثمرة - وكل ذلك خلاف قول - وبالله تعالى التوفيق . مالك