[ ص: 575 ] مسألة : هذا حكم كل معيب حاشا المصراة فقط ، فإن حكمها أن من ، فلما حلبها افتضح له الأمر : فله الخيار ثلاثة أيام ، فإن شاء أمسك ولا شيء له ، وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر ولا بد . اشترى مصراة وهي ما كان يحلب من إناث الحيوان ، وهو يظنها لبونا فوجدها قد ربط ضرعها حتى اجتمع اللبن
وسواء كانت المصراة واحدة أو اثنتين أو ألفا أو أكثر لا يرد في كل ذلك إلا صاعا واحدا من تمر ، وسواء كان اشتراها بكثير أو بقليل ، ولو بعشر صاع تمر .
فإن رده كما هو حليبا أو حامضا - فإن كان قد استهلكه رد معها لبنا مثله ، وإن كان قد مخضه أو عقده رده ، فإن نقص عن قيمته لبنا رد ما بين النقص والتمام ; لأنه لبن البائع - ، وليس عليه رد ما حدث من اللبن في كونها عنده ; لأنه حدث في ماله فهو له . كان اللبن الذي في ضرعها يوم اشتراها حاضرا
فإن لم يلزمه رد التمر ولا شيء غير اللبن الذي كان في ضرعها إذا اشتراها ، فإن انقضت الثلاثة الأيام ، ولم يردها بعد لزمته ، وبطل خياره إلا من عيب آخر غير التصرية . ردها بعيب آخر غير التصرية
وإنما سميت مصراة ; لأن التصرية هي الجمع وهذه جمع لبنها - وهي أيضا المحفلة ; لأنه قد حفل لبنها في ضرعها .
برهان ذلك - : ما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا نا محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : { أبا هريرة } السمراء : البر فهذا خبر صحيح يقتضي كل ما قلناه وهو الزائد على سائر الأخبار . من ابتاع محفلة أو مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أن يمسكها أمسكها ، وإن شاء أن يردها ردها وصاعا من تمر لا سمراء
وقد روينا من طريق نا البخاري محمد بن عمرو بن جبلة نا أخبرني مكي بن إبراهيم زياد قال : إن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع يقول : قال [ ص: 576 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبا هريرة } . من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر
قال : روينا خبر المصراة من طريق أبو محمد ، ابن سيرين وثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ، كما أوردنا .
ومن طريق محمد بن زياد ، وموسى بن يسار وأبي صالح السمان ، وهمام بن منبه ، والأعرج ، ومجاهد وأبي إسحاق ، ويزيد بن عبد الرحمن بن أذينة ، وغيرهم . ورواه عن هؤلاء : ، حماد بن سلمة وداود بن قيس ، ، وسهيل بن أبي صالح ، ومعمر وأيوب ، ، وحبيب بن الشهيد ، وهشام بن حسان ، ومالك ، وابن عيينة ، كلهم عن وعبيد الله بن عمر عن أبي الزناد ، الأعرج عن وابن جريج زياد عن ثابت ، عن والليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة - وهؤلاء الأئمة الأثبات الثقات . الأعرج
ورواه عن هؤلاء من لا يحصيهم إلا الله - عز وجل - ، فصار نقل كافة وتواتر لا يرده إلا محروم غير موفق - وبهذا يأخذ السلف قديما وحديثا .
وروينا من طريق نا البخاري مسدد نا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول : نا - عن أبو عثمان - هو النهدي قال " من اشترى محفلة فليرد معها صاعا من تمر " وهذا إسناد كاللؤلؤ وصح أيضا عن عبد الله بن مسعود من فتياه - ولا مخالف لهما من الصحابة في ذلك أبي هريرة
- وهو قول ، الليث بن سعد في أحد قوليه ، وأصحابه ، إلا ومالك . أشهب
وهو قول ، الشافعي ، وأصحابهما ، وأحمد بن حنبل ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وإسحاق بن راهويه ، وجميع أصحابنا ، وأحد قولي وأبي سليمان - وقال أبي ليلى : يردها وصاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر . زفر بن الهذيل
قال : وهذه زيادة على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعد لحدوده ، والزائد في الشيء كالناقص منه . أبو محمد
[ ص: 577 ] وقال في أحد قوليه ، ابن أبي ليلى في أحد قوليه يردها وقيمة صاع من تمر - وهو أيضا خلاف أمره عليه الصلاة والسلام . وأبو يوسف
وقال في أحد قوليه : يؤدي أهل كل بلد صاعا من أغلب عيشهم - وهذا خلاف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . مالك
وقال ، أبو حنيفة : إن ومحمد بن الحسن ردها ورد اللبن ، ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئا ، وإن كان قد أكل اللبن لم يكن له ردها ، لكن يرجع بقيمة العيب فقط - وهذا خلاف ظاهر لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من ذلك . كان اللبن حاضرا لم يتغير
وقال : إن كان قد أكل اللبن ردها وقيمة ما أكل من اللبن . ويكفي من فساد هذين القولين : أنهما خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا سلف لهم فيه ، وما نعلم أحدا قاله قبلهم ، وأنه خلاف قول أبو يوسف ، ابن مسعود ، ولا مخالف لهم من الصحابة - وهم يعظمون مثل هذا إذا خالف تقليدهم . وأبي هريرة
قال : واعترضوا في ذلك بأن تعللوا في الخبر بعلل ، فمرة قالوا : هو مخالف للأصول ؟ فقلنا : كذبتم ، بل هو أصل من كبار الأصول ، وإنما المخالف للأصول قولكم في الوضوء من القهقهة في الصلاة خاصة . أبو محمد
وقولكم بأن القلس لا ينقض الوضوء أصلا إلا إذا كان ملء الفم .
وقولكم في جعل الآبق أربعون درهما إذا كان على مسيرة ثلاث .
وقولكم في عين الدابة ربع ثمنها ، والوضوء بالخمر ، وسائر تلك الطوام التي هي بالمضاحك ، وبما يأتي به المبرسم : أشبه منها بشرائع الإسلام .
ومرة قالوا : لما لم يقس عليه القائلون به علمنا أنه متروك ؟ فقلنا : القياس باطل ; وهلا عارضتم أنفسكم بهذا الاعتراض ، إذ لم تقيسوا على المنع من بيع المدبر المنع من بيع الموصى بعتقه والمعتق بصفة ، وإذ لم تقيسوا على الخبز في الأكل ناسيا وهو صائم ، وإذ لم تقيسوا على الجنين يلقى فيكون فيه غرة .
ومرة قالوا : هو منسوخ بالتحريم في الربا ; لأنه طعام من التمر بطعام من اللبن ؟ فقلنا : كذبتم ما هو لبن بطعام ولا بتمر ، إنما هو تمر أوجبه الله - تعالى - للبائع على المبتاع - إن رد عليه المصراة - كما أوجب الصداق على الزوج لا على المرأة وهي مستحلة بذلك [ ص: 578 ] النكاح فرجه الذي كان حراما عليها ، كما هو مستحل به فرجها الذي كان عليه حراما ولا فرق .
وكما أوجب الدية على العاقلة ولا ندب لها .
ومرة قالوا : أرأيتم إن كان إنما باعها منه بمد تمر أليس ترجع عليه وصاع تمر ، أو أرأيتم إن كان لبنها كثيرا جدا أو قليلا جدا ، أليس صاع التمر عوضا مرة عن نصف صاع اللبن ، ومرة عن صيعان كثيرة من اللبن ؟ قلنا : لا ، ما هو عوضا عن اللبن ، وأما في ابتياعه إياها بمد تمر فنقول : نعم ، فكان ماذا ؟ { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وهلا عارضتم أنفسكم بهذه المعارضة إذ قلتم : يغرم سيد الآبق لمن رده عليه أربعين درهما - وإن كان الآبق لا يساوي إلا درهما واحدا - ولا يؤدي قاتل الأمة خطأ إلا خمسة آلاف درهم غير خمسة دراهم - ولو أنها كانت تساوي مائة ألف دينار ؟ فههنا في هذه الحماقات هو الاعتراض ، لا على المتيقن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومرة قالوا : كان هذا الحكم إذ كانت العقوبات في الأموال كحرق رحل الغال ، ونحو ذلك ؟ فقلنا : كذبتم كما كذب الشيطان ، وقلتم ما لم يأت قط في شيء من الروايات ، وتلك الأخبار التي ذكرتم منقسمة إلى ثلاث أقسام - : إما خبر باطل ، كحديث أخذ نصف مال مانع الزكاة ، وحديث حرق رحل الغال ، وحديث واطئ أمة امرأته .
وإما خبر ثابت ، - فحكمه باق كالكفارة على الواطئ عامدا في نهار رمضان ، والدية على قاتل العمد إذا رضيها أولياء القتيل ، وجزاء الصيد .
وإما قسم ثبت بنص آخر نسخه فوجب القول بأنه منسوخ وما نذكره في وقتنا هذا إلا أنه لو وجد لصدق - وأما كل من ادعى في خبر ثابت نسخا فهو كاذب آفك آثم قائل على الله - تعالى - ما لم يقله ، ومخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يخبر به عن نفسه ، قائل ما لا علم له به . [ ص: 579 ]
وهكذا كل من حمل الحديث على غير ظاهره بأي وجه أحاله ؟ فجوابه : كذبت كذبت كذبت ، وقلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الباطل ، وقولته ما لم يقله وحكمت بالظن الذي هو أكذب الحديث ، ورددت اليقين بالظنون .
وقال بعضهم هذا حديث مضطرب فيه ، رواه عن سعيد بن منصور عن فليح بن سليمان أيوب بن عبد الرحمن عن يعقوب بن أبي يعقوب عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . من اشترى شاة مصراة فالمشتري بالخيار إن شاء ردها وصاعا من لبن
ورواه أبو داود نا أبو كامل نا عبد الواحد نا صدقة بن سعيد عن جميع بن عمير التيمي [ قال ] : سمعت يقول فذكره وفيه : { عبد الله بن عمر } . فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا
ورواه حماد بن أبي الجعد عن عن قتادة عن ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . صاعا من تمر ، لا سمراء
وهكذا رواه عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين مسندا - وهكذا رواه أبي هريرة عبد الأعلى عن عن هشام بن حسان عن ابن سيرين مسندا - ورواه أبي هريرة عن قرة بن خالد عن ابن سيرين عن النبي : { أبي هريرة } . صاعا من طعام لا سمراء
رويناه من طريق نا البزار عمرو بن علي نا عن أبو عاصم الأشعث - هو ابن عبد الملك الحمراني - عن عن محمد بن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . من اشترى شاة محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن ردها ردها ورد معها صاعا من تمر لا سمراء
ومن طريق نا مسلم محمد بن عمرو بن جبلة نا أبو عامر - هو العقدي - نا - عن قرة - هو ابن خالد عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء
وهكذا رواه الحجاج بن المنهال عن عن حماد بن سلمة أيوب عن وحبيب بن الشهيد عن ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . صاعا من طعام لا سمراء
[ ص: 580 ] ومن طريق أخبرني شعبة أنه سمع الحكم بن عتيبة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبد الرحمن بن أبي ليلى } . ردها ومعها صاع من طعام
ومن طريق عن روح بن عبادة عن عوف بن أبي جميلة ، خلاس بن عمرو ، كلاهما عن وابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . ردها وإناء من طعام
قالوا : فهذا اضطراب شديد ؟ قلنا : كلا ، أما حديث ، ففيه : سعيد بن منصور فليح - وهو متكلم فيه .
وأيوب بن عبد الرحمن - هو العدوي - ضعيف مجهول .
ويعقوب بن أبي يعقوب - مجهول - فسقط .
وأما حديث ففيه ابن عمر صدقة بن سعيد ، وجميع بن عمير ، وهما ضعيفان - فسقط .
وأما رواية عوف { } فمجمل ، فسرته سائر الأحاديث بأن ذلك الإناء صاع . إناء من طعام
وأما رواية عن الحجاج فإننا رويناها من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن المثنى بإسناده ، فشك فيه الحجاج ، أهو بر أم لا . الحجاج
ورويناها عن عن حماد بن سلمة أيوب ، ، وهشام بن حسان من طريق وحبيب بن الشهيد فقال : صاع تمر ، ولا يشك . موسى بن إسماعيل
وحماد بن الجعد عن ضعيف . قتادة
فلم يبق إلا حديث أشعث وقرة عن عن ابن سيرين ، وهما صحيحان لا علة فيهما ، أحدهما { أبي هريرة } والآخر { صاع تمر ، لا سمراء } والطعام قد بينا قبل أنه البر نفسه فقط إذا أطلق هكذا . صاع طعام ، لا سمراء
فقال قوم : إن هو الذي اضطرب عليه فالواجب ترك ما اضطرب عليه فيه ، والرجوع إلى رواية من رواه عن ابن سيرين سواه فلم يضطرب عليه فيه ، وهم جماعة . أبي هريرة
قال : ولسنا نقول بهذا ; لأنه لم يوجد هذا الحكم قرآن ، ولا سنة ، ولا [ ص: 581 ] معقول ، لكنا نقول - وبالله - تعالى - التوفيق : إن كلا اللفظين صحيح من طريق الإسناد ، ولا سبيل إلى القطع بالوهم والخطأ على رواية ثقة إلا بيقين لا يحتمل غيره . أبو محمد
ولا تخلو " السمراء " من أن تكون لفظة واقعة على بعض أصناف البر ، أو تكون اسما واقعا على جميع البر ، فإن كانت واقعة على جميع البر ، فحديث هؤلاء وهم بلا شك ، وخطأ بلا محالة ; لأنه لا يجوز أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من بر ولا من بر .
وإن كانت لفظة " السمراء " واقعة على بعض أصناف البر فالواجب أن لا يجزي في المصراة من جميع أنواع الحيوان كلها إلا صاع تمر فقط ، إلا الشاة وحدها ، فإنه يرد معها صاعا من تمر ، كما ذكرنا ، أو صاعا من أي أصناف البر أعطى ، حاشا " السمراء " لا يجزي غير التمر ، وغير " البر " في الشاة إن كان كما ذكرنا - وبالله - تعالى - التوفيق .
فإن لم يوجد التمر فقيمته لو وجد في ذلك المكان ، أو تكليف المجيء بالتمر ولا بد .
فإن قيل : فمن أين قلتم برد اللبن أو تضمينه ، وليس هو في الخبر ؟ قلنا : ولا في الخبر أن لا يرده ، إلا أن اللبن مشترى مع الشاة صفقة واحدة ، والواجب إمساك الصفقة أو ردها كما قدمنا بالنصوص التي ذكرنا ، لا يترك بعضها البعض .
فإن قيل : قد جاء في الخبر ففي حلبتها صاع من تمر ؟ قلنا : نعم ، والحلبة هي الفعل ، وقد تكون أيضا اللبن المحتلب ، إلا أنه إنما سمي بذلك مجازا ، ولا يجوز نقل اللفظة عن موضوعها إلى المجاز إلا بنص ، والأموال محرمة إلا بنص - ، وبالله تعالى التوفيق .