[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشفعة 1595 مسألة : غير مقسوم بين اثنين فصاعدا ، من أي شيء كان مما ينقسم ، ومما لا ينقسم : من أرض ، أو شجرة واحدة ، فأكثر ، أو عبد ، أو ثوب ، أو أمة ، أو من سيف ، أو من طعام ، أو من حيوان ، أو من أي شيء بيع : لا يحل لمن له ذلك الجزء أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه ، فإن أراد من يشركه فيه الأخذ له بما أعطى فيه غيره فالشريك أحق به ، وإن لم يرد أن يأخذ فقط سقط حقه ، ولا قيام له بعد ذلك إذا باعه ممن باعه . الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعا
فإن لم يعرض عليه كما ذكرنا حتى باعه من غير من يشركه فيه ؟ فمن يشركه مخير بين أن يمضي ذلك البيع وبين أن يبطله ويأخذ ذلك الجزء لنفسه بما بيع به .
وها هنا خلاف في أربعة مواضع :
أحدها هل يجوز أم لا ؟ بيع المشاع
والثاني : هل يكون في بيعه شفعة أم لا ؟
والثالث : الأشياء التي تكون فيها الشفعة .
والرابع : إن ؟ فقال عرض البائع على من يشركه قبل أن يبيع فأبى شريكه من الأخذ هل يسقط حقه بذلك أم لا عبد الملك بن يعلى وهو تابعي قاضي البصرة : لا يجوز بيع المشاع ، روينا ذلك من طريق أنا حماد بن زيد قال : رفع إلى أيوب السختياني عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة رجل باع نصيبا له غير مقسوم فلم يجزه ، فذكر فرآه غير جائز . [ ص: 4 ] لمحمد بن سيرين
وقال : لا بأس بالشريكين يكون بينهما المتاع أو الشيء الذي لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقاسمه . محمد بن سيرين
وقال الحسن : لا يبع منه ولا من غيره حتى يقاسمه إلا أن يكون لؤلؤة أو ما لا يقدر على قسمته .
وأجاز بيع المشاع ولم ير الشفعة للشريك . عثمان البتي
وقال ، أبو حنيفة : لا شفعة إلا في الأرض فقط أو في أرض بما فيها من بناء أو شجر نابت فقط . والشافعي
قال : الشفعة واجبة في الأرض وحدها ، وفي الأرض بما فيها من بناء أو شجر نابت ، أو في الثمار التي في رءوس الشجر وإن بيعت دون الأصول . مالك
وروينا عن رضي الله عنه لا شفعة في بئر ولا فحل : رويناه من طريق عثمان بن عفان نا ابن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عن أبيه قال : لا شفعة في بئر ولا فحل والأرف يقطع كل شفعة . أبان بن عثمان بن عفان
الأرف الحدود والمعالم .
قال : وبرهان صحة قولنا : ما رويناه من طريق أبو محمد أنا البخاري مسدد أنا أنا عبد الواحد هو ابن زياد عن معمر الزهري عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : { جابر بن عبد الله } . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
ومن طريق أيضا أنا البخاري أنا محمود هو ابن غيلان أنا عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : { جابر بن عبد الله } . [ ص: 5 ] جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
ووجدت في كتاب يحيى بن مالك بن عائذ بخطه : أخبرني القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن سلمة المعروف بابن أبي حنيفة قال : نا قال نا أبو جعفر الطحاوي محمد بن خزيمة أنا يوسف بن عدي هو القراطيسي أنا ابن إدريس هو عبد الله الأودي عن عن ابن جريج عن عطاء قال : { جابر } . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء
قال : وحدثنا الطحاوي إبراهيم بن أبي داود نا نعيم أنا الفضل بن موسى عن عن أبي حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عباس } . الشريك شفيع والشفعة في كل شيء
ومن طريق أنا مسلم أبو الطاهر أنا عن ابن وهب أن ابن جريج أخبره أنه سمع أبا الزبير يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { جابر بن عبد الله } . [ ص: 6 ] الشفعة في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط ، لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع ، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه
قال : فهذه آثار متواترة متظاهرة بكل ما قلنا ، أبو محمد ، جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن { وابن عباس } الشفعة في كل مال ، وفي كل شيء ، وفي كل ما لم يقسم .
ورواها كذا عن : جابر سماعا منه أبو الزبير ، وعطاء ، ورواه عن وأبو سلمة : ابن عباس ، فارتفع الإشكال جملة ولله تعالى الحمد . ابن أبي مليكة
وممن قال بقولنا في هذا كما روينا عن أنا ابن أبي شيبة أنا يزيد بن هارون يحيى بن سعيد عن عون بن عبيد الله بن أبي رافع عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن قال : إذا وقعت الحدود وعرف الناس حقوقهم فلا شفعة بينهم . عمر بن الخطاب
ومن طريق أنا سعيد بن منصور أنا هشيم عن محمد بن إسحاق منظور بن أبي ثعلبة عن أن أباه أبان بن عثمان بن عفان عثمان قال : لا مكايلة إذا وقعت الحدود فلا شفعة .
فهذان ، عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يحملان قطع الشفعة بعد وجوبها بوقوع الحدود ، ومعرفة الناس حقوقهم ولم يخصا أرضا دون سائر الأموال ، بل أجملا ذلك ، والحدود تقع في كل جسم مبيع ، وكذلك معرفة كل أحد حقه . وعثمان بن عفان
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع ابن مليكة قال : { } . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء : الأرض والدار ، والجارية ، والخادم
فقال : إنما الشفعة في الأرض والدار . عطاء
فقال له ابن أبي مليكة : تسمعني لا أم لك ، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقول مثل هذا وإلى هذا رجع عطاء
كما روينا من طريق قال أنا وكيع أبان عن عبد الله البجلي قال : سألت عن الشفعة في الثوب ؟ فقال : له شفعة وسألته عن الحيوان ؟ فقال : له شفعة وسألته عن العبد ؟ فقال : له شفعة . [ ص: 7 ] فهذان : عطاء ، عطاء وابن أبي مليكة بأصح إسناد عنهما .
قال : فلا تخلو الشفعة من أن تكون من طريق النص كما نقول نحن أو من طريق النظر كما يقول المخالفون . أبو محمد
فإن كانت من طريق النص فهذه النصوص التي أوردنا لا يحل الخروج عنها وإن كانت من طريق النظر كما يزعمون أنها إنما جعلت لدفع ضرر عن الشريك فالعلة بذلك موجودة في غير العقار كما هي موجودة في العقار ، بل أكثر ، وفيما لا ينقسم ، كوجودها فيما ينقسم ، بل هي فيما لا ينقسم أشد ضررا .
فأما من منع بيع المشاع فما نعلم لهم حجة أصلا ، بل هو خلاف القرآن ، والسنة ، قال الله تعالى : { وأحل الله البيع } .
وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .
فهذا بيع لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال .
ولقد كان يلزم الحنفيين المحرمين : أن يمنعوا من بيع الجزء من المشاع ; لأن العلة في كل ذلك واحدة ، والقبض واجب في البيع كما هو في الهبة ، والرهن ، والصدقة والإجارة ولكن التخاذل في أقوالهم في الدين أخف شيء عليهم . رهن الجزء من المشاع ، وهبة الجزء من المشاع ، والصدقة بالجزء من المشاع ، والإجارة للجزء المشاع
فإن قالوا : اتبعنا في إجازة بيع المشاع الآثار المذكورة ؟ قلنا : ما فعلتم ، بل خالفتموها كما نبين بعد هذا إن شاء الله عز وجل ، وأقرب ذلك مخالفتكم إياها في سقوط حق الشريك إذا عرض عليه الأخذ قبل البيع فلم يأخذ ، فقلتم : بل حقه باق ولا يسقط .
وأيضا فقد جاء نص بهبة المشاع إذ { } فلم تجيزوه . وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعريين ثلاث ذود من الإبل بينهم
وأما من لم يقل بالشفعة فإن حجته أن يقول : خبر الشفعة مخالف للأصول ، ومن ملك شيئا بالشراء فلا يجوز لغيره أخذه وهذا خلاف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان يلزم الحنفيين المخالفين للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكم المصراة ، [ ص: 8 ] ومن حكم من وجد سلعته عند مفلس فهو أولى بها ، والقرعة بين الأعبد الستة في العتق ، وقالوا : هذه الأخبار مخالفة للأصول أن يقولوا مثل هذا في خبر الشفعة ، ولكن التناقض أسهل شيء عليهم ، ولا حجة في نظر مع حكم ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما الخلاف فيما تكون فيه الشفعة فإنهم قالوا : إنما ذكر في حديث من رواية جابر { أبي الزبير } في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط .
وفي رواية عنه { أبي سلمة } وما نعلم لهم شيئا شغبوا به إلا هذا . فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أنه لا حجة لهم في هذين اللفظين ، أما { } فليس فيه أنه لا شفعة إلا في هذا فقط ، وإنما فيه إيجاب الشفعة في الأرض والربع والحائط ، وليس فيه ذكر هل الشفعة فيما عداها أم لا ؟ فوجب طلب حكم ما عدا هذه في غير هذا اللفظ ، وقد وجدنا خبر قوله عليه الصلاة والسلام : في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط هذا نفسه من طريق جابر بأن الشفعة في كل شيء ، وما يجهل أن عطاء فوق عطاء إلا جاهل . أبي الزبير
وقد جاء هذا الخبر من طريق أبي خيثمة زهير بن معاوية عن عن أبي الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم { جابر } أفترون هذا حجة في أن لا شفعة إلا في ربع أو نخل فقط دون سائر الثمار ؟ فإن قالوا : قد جاء خبر آخر بزيادة ؟ قلنا : وقد جاء خبر آخر لنا أيضا بزيادة { من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ، فإن رضي أخذ ، وإن كره ترك } ولا فرق فكيف والحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون ، المخالفون لنا في هذا أصحاب قياس بزعمهم ، فهلا قاسوا على حكم الأرض ، والحائط ، والبناء : سائر الأملاك بعلة الضرر ودفعه ، كما قاسوا على الذهب ، والفضة ، والبر ، والشعير ، والملح ، والتمر : سائر الأنواع ؟ فليت شعري ما الموجب للقياس هنالك وفي سائر ما قاسوا فيه ومنع منه هاهنا ، لا [ ص: 9 ] سيما والمالكيون ، والشافعيون يجعلون كل مال لم يقسم قياسا على البيع ، فهلا قاسوا البيع على البيع ، فهو أولى من قياس الصداق على البيع ؟ والمالكيون يرون الشفعة في الصداق ، فهلا قاسوا غير الثمرة على العقار كما قاسوا الثمرة على العقار ، لا سيما مع إقراره بأنه لا يعرف أحدا قال بذلك قبله . الشفعة في الثمرة دون الأصول
ثم كلهم مخالفون لهذا الخبر نفسه ، في أنهم لا يسقطون حق للشريك في الشفعة إذا عرض عليه شريكه أخذ الشقص بما يعطى فيه فلم يأخذه ، فكيف يحل لمسلم أن يجعل بعض خبر حجة ، لا سيما فيما ليس فيه منه شيء ، ولا يجعله حجة فيما هو فيه منصوص ونعوذ بالله من مثل هذا .
وأما اللفظ الذي في رواية عن أبي سلمة { جابر } فلا حجة لهم فيه ; لأنه ليس في هذا اللفظ نص ولا دليل على أن ذلك لا يكون إلا في الأرض ، والعقار ، والبناء . فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
بل الحدود واقعة في كل ما ينقسم من طعام ، وحيوان ، ونبات ، وعروض ، وإلى كل ذلك طريق ضرورة ، كما هو إلى البناء وإلى الحائط ولا فرق ، وكان ذكره عليه السلام للحدود والطرق إعلاما بحكم ما يمكن قسمته ، وبقي الحكم فيما لا يقسم على حسبه ، فكيف وأول الحديث بيان كاف في أن الشفعة واجبة في كل مال يقسم ، وفي كل ما لم يقسم ، وهذا عموم لجميع الأموال ما احتمل منها القسمة وما لم يحتملها .
ومن الباطل الممتنع أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد بهذا الحكم " الأرض " فقط ; ثم يجمل هذا الإجمال ، حاشا لله من هذا ، وهو مأمور بالبيان لا بالإبهام والتلبيس هذا أمر لا يتشكل في عقل ذي عقل سواه وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 10 ]
قال : فبطل أن يكون لهم متعلق ، وقد جسر بعضهم على جاري عادته في الكذب فادعى الإجماع على وجوب الشفعة في الأرض ، والبناء ، والأشجار فقط ، وادعى الإجماع على سقوط الشفعة فيما سواها . أبو محمد
قال : أما الإجماع على وجوب الشفعة في الأرض وما فيها من بناء وشجر : فقد أوردنا عن أبو محمد الحسن ، وابن سيرين وعبد الملك بن يعلى خلاف ذلك ، وهؤلاء فقهاء تابعون . وعثمان البتي
وأما الإجماع على أن لا شفعة فيما عدا ذلك ، فقد ذكرنا عموم الرواية عن عمر ، والرواية عن وعثمان ابن أبي مليكة ، ، وهو قول فقهاء أهل وعطاء مكة ، وهذا يرى الشفعة في الثمرة المبيعة دون الأصل . مالك
وما نعلم روي إسقاط الشفعة فيما عدا الأرض إلا عن ، ابن عباس ، وشريح ، ولا يصح عنهم ، وعن وابن المسيب وقد رجع عن ذلك وعن عطاء ، إبراهيم والشعبي ، والحسن ، وقتادة ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو عن هؤلاء صحيح . وربيعة
أما : فإن الرواية عنه في ذلك من طريق ابن عباس عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء : لا شفعة في الحيوان ابن عباس مجهول وليس فيه أيضا : أنه لا شفعة في غير الحيوان ، كما ليس في حديث محمد بن عبد الرحمن عثمان إسقاط الشفعة عن غير البر والفحل فبطل تعلقهم بها جملة .
وأما : فهو من طريق ابن المسيب ابن سمعان وهو مذكور بالكذب وهو عن من طريق شريح جابر الجعفي ، ويكفي .
ورويناه من طريق أنا سعيد بن منصور عن هشيم عبيدة ، وجرير ، ، قال ويونس عبيدة عن ، وقال إبراهيم جرير عن الشعبي قالا جميعا : لا شفعة إلا في دار ، أو عقار ، وقال عن يونس الحسن : لا شفعة إلا في تربة .
قال : ومثل عدد هؤلاء لا يعدهم إجماعا إلا كذاب ، قليل الحياء وقد أوردنا الخلاف في ذلك عمن ذكرنا وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 11 ] أبو محمد
وقد خالف هؤلاء كلهم ، فرأى مالك ، وليست دارا ، ولا عقارا ، ولا تربة ورأى الشفعة في التين ، والعنب ، والزيتون ، والفواكه في رءوس الشجر ابن شبرمة الشفعة في الماء .
والعجب من المالكيين في إجبارهم الشريك على أن يبيع مع شريكه ، ولم يوجب قط ذلك نص ، ولا أثر ، ولا قياس ، ولا نظر ، ثم لا يوجب له الشفعة ، وقد جاء بها النص .
وعجب آخر منهم ، ومن الحنفيين في قولهم : المسند كالمرسل سواء ، حتى أن بعضهم قال : بل المرسل أقوى ، وقد ذكرنا آنفا : أحسن المراسيل بإيجاب الشفعة في الجارية وفي الخادم .
وروينا من طريق أنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد العزيز بن رفيع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ابن أبي مليكة } وما نعلم في المرسلات أقوى من هذا فخالفوه ، وما عابوه إلا بإرسال ؟ فأي دين ، أو أي إحياء ، يبقى مع هذا ؟ ونعوذ بالله من الخذلان . في العبد شفعة وفي كل شيء
وأما سقوط حق الشريك إذا عرض عليه شريكه الأخذ فلم يأخذه ، فإن الحنفيين حاشا ، والمالكيين ، والشافعيين ، قالوا : لا يسقط حقه بذلك ، بل له أن يأخذ بعد البيع ، واحتجوا بأن قالوا : بأن الشفعة لم تجب له بعد ، وإنما يجب له بعد البيع ؟ فتركه ما لم يجب له بعد لا معنى له ، ولا يسقط حقه إذا وجب ، ما لهم حجة غير هذا أصلا . الطحاوي
وهذا ليس بشيء : أول ذلك قولهم : إن الشفعة لم تجب له بعد ، فهذا باطل ; لأن الشفعة وغير الشفعة من أحكام الديانة كلها لا تجب إلا إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فما لم يجئ هذا المجيء فليس هو من الدين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أوجب حق الشفيع بعرض الشفعة عليه قبل البيع ، وأسقط حقه بتركه الأخذ حينئذ ، ولم يجعل له بعد البيع حقا أصلا ، إلا بأن لا يعرض عليه قبل البيع فحينئذ يبقى له الحق بعد البيع ، وإلا فلا هذا هو حكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فليأتونا عنه عليه الصلاة والسلام بأن الأخذ لا يجب للشفيع إلا بعد البيع فقط ، وهذا ما لا يجدونه أبدا فظهر فساد قولهم من كثب . [ ص: 12 ]
وليت شعري أين كان الحنفيون عن هذا النظر حيث أجازوا الزكاة قبل الحول ، نعم ، وقبل دخوله ، والمالكيون كذلك قبل تمام الحول بشهرين ، والشافعيون كذلك قبل تمام الحول ؟ وأين كان المالكيون عن هذا النظر حيث أجازوا إذن الوارث للموصي في أكثر من الثلث والمال لم يجب لهم بعد ، ولا لهم فيه حق ولعله هو يرثهم أو لعله سيحدث له ولد يحجبهم ؟ وأين كانوا عن هذا النظر في إجازتهم الطلاق قبل النكاح ، والعتق قبل الملك ، فأعجبوا لهذه التخاليط وبه يقول جماعة من أهل العلم : كما روينا من طريق نا عبد الرزاق سفيان الثوري عن أشعث عن الحكم بن عتيبة في الرجلين بينهما دار أو أرض فقال أحدهما للآخر : أريد أن أبيع ولك الشفعة فاشتر مني ، فقال له الآخر : لا حاجة لي به ، قد أذنت لك أن تبيع ، فباع ، ثم يأتي طالب الشفعة فيقول قد قام الثمن وأنا أحق ، قال الحكم : لا شيء له إذا أذن .
قال سفيان : وبه نأخذ وهو قول ، أبي عبيد وإسحاق . والحسن بن حي
وأحد قولي : وطائفة من أصحاب الحديث . أحمد
فإن قال قائل : قد جاء هذا الخبر من طريق عن أبي الزبير وفيه : لا يحل له أن يبيع ؟ قلنا : لم يذكر فيه جابر سماعا من أبو الزبير ، وهو قد اعترف على نفسه بأن ما لم يذكر فيه سماعا فإنه حدثه به من لم يسمه عن جابر جابر
ثم لو صح لكان آخر الخبر حاكما على أوله ، ولا يحل ترك شيء ، صح من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا خبر رويناه من طريق إسحاق بن راهويه نا أنا عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن أبي الزبير { جابر } قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم : ربعة ، أو حائط ، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به
[ ص: 13 ] قال : فإنما جعله عليه السلام بعد البيع الذي لا يحل أحق فقط ، فلاح أن الحق في الأخذ أو الترك بعد البيع إلى الشفيع إذا لم يؤذن قبل البيع فإن أبطله بطل وإن أجازه فحينئذ جاز وبالله تعالى التوفيق . أبو محمد