المنحة 1649 - مسألة : والمنحة جائزة ، وهي في المحتلبات فقط  ، يمنح المرء ما يشاء من إناث حيوانه من شاء للحلب . 
وكدار يبيح سكناها ، ودابة يمنح ركوبها ، وأرض يمنح ازدراعها ، وعبد يخدمه ، فما حازه الممنوح من كل ذلك فهو له ، لا طلب للمانح فيها ، وللمانح أن يسترد عين ما منح متى شاء - سواء عين مدة أو لم يعين ، أشهد أو لم يشهد ; لأنه لا يحل مال أحد بغير طيب نفسه إلا بنص ، ولا نص في هذا ، وتعيينه المدة : عدة . 
وقد ذكرنا أن " الوعد " لا يلزم الوفاء به في " باب النذور ، والأيمان " من كتابنا هذا ، فأغنى عن إعادته . 
والإزراع ، والإسكان ، والإفقار ، والإمتاع ، والإطراق ، والإخدام ، والإعراء ، والتصيير : حكم ما وقع بهذه الألفاظ كحكم المنحة في كل ما ذكرنا ، سواء بسواء ولا فرق . 
وهذا كله قول  أبي حنيفة  ،  والشافعي  ،  وداود  ، وجميع أصحابهم . فالإزراع يكون في الأرض ، يجعل المرء لآخر أن يزرع هذه الأرض مدة يسميها ، أو طول حياته - والإسكان يكون في البيوت ، وفي الدور ، والدكاكين كما ذكرنا . 
 [ ص: 129 ] والإفقار : يكون في الدواب التي تركب . والإطراق : يكون في الفحول تحمل على الإناث . والإخدام : يكون في الرقيق الذكور والإناث . والإمتاع : يكون في الأشجار ذوات الحمل ، وفي الثياب ، وفي جميع الأثاث ، وكذلك التصيير . وكذلك الجعل - والإعراء : يكون في حمل النخل ، فكل هذا ما قبضه المجعول له ذلك ، فلا رجوع لصاحب الرقبة فيه ، وما لم يقبضه المجعول له كل ذلك ، فلصاحب الرقبة استرجاع رقبة ماله ، ومنع المجعول له مما جعل له . 
روينا من طريق  مالك  عن  أبي الزناد  عن  الأعرج  عن  أبي هريرة    { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة ، والشاة الصفي تروح بإناء وتغدو بإناء   } . 
وقد ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام { من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه   } . 
ومن طريق  البخاري  نا عبد الله بن يوسف  نا  ابن وهب  نا  يونس بن يزيد  عن ابن شهاب  عن  أنس بن مالك  قال : قدم المهاجرون  المدينة  من مكة  وليس بأيديهم شيء ، وكان الأنصار  أهل الأرض والعقار ، فقاسمهم الأنصار رضي الله عنهم على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ، ويكفوهم العمل والمؤنة . 
{ وكانت أم سليم  أم  أنس بن مالك  أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا فأعطاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد  ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر  رد المهاجرون  إلى الأنصار  منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ، فرد عليه السلام إلى أم سليم  عذاقها ، وأعطى عليه الصلاة والسلام  أم أيمن  مكانهن من حائطه   } . 
وأما الارتجاع متى شاء ، فإنه لم يهب الأصل ، ولا الرقبة ، فلا يجوز من ماله إلا ما  [ ص: 130 ] طابت به نفسه ، فما دام طيب النفس فيما يحدث الله تعالى في ماله فهو جائز عليه ، فإذا أحدث الله تعالى شيئا في ماله لم تطب به نفسه  فهو ماله ، حرام على غيره ، بقوله عليه الصلاة والسلام : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام   } وإنما طيب النفس حين وجود الشيء ، لا قبل خلقه وبالله تعالى التوفيق . 
				
						
						
