قال : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ينظر فيما احتجت به كل طائفة . أبو محمد
فوجدنا قول يشبه قول ربيعة في منعه من هبة المشاع ومن الصدقة بالمشاع ، ومن إجارة المشاع ، ورهن المشاع . أبي حنيفة
وقول الحسن ، وعبد الملك بن يعلى القاضي في المنع من ، بيع المشاع ، ويحتج له بما احتج به من ذكرنا . ورهن المشاع
وليس كل ذلك بشيء ; لأن النص والنظر يخالف كل ذلك - : أما النص : فقد ذكرناه ونذكره إن شاء الله تعالى .
وأما النظر : فكل أحد أحق بماله ما لم يمنعه منه نص ، وقد حض الله تعالى على العتق ، والهبة ، والصدقة ، وأمرنا بالرهن ، وأباح البيع ، والإجارة ، فكل ذلك جائز على كل حال ما لم يمنع النص من شيء من ذلك .
وقد يمكن أن يحتج بذلك : بأنه لا يمكن أن يكون إنسان بعضه حر وبعضه عبد .
[ ص: 180 ] فقلنا : وما المانع من ذلك ؟ فقالوا : كما لا تكون امرأة بعضها مطلقة ، وبعضها زوجة .
فقلنا : هذا قياس والقياس كله باطل .
ثم يلزم على هذا أن يقولوا : إذا وقع هذا أعتق كله ، كما يقولون في . المرأة إذا طلق بعضها
وقالوا : هذا ضرر على الشريك ، وقد جاء " لا ضرر ولا ضرار " .
فقلنا : افتراق الملك أيضا ضرر فامنعوا منه ، وأعظم الضرر منع المؤمن من عتق حصته .
وأما من قال بالتقاوم فخطأ ; لأنه لم يأت به نص ، ولا يجوز أن يجبر أحد على إخراج ملكه عن يده إلا أن يوجب ذلك عليه نص - فسقط هذا القول أيضا .
وأما القول المأثور عن ، عمر بن الخطاب ، وعطاء والزهري ، وعمرو بن دينار ، - : فوجدنا من حججهم ما روينا من طريق وربيعة نا سعيد بن منصور - عن سفيان - هو ابن عيينة عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص : { بني سعيد بن العاص كان لهم غلام فأعتقوه كلهم إلا رجل واحد ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشفع به على الرجل فوهب الرجل نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه ، فكان يقول : أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه رافع أبو البهاء } . أن
قال : هذا منقطع ; لأن أبو محمد محمد بن عمرو بن سعيد لم يذكر من حدثه - ثم لو صح لكان ذلك على معهود الأصل ، والأصل أن كل أحد أملك بماله ، ثم نسخ ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعتق على الموسر ويستسعى إن كان المعتق معسرا - فبطل بهذا الحكم ما كان قبل ذلك بلا شك .
وقالوا : هو قول صح عن ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه . عمر
فقلنا : عارضوا بهذا الحنفيين والمالكيين الذين يتركون السنن لأقل من هذا ، كما فعلوا في " البيعين بالخيار ما لم يتفرقا " وفي عتق صفية وجعله عليه الصلاة والسلام عتقها صداقها ، وتوريث المطلقة ثلاثا في مرض الموت .
وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذكروا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا أحمد بن عبد الله بن عبد الحكم [ ص: 181 ] نا نا محمد بن جعفر غندر عن شعبة خالد الحذاء عن أبي بشر - هو الوليد بن مسلم العنبري - عن ابن الثلب عن أبيه " رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهذا عن ابن الثلب - وهو مجهول .
وقال : قال الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } ولا فرق بين عتق نصيبه وبين بيع نصيبه .
قلنا : نعم ، ولكن السنة أولى أن تتبع ، وهو عليه الصلاة والسلام يفسر القرآن ، قال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } .
وقد حكمتم بالعاقلة ولم تبطلوها بهذه الآية .
وحكمتم بالشفعة ولم تقولوا : كل أحد أملك بحقه .
وقالوا : لو ابتدأ عتق نصيب شريكه لم ينفذ ، فكذلك ، بل أحرى أن لا ينفذ إذا لم يعتقه ، لكن أعتق نصيب نفسه ، وقد جاء لا عتق قبل ملك .
فقلنا : هذا كله كما ذكرتم ، وكله لا يعارض به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تضرب السنن بعضها ببعض .
وقالوا : لو أعتقا معا لجاز ، فصح أن كل أحد أملك بحقه ؟
قلنا : نعم ، وليس هذا بمشبه لعتقه بعد عتق شريكه ; لأن له أن يبيع مع عتق شريكه معا ، وأن يهب ، وليس له عند بعض من قال بهذا القول أن يبيع بعد عتق شريكه ، ولا أن يهب ، وله ذلك عند بعضهم وكل هذا فيمكن أن يشغب به لو لم تأت السنة بخلاف ذلك ، وأما وقد جاء ما يخص هذا كله فلا يحل خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : هذا مما تناقض فيه الحنفيون ، والمالكيون ، فخالفوا صاحبا لا يصح عن أحد من الصحابة خلافه ، وخالفوا أثرين مرسلين ، وهم يقولون بالمرسل ، وخالفوا القياس . أبو محمد
فأما : فلم يتعلق بشيء أصلا . أبو حنيفة
وأما : فتعلق بحديث ناقص عن غيره ، وقد جاء غيره بالزيادة عليه مالك
وأما قول في تخصيصه الجارية الرائعة ، فقول لا دليل عليه أصلا [ ص: 182 ] واستدلاله فاسد ; لأن الضرر الداخل عليهم بالشركة المانعة من الوطء هو بعينه ولا زيادة داخلة عليهم في عتق بعضها ولا فرق ، وكلتاهما يمكن أن تتزوج ولا فرق ، فبطل هذا القول . عثمان البتي
وأما قول : فإن الحجة له ما رويناه من طريق زفر أحمد بن شعيب نا نا عمرو بن عثمان عن الوليد بن مسلم حفص بن غيلان عن عن سليمان بن موسى ، عن نافع ، قال عطاء : عن نافع ، وقال ابن عمر : عن عطاء ، ثم اتفق جابر ، جابر : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { وابن عمر } . من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمة لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء
وبما روينا من طريق نا سعيد بن منصور نا هشيم يحيى بن الأنصاري عن عن نافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } . أيما رجل كان له نصيب في عبد فأعتق نصيبه فعليه أن يكمل عتقه بقيمة عدل
قال : الأول - إنما فيه حكم من له وفاء ، ولم يذكر فيه من لا وفاء عنده - وأيضا فهو من طريق أبو محمد حفص بن غيلان - ولا نعرفه - وأخلق به أن يكون مجهولا لا يعتد به .
ومن طريق عن شعبة عن قتادة النضر بن أنس عن عن بشير بن نهيك { أبي هريرة } . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما ؟ قال : يضمن وعليه خلاصه
وأما الثاني ، والثالث - فصحيحان ، إلا أنه قد جاء خبر آخر بزيادة عليهما ، فأخذ الزيادة أولى ولو لم يأت إلا هذان الخبران لما تعديناهما .
وقالوا : جنى على شركائه فوجب تضمينه .
[ ص: 183 ] قال : ما جنى شيئا ، بل أحسن وتقرب إلى الله عز وجل ، ولكن عهدنا بالحنفيين ، والمالكيين يجعلون خبر المعتق نصيبه حجة لقولهم الفاسد في أن المعتدي لا يضمن إلا قيمة ما أفسد ، لا مثل ما أفسد ، فإذ هو عندهم إفساد - وهم أصحاب تعليل وقياس ، فالواجب عليهم أن يقولوا بقول أبو محمد هذا ، وإلا فقد أبطلوا تعليلهم ، ونقضوا قياسهم ، وأفسدوا احتجاجهم وتركوا ما أصلوا ، وهذه صفات شائعة في أكثر أقوالهم - وبالله تعالى التوفيق - فسقط هذا القول أيضا . زفر
وأما قول : ففي غاية الفساد ; لأنه قول لم يتعلق بقرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا تابع ، ولا أحد نعلمه قبله ، ولا بقياس ، ولا برأي سديد ، ولا احتياط ، بل هو مخالف لكل ذلك . أبي حنيفة
وما وجدناهم موهوا إلا بكذب فاضح من دعواهم : أن قولهم موافق لقول ، وكذبوا كما يرى كل ذي فهم مما أوردنا . عمر
وحكموا بالاستسعاء ، وخالفوا حديث الاستسعاء في إجازتهم الذي لم يعتق أن يعتق ، وأن يضمن في حال إعسار الشريك ، وأجازوا له أن يعتق ، ومنعوه أن يحتبس .
ثم أتوا بمقاييس سخيفة على المكاتب ، والمكاتب عندهم قد يعجز فيرق ، ولا يرق عندهم المستسعى ، وغير ذلك مما لم يفارقوا فيه الكذب البارد
فإن قالوا : إن كل فصل من قولنا موجود في حديث من الأحاديث .
قلنا : وموجود أيضا خلافه بعينه في هذه القضية ، فمن أين أخذتم ما أخذتم وتركتم ما تركتم هكذا مطارفة ؟ وأيضا - فلا يوجد في شيء من الآثار خيار في تضمين الموسر أو ترك تضمينه ، ولا رجوع الموسر على العبد ، ولا تضمين العبد في حال يسار الذي أعتقه أصلا - وبالله تعالى التوفيق - وسائر الأقوال لا متعلق لها أصلا
وأما قول ، مالك : فوجدناهم يحتجون بما روينا من طريق والشافعي نا مسلم محمد بن عبد الله بن نمير نا أبي نا عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } . من أعتق شركا له من مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه ، فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق
[ ص: 184 ] قال : ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وهو خبر صحيح ، إلا أنه قد جاء خبر آخر بزيادة عليه لا يحل تركها ، وقد أقدم بعضهم فزاد في هذا الخبر { أبو محمد } وهي موضوعة مكذوبة ، ولا نعلم أحدا رواها ، لا ثقة ولا ضعيف ، ولا يجوز الاشتغال بما هذه صفته ، وليس في قوله عليه الصلاة والسلام " وإلا فقد عتق منه ما عتق " دليل على حكم المعسر أصلا ، وإنما هو مسكوت عنه في هذا الخبر ، ولا شك في أنه قد " عتق منه ما عتق " وبقي حكم المعسر فوجب طلبه من غير هذا الخبر على أنه قد قيل : إن لفظة { ورق منه ما رق } إنما هو من كلام وإلا فقد عتق منه ما عتق ، ولسنا نلتفت إلى هذا ; لأنه دعوى بلا دليل ، لكن ينبغي طلب الزيادة ، فإذا وجدت صحيحة وجب الأخذ بها - وبالله تعالى نتأيد . نافع
فلم يبق إلا قولنا - فوجدنا الحجة له ما روينا من طريق نا مسلم بن الحجاج ، عمرو الناقد - كلاهما عن وإسماعيل - هو ابن علية سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة النضر بن أنس عن عن بشير بن نهيك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه
ومن طريق أبي نا داود مسلم - هو ابن إبراهيم الكشي - نا أبان - هو ابن يزيد العطار - نا نا قتادة النضر بن أنس بن مالك عن عن بشير بن نهيك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . من أعتق شقصا في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه
ومن طريق نا البخاري أحمد بن أبي رجاء ، - قال وأبو النعمان - هو محمد بن الفضل عارم : نا أحمد نا يحيى بن آدم سمعت جرير بن حازم ، وقال قتادة أبو النعمان : نا عن جرير بن حازم ثم اتفقا عن قتادة النضر بن أنس عن عن بشير بن نهيك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } وقد سمع من أعتق شقصا في عبد عتق كله إن كان له مال وإلا استسعي غير مشقوق عليه هذا الخبر من قتادة النضر بن أنس .
[ ص: 185 ] كما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن عبد الله بن المبارك نا أبو هشام نا أبان بن يزيد العطار نا نا قتادة النضر بن أنس عن عن بشير بن نهيك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } وهذا خبر في غاية الصحة فلا يجوز الخروج عن الزيادة التي فيه ؟ فقال قوم : قد روى هذا الخبر : من أعتق شقيصا له من عبد فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه ، شعبة وهمام ، فلم يذكروا ما ذكر وهشام الدستوائي . ابن أبي عروبة
قال : فكان ماذا ؟ أبو محمد ثقة ، فكيف وقد وافقه عليه وابن أبي عروبة جرير ، وأبان ، وهما ثقتان .
فإن قيل : فإن هماما قال في هذا الحديث : فكان يقول : إن لم يكن له مال استسعي العبد ؟ قلنا : صدق قتادة همام ، قال مفتيا بما روى ، وصدق قتادة ، ابن أبي عروبة وجرير ، وأبان ، وموسى بن خلف ، وغيرهم ، فأسندوه عن ، ولو لم يصح حديث قتادة هذا لكان حديث قتادة ، ابن عمر بالتضمين : جملة زائدة على ما تعلق به وأبي هريرة من رواية مالك ، فكان يكون القول ما ذهب إليه نافع ، وهذا لا مخلص له عنه - وبالله تعالى التوفيق . زفر بن الهذيل
وأما قولنا : إنه حر ساعة يعتق بعضه ، فإن بعض الرواة قال " ثم يعتق " وكان في رواية التي ذكرنا " عتق كله " فكانت هذه زيادة لا يجوز تركها ، فإذ قد عتق كله فولاؤه للذي عتق عليه . جرير بن حازم
وأما رجوع أحدهما على الآخر - فباطل ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألزم الغرامة للمعتق في يساره وألزمها العبد المعتق في إعسار المعتق ولم يذكر رجوعا ، فلا يجوز لأحد القضاء برجوع في ذلك .
قال : فإن كان له مال لا يفي بجميع قيمة العبد فلا غرامة على المعتق لكن يستسعى العبد ، وهذا مقتضى لفظ الخبر . علي
وبه يقول حماد - وبالله تعالى التوفيق .