[ ص: 443 ] مسألة : فإن : أجبر عليها - أحب أم كره - بالأدب ، ولا يقضى عليه بنكوله في شيء من الأشياء أصلا ، ولا ترد اليمين على الطالب ألبتة . لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين
- : وهي القسامة : فيمن وجد مقتولا ، فإنه إن لم تكن لأوليائه بينة حلف خمسون منهم ، واستحقوا القصاص أو الدية ، فإن أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم وبرئوا ، فإن نكلوا أجبروا على اليمين أبدا - وهذا مكان يحلف فيه الطالبون ، فإن نكلوا رد على المطلوبين . ولا ترد يمين أصلا ، إلا في ثلاثة مواضع فقط
والموضع الثاني : ، لا يشهد عليها إلا كفار ، وأن الشاهدين الكافرين يحلفان مع شهادتها ، فإن نكلا لم يقض بشهادتها ، فإن قامت بعد ذلك بينة من المسلم حلف اثنان منهم مع شهادتهما ، وحكم بها ، وفسخ ما شهد به الأولان ، فإن نكلا بطلت شهادتها ، وبقي الحكم الأول كما حكم به - فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ولا المطلوب . الوصية في السفر
والموضع الثالث : من ، فيحلف ويقضى له ، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ ، فإن نكل أجبر على اليمين أبدا ، فهذا مكان يحلف فيه الطالب فإن نكل رد عليه المطلوب . قام له بدعواه شاهد واحد عدل ، أو امرأتان عدلتان
وفي كل ما ذكرنا اختلاف - : فقالت طائفة : إن نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بدعوى الطالب دون أن يحلف .
وقال آخرون : لا يقضى عليه إلا حتى يحلف على صحة دعواه ، فيقضى له حينئذ ، فالقائلون يقضى على المطلوب بنكوله دون أن ترد اليمين - .
فكما روينا من طريق أبي عبيدة نا - عن يزيد - هو ابن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أباه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عبد الله باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة ، ثم إن صاحب العبد خاصم فيه إلى ابن عمر فقال عثمان عثمان : احلف بالله لقد بعته وما به من داء علمته فأبى لابن عمر من أن يحلف ، فرد عليه ابن عمر العبد . عثمان
ومن طريق نا ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن [ ص: 444 ] ابن أبي مليكة : أنه أمر ابن عباس أن يستحلف امرأة فأبت أن تحلف ، فألزمها ذلك وروي نحو ذلك عن ابن أبي مليكة . أبي موسى الأشعري
ومن طريق عن ابن أبي شيبة شريك عن مغيرة عن الحارث ، قال : نكل رجل عند عن اليمين ، فقضى عليه فقال : أنا أحلف ؟ فقال شريح : قد مضى قضائي . شريح
وبهذا يأخذ ، أحمد بن حنبل وإسحاق في أحد قوليه .
وقال : يقضى على الناكل عن اليمين في كل شيء من الأموال والفروج ، والقصاص فيما دون النفس ، حاشا القصاص في النفس فلا يقضى فيه بنكول المطلوب ، ولا ترد اليمين على الطالب ، لكن يسجن المطلوب حتى يحلف أو يقر . أبو حنيفة
وقال : أقضي في النكول في كل شيء ، وفي القصاص في النفس وما دون النفس - وهو قول زفر ، أبي يوسف في أحد قوليهما . ومحمد
وقالا مرة أخرى : يقضى بالنكول في كل شيء حاش القصاص في النفس وفيما دونها ، فإنه يلزم الأرش والدية بالنكول في كل ذلك ولا يقص منه .
وقالوا كلهم : من : حلف المطلوب وبرئ ، فإن نكل غرم المال ولا قطع عليه . ادعى على آخر أنه سرق منه ما فيه القطع ولا بينة له
وقالوا كلهم : لا يقضى عليه بالنكول حتى يدعوه إلى اليمين ثلاث مرات .
فإن أبى وتمادى قضي عليه .
وقال : إن الحسن بن حي : حلف خمسون منهم بالله ما قتلناه ، ثم يغرمون الدية ، فإن نكلوا قتلوا قصاصا . وجد قتيل في محلة قوم فادعى أولياؤه عليهم قتله ولا بينة لهم
وقال : من مالك حلف مع شاهده ، فإن أبى قيل للمطلوب احلف فتبرأ . ادعى حقا من مال على منكر وأقام شاهدا واحدا
فإن نكل قضي عليه بما شهد به شاهد طالبه عليه . قال : ومن . قال : أنا أتهم فلانا بأنه أخذ لي مالا ذكر عدده - ولا أحقق ذلك
قيل للمطلوب : احلف وتبرأ ، فإن نكل قضي عليه بما ذكره المتهم دون رد يمين . [ ص: 445 ]
قال : من : قيل للمدعى عليه : احلف حتى تبلغ الصغار فيحلفوا مع شاهدهم ، ويقضى لهم ، فإن حلف ترك حتى يبلغوا ويحلفوا ويقضى لهم ، وإن نكل غرم ما شهد به الشاهد . مات وترك ورثته صغارا فأقام وصيهم شاهدا واحدا عدلا بدين لموروثهم على إنسان
وقال فيمن : إنه يقال له : احلف ما طلقت ، ولا أعتقت وتبرأ . ادعت عليه امرأته طلاقا ، أو ادعت عليه أمته أو عبده عتاقا ، وقام عليه بذلك ، شاهد واحد عدل
فإن نكل قضي عليه بالطلاق والعتق .
وقال مرة أخرى يسجن حتى يطول أمره ، وحد ذلك بسنة ، ثم يطلق - ومرة قال : يسجن أبدا حتى يحلف .
قال : أما قول أبو محمد فظاهر الخطأ ; لأنه متناقض : مرة يقضي بالنكول كما أوردنا ، وفي سائر الدعاوى لا يقضي به ، وهذه فروق ما نعلم أحدا من المسلمين فرق بها قبله ولا دليل له على تفريقه ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا قول أحد سبقه إلى ذلك ، ولا قياس ، بل كل ذلك مبطل لفروقه - فسقط هذه القول بيقين . مالك
وأما قول ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف : فظاهر التناقض أيضا ، وما نعلم أحدا سبقهم إلى تلك الفروق الفاسدة ، ولا إلى ترديد دعائه إلى اليمين ثلاث مرات ، ولا صحح ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد قبلهم ، ولا قياس ، بل كل ذلك مخالف لفروقهم . ومحمد بن الحسن
ولا يخلو الحكم بالنكول من أن يكون حقا واجبا أو باطلا ، فإن كان باطلا فالحكم بالباطل لا يحل ، وإن كان حقا فالحكم به في كل مكان واجب - : كما قال ، زفر ، والحسن بن حي ، وأبو يوسف - في أحد قوليهما - إذ لم يأت قرآن ، ولا سنة بالفرق بين شيء من ذلك - فسقط هذا القول أيضا جملة ، وما جعل الله قط الاحتياط للدم بأولى من الاحتياط للفروج ، والمال ، والبشرة ، بل الحرام من كل ذلك سواء في أنه حرام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ومحمد } . إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام [ ص: 446 ] كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد
بل قد وجدنا الدم يباح بشاهدين ، وجلد مائة في الزنى أو خمسين لا يباح إلا بأربعة عدول - فصح أنه التسليم للنصوص فقط .
ولم يبق في الحكم بالنكول إلا قول الذي وافقه عليه زفر ، أبو يوسف صاحباه ، فوجدنا من حجة من ذهب إليه : أنه ذكر آية اللعان وقال : إنه لا خلاف في أن الزوج إن نكل عن الأيمان ، أو نكلت هي ، فإن على الناكل حكما ما يلزمه بنكول الناكل المذكور إما السجن وإما الحد - فهذا قضاء بالنكول . ومحمد بن الحسن
فقلنا : لا حجة لهم في هذا ، لوجهين - :
أحدهما - أن الزوج قاذف ، فجاء النص بإزالة حد القذف عنه بأيمانه الأربع ولعنته الخامسة فلزمت الطاعة لذلك ، فإن لم يحلف فالحد باق عليه بالنص - وأما المرأة فقد أوجب الله تعالى عليها العذاب ، إلا أن تحلف ، فإن حلفت درئ عنها العذاب بأيمانها الأربع ، وغضب الله عليها في الخامسة بالنص ، وإن نكلت فالعذاب عليها واجب ، وليس كذلك سائر الدعاوى ، بلا خلاف منا ومنكم .
والوجه الثاني - أنه إنما حصل لكم من هذه الآية أن حكما ما يلزمها بالنكول ، وهو عندكم السجن ، ونحن نقول : إن نكول الناكل عن اليمين في كل موضع وجبت عليه يوجب أيضا عليه حكما ما وهو الأدب الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من أتى منكرا قدرنا على تغييره باليد - وهو بامتناعه مما أوجبه الله تعالى عليه قد أتى منكرا فوجب تغييره باليد فبطل تمويههم بالآية في غير موضعها .
وقال أيضا : إن الأمة مجمعة على أن لنكول المدعى عليه حكما موجبا للمدعي حقا ، ثم اختلفوا ، فقالت طائفة : هو رد اليمين ، وقالت طائفة : هو السجن والأدب ، وقالت طائفة : هو إنفاذ الحكم على الناكل ، فبطل رد اليمين ، ولا فائدة للمدعي في سجن المطلوب الناكل وتأديبه ، فلم يبق إلا إلزام المدعى عليه الحكم بنكوله .
فقلنا : هذا القول في غاية الفساد ، إذ زدتم فيه ما ليس منه ، ولا حق لأحد عند أحد إلا أن يوجبه الله تعالى في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقط ، ولا حق للمدعي على المدعى عليه [ ص: 447 ] في ظاهر الأمر ، والحكم ، إلا الغرامة إن أقر أو ثبت عليه ببينة ، أو بيقين الحاكم ، أو اليمين إن أنكر فقط ، فلما لم يقر ، ولا قامت عليه بينة ، ولا تيقن الحاكم صدق المدعي : سقطت الغرامة ، ولم يبق عليه إلا اليمين التي أوجب الله تعالى ، فهو حقه قبل المطلوب ، فوجب أخذه به ولا بد ، لا بما سواه مما لم يجب عليه - سواء كان للطالب في ذلك فائدة أو لم يكن - لأن مراعاة فائدته دعوى كاذبة دون مراعاة فائدة المطلوب .
وقال : إن قطع الخصومة حق للمدعي على المدعى عليه فلو حلف المدعى عليه لانقطعت الخصومة ، فإذ نكل فقد لزمه قطع الخصومة ، وهي لا تنقطع بسجنه ولا بأدبه ، فلم يبق إلا قطعها بالقضاء عليه بما يدعيه الطالب ، وكان في سجنه قطع له عن التصرف ، وذلك لا يجوز ، فتقف الخصومة ، فلم يبق إلا الحكم بالنكول .
فقلنا : هذا كله باطل وخلاف قولكم - : أما خلاف قولكم : لو حلف لانقطعت الخصومة ، فأنتم تقولون : إنها لا تنقطع بذلك ، بل متى أقام الطالب البينة عادت الخصومة - وسائر قولكم باطل .
وما عليه قطع الخصومة أصلا إلا بأحد وجهين ، لا ثالث لهما - : إما بالإقرار ، إن كان المدعي صادقا .
وإما باليمين ، إن كان المدعي كاذبا ، وعلى الحاكم قطع الخصومة بالقضاء بما توجبه البينة ، أو بيمين المطلوب إن لم تكن عليه بينة فقط - ولا بد من أحد الأمرين .
وإما غرامة - بأن لا يوجبها قرآن ولا سنة ، فهي باطل بيقين .
ثم العجب كله : أنكم بعد قضائكم عليه بالنكول تسجنونه حتى يؤدي ، قد عدتم إلى السجن الذي أنكرتم .
وهذا تلوث وسخافة ناهيك بها .
وقال : هو قول روي عن ، عثمان ، وابن عمر ، وابن عباس ، فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأبي موسى
فكيف وقد روي خلاف هذا عن ، عمر ، وعلي ، والمقداد بن الأسود ، وأبي بن كعب - رضي الله عنهم - فما الذي جعل قول بعضهم أولى من قول بعض منهم . [ ص: 448 ] وزيد بن ثابت
فكيف وقد خالفوا في هذه القضية نفسها ; لأنه لم يجز البيع بالبراءة إلا في عيب لم يعلمه البائع - وهذا خلاف قولكم . عثمان
ومن العجب أن يكون حكم بعضه حجة وبعضه ليس بحجة ، هذا على أن عثمان روى هذا الخبر عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري سالم عبد الله فقال فيه ، عن أبيه : فأبى أن يحلف وارتجع العبد فدل هذا على أنه اختار أن يرتجع العبد ، فرده إليه برضاه - . عثمان
فبطل بهذا أن يصح عن القضاء بالنكول . عثمان
وأما الرواية عن فأسقط من أن يعرف أو يدرى مخرجها . أبي موسى
وأما فليس في ذلك الخبر : أنه رأى الحكم بالنكول جائزا ، وإنما فيه : أنه حكم ابن عمر ، وأنتم مخالفون عثمان في ذلك الحكم بعينه . لعثمان
وأما الرواية عن فلا متعلق لكم بها ; لأنه ليس فيها : أن ابن عباس ألزم الغرامة بالنكول ، إنما فيه : أن ابن عباس أمر أن يستحلف المدعى عليها فأبت ، فألزمها ذلك - وهذه إشارة إلى اليمين ، إذ ليس للغرامة في الخبر ذكر أصلا ، فقول ابن عباس موافق لقولنا ، لا لقولكم . ابن عباس
فإن قيل : فإن أبا نعيم روى عن إسماعيل بن عبد الملك الأسدي عن هذا الخبر ، فذكر فيه : فإن لم يحلف فضمنها . ابن أبي مليكة
قيل له : إسماعيل بن عبد الملك الأسدي مجهول - لا يدري أحد من هو - وإسماعيل بن عبد الرحمن الأسدي - متروك مطرح .
فبطل أن يصح في هذا شيء عن الصحابة أصلا .
فبطل القول بأن يقضى بالغرامة على الناكل لتعريه من الأدلة - .
وبالله تعالى التوفيق .
وأما من قال برد اليمين على الطالب - : فكما روينا من طريق أبي عبيد عن عن عفان بن مسلم مسلمة بن علقمة عن عن داود بن أبي هند الشعبي قال : استسلف المقداد بن الأسود من سبعة آلاف درهم فلما قضاه أتاه بأربعة آلاف ، فقال عثمان بن عفان عثمان : إنها سبعة آلاف فقال المقداد : ما كانت إلا أربعة آلاف ، فارتفعا إلى ، [ ص: 449 ] فقال عمر المقداد : يا أمير المؤمنين ليحلف أنها كما يقول ، ويأخذها فقال له : أنصفك ، احلف أنها كما تقول وخذها . عمر
ومن طريق أنا محمد بن الجهم أنا إسماعيل بن إسحاق نا إسماعيل بن أبي أويس حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة عن أبيه عن جده عن قال : اليمين مع الشاهد ، فإن لم تكن بينة فاليمين على المدعى عليه ، إذا كان قد خالطه ، فإن نكل حلف المدعي . علي بن أبي طالب
ومن طريق أبي عبيد نا عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه كان إذا قضى باليمين فردها على الطالب فلم يحلف لم يعطه شيئا ، ولم يستحلف الآخر . شريح
ومن طريق أبي عبيد نا عبد بن العوام عن أشعث عن عن الحكم بن عتيبة أن أباه كان إذا قضى باليمين فردها على المدعي فأبى أن يحلف لم يجعل له شيئا ، وقال : لا أعطيك ما لا تحلف عليه . عون بن عبد الله بن عتبة
ومن طريق عن ابن أبي شيبة جرير عن المغيرة : أن الشعبي لم يقض للطالب إن نكل المطلوب إلا حتى يحلف الطالب .
ومن طريق نا سعيد بن منصور أنا هشيم - عن الشيباني - هو أبو إسحاق الشعبي قال : كان يرد اليمين على المدعي إذا طلب ذلك المدعى عليه - وكان شريح الشعبي يرى ذلك .
وقال نا هشيم عبيدة عن أنه كان لا يرد اليمين وروي هذا أيضا عن إبراهيم النخعي ، ابن سيرين ، وسوار بن عبد الله وعبيد الله بن الحسن العنبريين القاضيين - هو قول - وأحد قولي أبي عبيد إسحاق .
وروي عن قولان - : أحدهما : رد اليمين جملة على الإطلاق . ابن أبي ليلى
والثاني : أنه إن كان متهما رد عليه اليمين ، وإن كان غير متهم لم يرد عليه - والظاهر من قوله أن يلزم المطلوب اليمين أبدا ، لأنه لم يرو عنه قط الحكم بالنكول . [ ص: 450 ] وقال : ترد اليمين في الأموال - ولا يرى ردها في النكاح ، ولا في الطلاق ، ولا في العتق . مالك