1788 - مسألة : وليس على أن يحلف إلا بالله تعالى ، أو باسم من أسماء الله تعالى في مجلس الحاكم فقط ، كيفما شاء من قعود أو قيام أو غير ذلك من الأحوال ، ولا يبالي إلى أي جهة كان وجهه . من وجبت عليه يمين
وقد اختلف الناس في هذا - : فروينا عن أنه بلغه أنه كتب إلى مالك رجل من عمر بن الخطاب العراق : أن رجلا قال لامرأته : حبلك على غاربك ، فكتب إلى عامله أن يوافيه الرجل عمر بمكة في الموسم ، ففعل ، فأتاه الرجل - يطوف وعمر بالبيت - فقال : أنا الرجل الذي أمرت أن أجلب عليك فقال له لعمر : أنشدك برب هذه البنية ما أردت بقولك " حبلك على غاربك " الفراق فقال له الرجل : لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك ؟ أردت بذلك الفراق قال عمر : هو ما أردت . عمر
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن ليث بن أبي سليم أن رجلا قال لامرأته في زمن مجاهد : حبلك على غاربك ثلاث مرات فاستحلفه عمر بين الركن عمر والمقام فقال : أردت الطلاق ثلاثا ، فأمضاه عليه .
ومن طريق عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي : أن رجلا قال لامرأته : حبلك على غاربك ، فسأل عطاء بن أبي رباح فكتب إلى ابن مسعود ، فكتب عمر بأن يوافيه بالموسم ، فوافاه - وذكر الحديث . عمر
ومن طريق الكشوري عن الحذافي عن نا عبد الرزاق عن معمر الزهري قال : استحلف في دم بين الركن معاوية والمقام .
وذكر بغير إسناد : أن الشافعي أنكر التحليف عند عبد الرحمن بن عوف الكعبة إلا في دم أو كثير من المال .
وأما فعل المذكور : فإننا رويناه من طريق معاوية عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن أن سعيد بن المسيب أحلف معاوية مصعب بن عبد الرحمن بن عوف ، [ ص: 459 ] ومعاذ بن عبيد الله بن معمر ، وعقبة بن جعونة بن شعوب الليثي في دم إسماعيل بن هبار بين الركن والمقام - وهؤلاء مدنيون استجلبهم إلى مكة .
ومن طريق عن وكيع عن سفيان الثوري عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن قال : يستحلف شريح أهل الكتاب " بالله " حيث يكرهون .
وبه إلى سفيان عن عن أيوب السختياني أن ابن سيرين كعب بن سوار أدخل يهوديا الكنيسة ووضع التوراة على رأسه واستحلفه بالله .
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أيوب السختياني أن ابن سيرين كعب بن سوار كان يحلف أهل الكتاب - يعني النصارى - يضع الإنجيل على رأسه ، ثم يأتي به إلى المذبح فيحلفه بالله .
ومن طريق أبي عبيد نا عن محمد بن عبيد إسحاق بن أبي مسيرة قال : اختصم إلى الشعبي مسلم ونصراني ، فقال النصراني : أحلف بالله فقال له الشعبي : لا ، يا خبيث قد فرطت في الله ، ولكن اذهب إلى البيعة فاستحلفه بما يستحلف به مثله .
ومن طريق عن مالك أنه سمع داود بن الحصين أبا غطفان بن طريف المري يقول : اختصم ، زيد بن ثابت وابن مطيع إلى في دار ، فقضى مروان على مروان باليمين على المنبر فقال له زيد : أحلف له مكاني ؟ فقال له زيد : لا ، والله إلا في مقاطع الحقوق ، فجعل مروان يحلف أن حقه لحق ، ويأبى أن يحلف على المنبر فجعل زيد يعجب من مروان . زيد
وقد روي أن أحلف عمال عمر بن عبد العزيز سليمان عند الصخرة في بيت المقدس .
ومن طريق الكشوري عن الحذافي عن عن عبد الرزاق عن إسرائيل سماك بن حرب عن الشعبي : أن أحلف يهوديا بالله تعالى : فقال أبا موسى الأشعري الشعبي : لو أدخله الكنيسة . [ ص: 460 ]
فهذا يوضح أن لم يدخله الكنيسة . أبا موسى
ومن طريق أبي عبيد نا أزهر السمان عن عن عبد الله بن عون أن نافع كان وصي رجل فأتاه رجل بصك قد درست أسماء شهوده ، فقال ابن عمر : يا ابن عمر اذهب به إلى المنبر فاستحلفه فقال : يا نافع أتريد أن تسمع في الذي يسمعني ، ثم يسمعني هاهنا فقال ابن عمر : صدق فاستحلفه ، وأعطاه إياه . ابن عمر
قال : ليس في هذا أن أبو محمد كان يرى رد اليمين على الطالب ، وقد يكون ذلك الصك براءة من حق على ذلك الرجل فحقه اليمين ، إلا أن يقيم بينة بالبراءة . ابن عمر
ومن طريق عن وكيع شريك عن عن رجل من ولد جابر أبي الهياج أن بعث علي بن أبي طالب أبا الهياج قاضيا إلى السواد ، وأمر أن يحلفهم بالله .
ففي هذا : عن ، عمر بن الخطاب : جلب رجل من وابن مسعود العراق إلى مكة للحكم وإحلافه عند الكعبة ، واستحلاف في دم بين الركن معاوية والمقام ، وإنكار الاستحلاف عند عبد الرحمن بن عوف الكعبة ، إلا في دم أو كثير من المال .
وعن ، شريح والشعبي : استحلاف الكفار حيث يعظمون وكذلك كعب بن سوار - وزاد : وضع التوراة على رأس اليهودي ، والإنجيل على رأس النصراني .
وعن : أن الاستحلاف مروان بالمدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم .
وعن استحلاف العمال عند صخرة عمر بن عبد العزيز بيت المقدس .
وعن ، ابن عمر ، وعلي ، وزيد : الاستحلاف " بالله " فقط حيث كان من مجلس الحاكم - . وأبي موسى الأشعري
وهو عن ، ابن عمر في غاية الصحة - وكذلك عن وزيد على ما نذكره بعد هذا - إن شاء الله تعالى . أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود
وأما بماذا يحلفون - فقد ذكرنا قبل هذا في " باب الحكم بالنكول " تحليف عثمان " بالله " فقط . لابن عمر
وعن الحلف بالله لقد باع العبد وما به داء يعلمه . زيد بن ثابت
وذكرنا آنفا عن ، علي استحلاف الكفار " بالله " فقط . [ ص: 461 ] وأبي موسى
وعن الحلف " بالله " فقط - وهو عنه ، وعن زيد بن ثابت في غاية الصحة . عثمان
ومن طريق أبي عبيد نا أنا هشيم المغيرة بن مقسم قال : كتب في عمر بن عبد العزيز أهل الكتاب أن يستحلفوا " بالله " .
ومن طريق أنا سعيد بن منصور إسماعيل بن سالم سمعت الشعبي يقول في كلام كثير : إن لم يقيموا البينة فيمينه " بالله " .
ومن طريق أبي عبيد عن مروان بن معاوية الفزاري عن يحيى بن ميسرة عن قال : كنت مع عمرو بن مرة وهو قاض فاختصم إليه : مسلم ، ونصراني ، فقضى باليمين على النصراني فقال له المسلم : استحلفه لي في البيعة ؟ فقال له أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود : استحلفه " بالله " وخل سبيله - ونحوه عن أبو عبيدة . عطاء
وعن : استحلافهم بالله فقط . مسروق
ومن طريق : يستحلفون " بالله " ويغلظ عليهم بدينهم . إبراهيم النخعي
وعن : أنه كان يستحلفهم بدينهم وقد ذكرناه قبل عن شريح الشعبي .
وأما المتأخرون - فإن قال : يستحلف المسلم والكافر في مجلس الحاكم . أبا حنيفة
فأما المسلم فيستحلف " بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية " .
ويستحلف اليهودي " بالله الذي أنزل التوراة على موسى " .
ويستحلف النصراني " بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى " .
ويستحلف المجوسي " بالله الذي خلق النار " .
وكل هذا هو قول ، إلا أنه لم يذكر في التحليف الطالب الغالب - ورأى أن يحلف في عشرين دينارا أو في جراح العمد عند الشافعي المقام بمكة ، وعند منبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وأن يحلف سائر أهل البلاد في جوامعهم .
وأما ما دون عشرين دينارا ففي مجلس الحاكم .
ورأى أن يحلف الكفار حيث يعظمون . [ ص: 462 ]
وقال : يحلفون في ثلاثة دراهم فصاعدا في مالك مكة عند المقام ، وفي المدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأما سائر أهل البلاد فحيث يعظم من الجوامع - وتخرج المرأة المستورة لذلك ليلا .
وأما ما دون ثلاثة دراهم ففي مجلس الحاكم .
ويحلف المسلم والكافر " بالله الذي لا إله إلا هو " .
وقال : يحلف المسلم " بالله " في مجلس الحاكم في المصحف . أحمد بن حنبل
وأما الكافر فكما قال فيهم سواء سواء . الشافعي
وما روينا مثل قول إلا عن مالك من طريق شريح نا سعيد بن منصور ، نا هشيم عن داود الشعبي عن : أنه قال في كلام كثير " ويمينك بالله الذي لا إله إلا هو " يعني على المطلوب . شريح
قال : أما قول أبو محمد ، أبي حنيفة فيما يستحلف به المسلم فما ندري من أين أخذاه ، ولا متعلق لهم فيه بقرآن ، ولا بسنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا بقول أحد قبل والشافعي . أبي حنيفة
وقال بعضهم : قلنا على سبيل التأكيد في اليمين .
قلنا : ما هذا بتأكيد ; لأن الله تعالى إذا ذكر باسمه اقتضى القدرة والعلم وأنه لم يزل ، وأنه خالق كل شيء ، واقتضى كل ما يخبر به عن الله تعالى ، فإن أردتم أن تسلكوا مسلك الدعاء والتعبد فكان أولى بكم أن تزيدوا ما زاده الله تعالى إذ يقول : { الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون } الآية ، فزيدوا هكذا حتى تفنى أعماركم ، وتنقطع أنفاسكم ، وإنما نحن في مكان حكم لا في تفرغ لذكر وعبادة .
ثم أغرب شيء زيادة في أسماء الله تعالى : " الطالب الغالب " فما ندري من أين وقع عليه ، ومن كثر كلامه بما لم يؤمر به ، ولا ندب إليه - : كثر خطؤه - ونعوذ بالله من الضلال . أبي حنيفة
فإن قالوا : قصدنا بذلك التغليظ قلنا : فاجلبوهم من العراق وغيرها إلى مكة فهو أشد تغليظا كما روي عن ، أو حلفوهم في المصحف كما قال عمر ، فهو [ ص: 463 ] أشد تغليظا ، وحلفوهم بما ترونه أيمانا من الطلاق ، والعتاق ، وصدقة المال ، فهو عندكم أغلظ وأوكد من اليمين بالله ، فأي شيء قالوا رد عليهم في هذه الزيادات التي زادوها ولا فرق . أحمد بن حنبل
أو نقول : حلفوهم ب " عليه لعنة الله إن كان كاذبا " قياسا على الملاعن ، أو ردوا عليه الأيمان كذلك .
وأما قوله وقول : أن يحلف النصراني " بالله الذي أنزل الإنجيل على الشافعي عيسى " فعجب ، ولا ندري من أين أخذاه ، فما في الأمر لهم بهذه اليمين قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا قول صاحب أصلا .
وأعجب شيء جهل من يحلفهم بهذا ، وهم لا يعرفونه ولا يقرون به ، ولا قال نصراني قط : إن الله أنزل الإنجيل على عيسى ، وإنما الإنجيل عند جميع النصارى - لا نحاشي منهم أحدا - أربعة تواريخ - : ألف أحدها : متى - وألف الآخر : يوحنا - وهما عندهم حواريان .
وألف الثالث : مرقس - وألف الرابع : لوقا ، وهما تلميذان لبعض الحواريين عند كل نصراني على ظهر الأرض .
ولا يختلفون : أن تأليفها كان على سنين من رفع عيسى عليه السلام .
فإن قالوا : حلفناهم بما هو الحق قلنا : فحلفوهم " بالقرآن " فهو حق .
فإن قالوا : هم لا يقرون به .
قلنا : وهم لا يقرون بأن الإنجيل أنزله الله تعالى على عيسى عليه السلام ولا فرق .
وأما تحليفهم اليهود " بالله الذي أنزل التوراة على موسى " فإنهم موهوا في ذلك بالخبرين الصحيحين - : أحدهما : من طريق : { البراء موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ قال : لا ، ولولا أنك أنشدتني بهذا ما أخبرتك بحد الرجم } . [ ص: 464 ] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر عليه يهودي محمم مجلود ، فدعا رجلا من علمائهم فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على
والآخر : من طريق : { أبي هريرة موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا : يحمم ويجبه ، وشاب منهم سكت - } وذكر الحديث . أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لليهودي أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على
قال : وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن هذا التحليف لم يكن في خصومة ، وإنما كان في مناشدة ، ونحن لا نمنع المناشد أن ينشد بما شاء من تعظيم الله عز وجل . أبو محمد
وليس فيهما : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن يحلف هكذا فكان من ألزم ذلك في التحليف شارعا ما لم يأذن به الله تعالى .
وأما قول يستحلف المسلم والكافر " بالله الذي لا إله إلا هو " فإنهم عولوا في ذلك على خبر : رويناه من طريق مالك أبي داود نا مسدد نا نا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب أبي يحيى عن { ابن عباس } . أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أحلفه احلف : بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء
قال : هذا حديث ساقط لوجهين - : أحدهما : أنه عن أبو محمد أبي يحيى - وهو مصدع الأعرج - وهو مجرح قطعت عرقوباه في التشيع .