1794 - مسألة : ومن شهد على عدوه  نظر ، فإن كان تخرجه عداوته له إلى ما لا يحل فهي جرحة فيه ترد شهادته لكل أحد ، وفي كل شيء - وإن كان لا تخرجه عداوته إلى ما لا يحل فهو عدل يقبل عليه - وهذا قول  أبي سليمان  ، وأصحابنا . 
وقال  أبو حنيفة    : لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره  في شيء أصلا - وهو قول الأوزاعي    . 
وقال  مالك  كذلك ، إلا أن يكون عدلا مبرزا في العدالة ، إلا أن يكون في عياله فلا تجوز شهادته له . 
وقال  الشافعي    : لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره فيما استأجره فيه خاصة ، وتجوز له فيما عدا ذلك - وهو قول  سفيان الثوري  ،  وأبي ثور    . 
وكذلك قالوا : في الوكيل سواء سواء . 
وقال  مالك    : إن كان منضافا إليه لم يقبل له ، ولم تجز شهادة العدو على عدوه . 
وقال  أبو حنيفة  ،  ومالك    : لا تقبل شهادة الخصم  ، لا للذي وكله ، ولا للذي وكل على أن يخاصمه . 
وقال  أبو حنيفة  ،  والشافعي    : تجوز شهادة الفقراء والسؤال   [ ص: 511 ] 
وقال  مالك    : لا تجوز إلا في الشيء اليسير . 
وقال  ابن أبي ليلى    : لا تقبل شهادة فقير - وأشار شريك  إلى ذلك . 
قال  أبو محمد    : كل من ذكرنا في هؤلاء مقبولون لكل من ذكرنا ، كالأجنبيين ولا فرق . 
واحتج المخالف بما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه { لا تجوز شهادة ذي غمر على أخيه  ، ولا تجوز شهادة الظنة ، ولا الإحنة ولا شهادة خصم ، ولا ظنين ، ولا القانع من أهل البيت لهم   } . 
وصح عن  شريح    : لا تجوز عليك شهادة الخصم ، ولا الشريك ، ولا الأجير لمن استأجره . 
وروي عن الشعبي    - ولم يصح - لا أجيز شهادة وصي  ، ولا ولي ، لأنهما خصمان . 
وصح عن  إبراهيم    : لا تجوز شهادة الشريك لشريكه  فيما بينهما ، وتجوز له في غير ذلك . 
وعن  شريح  مضت السنة في الإسلام : أنه لا تجوز شهادة خصم . 
ومن طريق ابن سمعان    - وهو كذاب - لم يكن السلف يجيزون شهادة القانع  
قال  أبو محمد    : القانع السائل ، وصح عن ربيعة    : ترد شهادة الخصم ، والظنين  في خلائقه ، وشكله ، ومخالفته العدول في سيرته - وإن لم يوقف منه على غير ذلك - وترد شهادة العدو على عدوه . 
وعن  يحيى بن سعيد الأنصاري    : ترد شهادة العدو على عدوه . 
هذا كل ما يذكر في ذلك عمن سلف . 
قال  أبو محمد    : أما الآثار في ذلك فكلها باطل ; لأن بعضها مروي منقطع ، ومن طريق إسحاق بن راشد    - وليس بالقوي - . 
أو من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي    - وهو مذكور بالكذب - وصفه بذلك  مالك  ، وغيره . 
أو من طريق  عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده - وهي صحيفة .  [ ص: 512 ] 
أو مرسل من طريق عبد الرحمن بن فروخ    . 
أو مرسل من طريق  إسحاق بن عبد الله  عن يزيد بن طلحة    - ولا يدرى من هما في الناس . 
أو مرسلان : من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد    . 
ومن طريق ابن سمعان  ، وقد كذبهما  مالك  ، وغيره . 
أو من طريق يزيد الجزري    - وهو مجهول - فإن كان  ابن سنان    - فهو مذكور بالكذب . 
أو مرسل من رواية  عبد الله بن صالح    - وهو ضعيف . 
وكل هذا لا يحل الاحتجاج به . 
ثم لو صحت لكانت مخالفة لهم ; لأن فيها أن لا تجوز شهادة ذي الغمر على أخيه مطلقا عاما - وهو قولنا - وهم يمنعونها من القبول على عدوه فقط ، ويجيزونها على غيره - وهذا خلاف لتلك الآثار . 
وأما شهادة الخصم : فإن المدعي لنفسه المخاصم لا تقبل دعواه لنفسه بلا شك . 
فبطل تعلقهم بتلك الآثار لو صحت ، فكيف وهي لا تصح . 
ثم وجدنا الله تعالى قد قال : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى    } فأمرنا الله عز وجل بالعدل على أعدائنا . 
فصح أن من حكم بالعدل على عدوه أو صديقه أو لهما ، أو شهد - وهو عدل - على عدوه أو صديقه أو لهما  ، فشهادته مقبولة وحكمه نافذ - وبالله تعالى التوفيق . 
وما نعلم أحدا سبق  مالكا  إلى القول برد شهادة الصديق الملاطف . 
وأما من رد شهادة الفقير فعظيمة ، قال الله تعالى : { للفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا    } - إلى قوله - : { أولئك هم الصادقون    } فمن رد شهادة هؤلاء لخاسر ، وإن من خصهم دون سائر الفقراء لمتناقض - وبالله تعالى التوفيق . 
وما نعلم لهم في هذه الأقوال سلفا من الصحابة رضي الله عنهم أصلا . 
وأطرف شيء قول  ربيعة    : ترد شهادة من خالف العدول في سيرته  وإن لم يوقف  [ ص: 513 ] منه على غير ذلك - : فهذا عجب جدا ، لا ندري من أين أطلقه في دين الله عز وجل . 
				
						
						
