1800 - مسألة : في الدماء ، والقصاص ، والأموال ، والفروج ، والحدود ، وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته ، وأقوى ما حكم بعلمه ; لأنه يقين الحق ، ثم بالإقرار ، ثم بالبينة . وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه
وقد اختلف الناس في هذا - : فروي عن قال : لو رأيت رجلا على حد لم أدع له غيري حتى يكون معي شاهد غيري ، وأن أبي بكر الصديق قال عمر : أرأيت لو رأيت رجلا قتل أو شرب أو زنى ؟ قال : شهادتك شهادة رجل من المسلمين فقال له لعبد الرحمن بن عوف : صدقت عمر
- وأنه روي نحو هذا عن ، معاوية . وابن عباس
ومن طريق الضحاك : أن اختصم إليه في شيء يعرفه فقال للطالب : إن شئت شهدت ولم أقض ، وإن شئت قضيت ولم أشهد . عمر
وقد صح عن أنه اختصم إليه اثنان فأتاه أحدهما بشاهد ، فقال شريح وأنت شاهدي أيضا ، فقضى له لشريح مع شاهده بيمينه . شريح
وروي عن : لا يحكم الحاكم بعلمه في الزنى . عمر بن عبد العزيز
وصح عن الشعبي : لا أكون شاهدا وقاضيا .
وقال ، مالك - في أحد قوليه - وابن أبي ليلى ، وأحمد ، وأبو عبيدة - في أحد قوليه : لا يحكم الحاكم بعلمه في شيء أصلا . ومحمد بن الحسن
وقال : يحكم الحاكم بعلمه بالاعتراف في كل شيء إلا في الحدود خاصة - . حماد بن أبي سليمان
وبه قال في أحد قوليه . ابن أبي ليلى
وقال ، أبو يوسف - في أول قوليه - : يحكم بعلمه في كل شيء من قصاص وغيره ، إلا في الحدود ، وسواء علمه قبل القضاء أو بعده . ومحمد بن الحسن
وقال : لا يحكم بعلمه قبل ولايته القضاء أصلا وأما ما علمه بعد ولايته [ ص: 524 ] القضاء فإنه يحكم به في كل شيء ، إلا في الحدود خاصة . أبو حنيفة
وقال : لا يحكم بعلمه إلا أن يقيم الطالب شاهدا واحدا في حقوق الناس خاصة ، فيحكم القاضي حينئذ بعلمه مع ذلك الشاهد . الليث
وقال : كل ما علم قبل ولايته لم يحكم فيه بعلمه ، وما علم بعد ولايته حكم فيه بعلمه بعد أن يستحلفه ، وذلك في حقوق الناس - وأما الزنا : فإن شهد به ثلاثة والقاضي يعرف صحة ذلك حكم فيه بتلك الشهادة مع علمه . الحسن بن حي
وقال الأوزاعي : إن أقام المقذوف شاهدا واحدا عدلا وعلم القاضي بذلك حد القاذف .
وقال ، الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحابهم كما قلنا . وأبو سليمان
قال : فنظرنا فيمن فرق بين ما علم قبل القضاء وما علم بعد القضاء فوجدناه قولا لا يؤيده قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا أحد قاله قبل أبو محمد ، وما كان هكذا فهو باطل بلا شك . أبي حنيفة
ثم نظرنا فيمن فرق بين ما اعترف به في مجلسه وبين غير ذلك مما علمه ، فوجدناه أيضا كما قلنا في قول ، وما كان هكذا فهو باطل إلا أن بعضهم قال : إنما جلس ليحكم بين الناس بما صح عنده . أبي حنيفة
قلنا : صدقتم ، وقد صح عنده كل ما علم قبل ولايته ، وفي غير مجلسه وبعد ذلك .
ثم نظرنا فيمن فرق بين ما شهد به عنده شاهد واحد وبين ما لم يشهد به عنده أحد - : فوجدناه أيضا كالقولين المتقدمين ، لأنه في كل ذلك إنما حكم بعلمه فقط - وهو قولنا - .
وأما حاكم بشاهد واحد أو بثلاثة في الزنى ، فهذا لا يجوز - . [ ص: 525 ]
وأما ، ولم يأت نص ولا إجماع بتصويب هذا الوجه خاصة . شاهد حاكم معا
ثم نظرنا في قول من فرق بين الحدود وغيرها ، فوجدناه قولا لا يعضده قرآن ولا سنة ، وما كان هكذا فهو باطل .
فإن ذكروا { } . ادرءوا الحدود بالشبهات
قلنا : هذا باطل ما صح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين الحدود وغيرها في أن يحكم في كل ذلك بالحق ، فلم يبق إلا قول من قال : لا يحكم الحاكم بعلمه في شيء - وقول من قال : يحكم الحاكم بعلمه في كل شيء - : فوجدنا من منع من أن يحكم الحاكم بعلمه يقول : هذا قول ، أبي بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن ، وابن عباس ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة . ومعاوية
فقلنا : هم مخالفون لكم في هذه القصة ; لأنه إنما روي أن قال : إنه لا يثيره حتى يكون معه شاهد آخر . أبا بكر
وهو قول ، عمر : أن شهادته شهادة رجل من المسلمين ، فهذا يوافق من رأى أن يحكم في الزنى بثلاثة هو رابعهم ، وبواحد مع نفسه في سائر الحقوق . وعبد الرحمن
وأيضا - فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأيضا - فقد خالفوا ، أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد ، وأبا موسى الأشعري في القصاص من اللطمة ، ومن ضربة السوط ، ومما دون الموضحة - وهو عنهم أصح مما رويتم عنهم هاهنا - . وابن الزبير
واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } . شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك
قال : وهذا قد خالفه المالكيون المحتجون به ، فجعلوا له الحكم باليمين مع الشاهد ، واليمين مع نكول خصمه ، وليس هذا مذكورا في الخبر . أبو محمد
وجعل له الحنفيون الحكم بالنكول وليس ذلك في الخبر .
وأمروه بالحكم بعلمه في الأموال التي فيها جاء هذا الخبر .
فقد خالفوه جهارا وأقحموا فيه ما ليس فيه . [ ص: 526 ]
فمن أضل ممن يحتج بخبر هو أول مخالف له برأيه .
وأما نحن فنقول : إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } ومن البينة التي لا بينة أبين منها صحة علم الحاكم بصحة حقه ، فهو في جملة هذا الخبر . بينتك أو يمينه
واحتجوا بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { عيسى عليه السلام رأى رجلا يسرق فقال له عيسى : سرقت ؟ قال : كلا والله الذي لا إله إلا هو ، فقال عيسى عليه السلام : آمنت بالله وكذبت نفسي } - فقالوا : أن فعيسى عليه السلام لم يحكم بعلمه .
قال : ليس يلزمنا شرع أبو محمد عيسى عليه السلام ، وقد يخرج هذا الخبر على أنه رآه يسرق أي يأخذ الشيء مختفيا بأخذه ، فلما قرره حلف ، وقد يكون صادقا ، لأنه أخذ ماله من ظالم له .
وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } - وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن علم الحاكم أبين بينة وأعدلها وقد تقصينا هذه المسألة في " كتاب الإيصال " ولله تعالى الحمد . لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها
وبرهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } .
وليس من القسط أن يترك الظالم على ظلمه لا يغيره .
وأن يكون الفاسق يعلن الكفر بحضرة الحاكم ، والإقرار بالظلم ، والطلاق ، ثم يكون الحاكم يقره مع المرأة ، ويحكم لها بالزوجية والميراث ، فيظلم أهل الميراث حقهم .
وقد أجمعوا على أن - فإنه يحكم في كل ذلك بعلمه - فقد تناقضوا . الحاكم إن علم بجرحة الشهود - ولم يعلم ذلك غيره ، أو علم كذب المجرحين لهم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } والحاكم إن لم يغير ما رأى من المنكر حتى تأتي البينة على ذلك فقد عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 527 ] من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه
فصح أن فرضا عليه أن يغير كل منكر علمه بيده ، وأن يعطي كل ذي حق حقه ، وإلا فهو ظالم - وبالله تعالى التوفيق .