1807 - مسألة : ومن حد في زنى ، أو قذف ، أو خمر ، أو سرقة ، ثم تاب وصلحت حاله ، فشهادته جائزة في كل شيء ، وفي مثل ما حد فيه لما ذكرنا من أنه لا يخلو هذا من أن يكون عدلا ، فلا يجوز رد شهادته لغيره ، وفي كل شيء إلا حيث جاء النص ولا نعلمه إلا في البدوي على صاحب القرية فقط ، أو لا يكون عدلا فلا يقبل في شيء ، وما عدا هذا فباطل وتحكم بالظن الكاذب بلا قرآن ولا سنة ولا معقول . 
وقالت طائفة في المحدود في القذف خاصة : لا تقبل شهادته أبدا - وإن تاب - في شيء أصلا . 
وقال آخرون : لا تقبل شهادة من حد في خمر أو غير ذلك  أصلا . 
فهذا القول قد جاء عن  عمر  في تلك الرسالة المكذوبة " المسلمون عدول  [ ص: 530 ] بعضهم على بعض إلا مجلودا حدا أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة " وهو قول  الحسن بن حي    . 
وقد قلنا : لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نص في رد شهادة من ذكرنا . 
فأما القول الثاني : في تخصيص من حد في القذف ، فإننا روينا من طريق  ابن جريج  عن  عطاء الخراساني  عن  ابن عباس    : شهادة القاذف  لا تجوز وإن تاب . 
ومن طريق  إسماعيل بن إسحاق  نا أبو الوليد - هو الطيالسي    - نا قيس  عن سالم - هو الأفطس    - عن قيس بن عاصم    : كان  أبو بكرة  إذا أتاه رجل يشهده قال له : أشهد غيري فإن المسلمين قد فسقوني . 
وصح عن الشعبي  في أحد قوليه ،  والنخعي  ،  وابن المسيب    - في أحد قوليه - والحسن البصري  ،  ومجاهد    - في أحد قوليه -  ومسروق    - في أحد قوليه - وعكرمة    - في أحد قوليه - : أن القاذف لا تقبل شهادته أبدا وإن تاب . 
وعن  شريح    : المحدود في القذف لا تقبل له شهادة أبدا . 
وهو قول  أبي حنيفة  ، وأصحابه ، وسفيان    . 
وقال آخرون : إن تاب المحدود في القذف قبلت شهادته - : روينا ذلك عن  عمر بن الخطاب  من طريق أبي عبيد  نا سعيد بن أبي مريم  عن محمد بن سالم  عن  إبراهيم بن ميسرة  عن  سعيد بن المسيب    : أن  عمر بن الخطاب  استتابهم - يعني  أبا بكرة  والذين شهدوا معه - فتاب اثنان وأبى  أبو بكرة  أن يتوب ، وكانت شهادتهما تقبل وكان  أبو بكرة  لا تقبل شهادته . 
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي  نا  محمد بن كثير  نا  سليمان بن كثير  عن الزهري  عن  سعيد بن المسيب  أن  عمر بن الخطاب  جلد  أبا بكرة  ، وشبل بن معبد  ، ونافعا أبا عبد الله  ، على قذفهم  المغيرة بن شعبة  ، وقال لهم : من تاب منكم قبلت شهادته 
ومن طريق  عبد الرزاق  عن  معمر  عن الزهري  عن  سعيد بن المسيب  ، قال : شهد على  المغيرة بن شعبة  ثلاثة بالزنى فجلدهم  عمر  وقال لهم : توبوا تقبل شهادتكم . 
ومن طريق علي بن أبي طلحة  عن  ابن عباس    : القاذف إذا تاب فشهادته عند الله عز وجل في كتابه تقبل .  [ ص: 531 ] 
وصح أيضا : عن  عمر بن عبد العزيز  ،  وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم   وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود  ،  وعطاء  ،  وطاوس  ،  ومجاهد  ، وابن أبي نجيح  ، والشعبي  ، والزهري  ،  وحبيب بن أبي ثابت  ، وعمر بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري  ،  وسعيد بن المسيب  ، وعكرمة  ،  وسعيد بن جبير  ، والقاسم بن محمد    :  وسالم بن عبد الله  ،  وسليمان بن يسار  ،  وابن قسيط  ،  ويحيى بن سعيد الأنصاري  ،  وربيعة  ،  وشريح    . 
وهو قول  عثمان البتي    . 
 وابن أبي ليلى  ،  ومالك  ،  والشافعي  ،  وأبي ثور  ،  وأبي عبيد  ،  وأحمد  ، وإسحاق  ، وبعض أصحابنا ، إلا أن  مالكا  قال : لا تقبل شهادته في مثل ما حد فيه ، ولا نعلم هذا الفرق عن أحد قبله . 
وأما  أبو حنيفة    - فلا نعلم له سلفا في قول إلا  شريحا  وحده ، وخالف سائر من روي عنه في ذلك شيء ; لأنهم لم يخصوا محدودا من غير محدود ، فقد خالف جمهور العلماء في ذلك . 
قال  أبو محمد    : احتج من منع من قبول شهادة القاذف - وإن تاب - : بخبر رويناه ، فيه { أن هلال بن أمية  إذ قذف امرأته ، قالت الأنصار    : الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية  ، ويبطل شهادته في المسلمين   } . 
وهذا خبر لا يصح ; لأنه انفرد به  عباد بن منصور  ، وقد شهد عليه  يحيى القطان    : بأنه كان لا يحفظ ولم يرضه - وقال ابن معين    : ليس بذلك . 
ثم لو صح لما كان لهم فيه متعلق ; لأنه ليس فيه : أنه إن تاب لم تقبل شهادته ، ونحن لا نخالفهم في أن القاذف لا تقبل شهادته . 
وأيضا : فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة إلا في كلامه عليه الصلاة والسلام . 
وأيضا - فإن ذلك القول منهم ظن لم يصح ، فما ضرب هلال  ، ولا سقطت شهادته - وفي هذا كفاية . 
وذكروا خبرا فاسدا : رويناه من طريق  حجاج بن أرطاة  عن  عمرو بن شعيب  عن  [ ص: 532 ] أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف   } . 
قال  أبو محمد    : هذه صحيفة  وحجاج  هالك - ثم هم أول مخالفين له ; لأنهم لا يقبلون الأبوين لابنيهما ، ولا الابن لأبويه ، ولا أحد الزوجين للآخر ولا العبد وهذا خلاف مجرد لهذا الخبر . 
وأيضا - فقد يضاف إلى هذا الخبر " إلا إن تاب " بنصوص أخر . 
وذكروا قول الله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا    } قالوا : فإنما استثنى تعالى بالتوبة من الفسق فقط . 
قال  أبو محمد    : هذا تخصيص للآية بلا دليل بل الاستثناء راجع إلى المنع من قبول شهادتهم من أجل فسقهم ، وإلى الفسق ، وهذا لا يجوز تعديه بغير نص . 
قال  علي    : كل من روي عنه - أن لا تقبل شهادته وإن تاب - فقد روي عنه قبولها ، إلا الحسن  ،  والنخعي  فقط . 
وأما الرواية عن  ابن عباس  فضعيفة ، والأظهر عنه خلاف ذلك . 
وأما الرواية عن  أبي بكرة    " إن المسلمين فسقوني " فمعاذ الله أن يصح ، ما سمعنا أن مسلما فسق  أبا بكرة  ، ولا امتنع من قبول شهادته على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين - وبالله تعالى التوفيق . 
				
						
						
