. 2042 - مسألة : قد ذكرنا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء كلامنا في باب الأعضاء ، وأنه عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51692الأصابع سواء ، هذه وهذه سواء } يعني الخنصر والإبهام وأنه عليه الصلاة والسلام قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51693الأصابع عشر عشر } فهذا نص لا يسع أحدا الخروج عنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وباليقين ندري أنه ليس هاهنا إلا عمد أو خطأ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51694رفع عن أمتي الخطأ } . وصح قول الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } فورد هذان النصان - وكان ممكنا أن يستثنى كل واحد منهما من الآخر . يمكن أن يكون المراد : ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ورفع عن أمتي الخطأ إلا في
nindex.php?page=treesubj&link=9400دية الأصابع .
وكان ممكنا أن يكون المراد : في الأصابع عشر عشر في العمد خاصة ، لا في الخطأ - ولم يجز لأحد أن يصير إلى أحد الاستثناءين إلا بيقين نص أو إجماع ، لأنه خبر عن الله تعالى ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحل الخبر عن الله تعالى إلا بنص ثابت في القرآن ، أو عن رسوله المبين عنه عليه السلام .
ونحن على بصيرة ويقين من الله تعالى لا يدعنا في عمى من هذا الحكم في الدين ، لأنه تعالى يقول {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89تبيانا لكل شيء وهدى }
[ ص: 56 ] وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم } فنظرنا في ذلك ضارعين إلى الله تعالى في أن يليح لنا الحق في ذلك ، فلا هدى إلا من قبله تعالى ، فابتدأنا بالعمد ، فوجدنا الناس مختلفين .
فطائفة قالت : لا شيء في العمد إلا القود فقط ، ولا دية هنالك .
وقالت طائفة : فيه القود أو الدية .
فوجدنا الاختلاف في وجوب الدية في العمد في ذلك - ثم رجعنا إلى الخطأ في ذلك ، فلم نجد إجماعا متيقنا على وجوب الدية في الخطأ في ذلك .
ثم وجدنا القائلين بالدية في ذلك مختلفين فيما دون الثلث : فطائفة قالت : هي في مال الجاني .
وطائفة قالت : هي على عاقلته ، فلم نجد إجماعا منهم أيضا في هذا ، ولم يجز أن يلزم الجاني غرامة لم يوجبها عليه نص ، ولا إجماع ، بل قد أسقط الله تعالى عنه الجناح بيقين في ذلك ، ولم يجز أيضا - أن تلزم عاقلته غرامة في ذلك بغير نص ، ولا إجماع ، بل النص مسقط عنهم ذلك بقول الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } .
فبطل بيقين أن يجب في الخطأ في ذلك شيء ، لأنه لا نص يبين هذه العشرة على من هي ؟ وإذا لم يبين النص ، ولا الإجماع على من هي ، فمن الباطل المتيقن أن يكون الله تعالى يلزم غرامة من لا يبين لنا من هو الملزم إياها ؟ هذا أمر نقطع ونبت أن الله تعالى لم يفعل بنا ذلك قط وهو تعالى القائل متفضلا علينا {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وما جعل عليكم في الدين من حرج } والآمر تعالى لنا إذ يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } - إلى قوله تعالى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ما لا طاقة لنا به }
[ ص: 57 ] والقائل تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وبيقين ندري أنه ليس في وسع أحد ، ولا في طاقته : أن يفهم مراد الله تعالى من غير أن يفهمه الله تعالى إياه ؟ فسقط أن يكون في الخطأ غرامة أصلا فيما دون النفس . فسقط أن يكون في الخطأ في ذلك دية أصلا فرجعنا إلى العمد فلم يكن بد من إيجاب دية الأصابع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إما على العامد ، وإما على المخطئ ، أو على عاقلة المخطئ وقد سقط أن يجب في ذلك على المخطئ ، أو على عاقلته شيء بنصوص القرآن التي أوردنا فلم يبق في ذلك إلا العامد ، فالدية في ذلك واجبة على العامد بلا شك ، إذ لم يبق إلا هو .
أيضا - فإن الله تعالى يقول {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها } وكان العامد مسيئا بسيئته ، فالواجب - بنص القرآن - أن يساء إليه بمثلها ، والدية إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفي إساءة مسيء ، فهي مثل سيئة ذلك المسيء بلا شك - وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا ، فإذا فاتت المماثلة بالقود في الأصابع وجبت المماثلة بالدية في ذلك .
. 2042 - مَسْأَلَةٌ : قَدْ ذَكَرْنَا الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ كَلَامِنَا فِي بَابِ الْأَعْضَاءِ ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51692الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ ، هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ } يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51693الْأَصَابِعُ عَشْرٌ عَشْرٌ } فَهَذَا نَصٌّ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : وَبِالْيَقِينِ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا إلَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51694رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ } . وَصَحَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } فَوَرَدَ هَذَانِ النَّصَّانِ - وَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يُسْتَثْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ . يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ، وَرُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ إلَّا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=9400دِيَةِ الْأَصَابِعِ .
وَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً ، لَا فِي الْخَطَأِ - وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَصِيرَ إلَى أَحَدِ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ إلَّا بِيَقِينِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَحِلُّ الْخَبَرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ فِي الْقُرْآنِ ، أَوْ عَنْ رَسُولِهِ الْمُبِينِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَنَحْنُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدَعُنَا فِي عَمًى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ فِي الدِّينِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى }
[ ص: 56 ] وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ } فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ضَارِعِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يُلِيحَ لَنَا الْحَقَّ فِي ذَلِكَ ، فَلَا هُدًى إلَّا مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى ، فَابْتَدَأْنَا بِالْعَمْدِ ، فَوَجَدْنَا النَّاسَ مُخْتَلِفِينَ .
فَطَائِفَةٌ قَالَتْ : لَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْقَوَدُ فَقَطْ ، وَلَا دِيَةَ هُنَالِكَ .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : فِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ .
فَوَجَدْنَا الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ فِي ذَلِكَ - ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ ، فَلَمْ نَجِدْ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ .
ثُمَّ وَجَدْنَا الْقَائِلِينَ بِالدِّيَةِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفِينَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ : فَطَائِفَةٌ قَالَتْ : هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي .
وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، فَلَمْ نَجِدْ إجْمَاعًا مِنْهُمْ أَيْضًا فِي هَذَا ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ الْجَانِي غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ نَصٌّ ، وَلَا إجْمَاعٌ ، بَلْ قَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْجُنَاحَ بِيَقِينٍ فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا - أَنْ تُلْزَمَ عَاقِلَتُهُ غَرَامَةً فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلَا إجْمَاعٍ ، بَلْ النَّصُّ مُسْقِطٌ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } .
فَبَطَلَ بِيَقِينٍ أَنْ يَجِبَ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ يُبَيِّنُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ عَلَى مَنْ هِيَ ؟ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ النَّصُّ ، وَلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْ هِيَ ، فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُلْزَمُ غَرَامَةً مَنْ لَا يُبَيِّنُ لَنَا مَنْ هُوَ الْمُلْزَمُ إيَّاهَا ؟ هَذَا أَمْرٌ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْعَلْ بِنَا ذَلِكَ قَطُّ وَهُوَ تَعَالَى الْقَائِلُ مُتَفَضِّلًا عَلَيْنَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وَالْآمِرُ تَعَالَى لَنَا إذْ يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } - إلَى قَوْله تَعَالَى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ }
[ ص: 57 ] وَالْقَائِلُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ ، وَلَا فِي طَاقَتِهِ : أَنْ يَفْهَمَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْهِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ ؟ فَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَطَأِ غَرَامَةٌ أَصْلًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ . فَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ دِيَةٌ أَصْلًا فَرَجَعْنَا إلَى الْعَمْدِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إيجَابِ دِيَةِ الْأَصَابِعِ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا عَلَى الْعَامِدِ ، وَإِمَّا عَلَى الْمُخْطِئِ ، أَوْ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ وَقَدْ سَقَطَ أَنْ يَجِبَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُخْطِئِ ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ شَيْءٌ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الَّتِي أَوْرَدْنَا فَلَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْعَامِدُ ، فَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَامِدِ بِلَا شَكٍّ ، إذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا هُوَ .
أَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } وَكَانَ الْعَامِدُ مُسِيئًا بِسَيِّئَتِهِ ، فَالْوَاجِبُ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - أَنْ يُسَاءَ إلَيْهِ بِمِثْلِهَا ، وَالدِّيَةُ إذَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إسَاءَةِ مُسِيءٍ ، فَهِيَ مِثْلُ سَيِّئَةِ ذَلِكَ الْمُسِيءِ بِلَا شَكٍّ - وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا أَيْضًا ، فَإِذَا فَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالْقَوَدِ فِي الْأَصَابِعِ وَجَبَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالدِّيَةِ فِي ذَلِكَ .