2180 - مسألة : ؟ قال اختلاف الشهود في الحدود : فلما اختلفوا في ذلك ، فنظرنا في ذلك ، فالذي نقول به : أن كل ما تمت به الشهادة ، ووجب القضاء بها ، فإن كل ما زاده الشهود على ذلك فلا حكم له ، ولا يضر الشهادة اختلافهم ، كما لا يضرها سكوتهم عنه - وأن كل ما لا تتم الشهادة إلا به - : فهذا هو الذي يفسدها اختلافهم ، أبو محمد ، فقال بعضهم : أمس بامرأة سوداء ، وقال بعضهم : بامرأة بيضاء اليوم - : فالشهادة تامة ، والحد واجب ، لأن الزنى قد تم عليه ، ولا يحتاج في الشهادة إلى ذكر مكان ولا زمان ، ولا إلى ذكر التي زنى بها - فالسكوت عن ذكر ذلك وذكره سواء - وكذلك في السرقة ، ولو قال أحدهما : أمس ، وقال الآخر : عام أول ، أو قال أحدهما : فالشهادة إذا تمت من أربعة عدول بالزنى على إنسان بامرأة يعرفونها أجنبية ، لا يشكون في ذلك ، ثم اختلفوا في المكان ، أو في الزمان ، أو في المزني بها بمكة ، وقال الآخر : ببغداد ، فالسرقة قد صحت ، وتمت الشهادة فيها - ولا معنى لذكر المكان ، ولا الزمان ، ولا الشيء المسروق منه - سواء اختلفا فيه ، أو اتفقا فيه ، أو سكتا عنه ، لأنه لغو ، وحديث زائد ، ليس من الشهادة في شيء . [ ص: 48 ]
وكذلك في شرب الخمر ، وفي القذف : فالحد قد وجب ، ولا معنى لذكر المكان ، والمقذوف في ذلك ، والمسكوت عنه وذكره ، والاتفاق عليه والاختلاف فيه سواء .
قال رحمه الله : ومن ادعى الخلاف في ذلك ؟ فيلزمه أن يراعي اختلاف الشهود في لباس الزاني ، والسارق ، والشارب ، والقاذف ، فإن قال أحدهما : كان في رأسه قلنسوة ، وقال الآخر : عمامة ، أو قال أحدهما : كان عليه ثوب أخضر ، وقال الآخر : بل أحمر ، وقال أحدهما : في غيم ، وقال الآخر : في صحو - فهذا كله لا معنى له . أبو محمد
فإن قال قائل : إن الغرض في مراعاة الاختلاف إنما هو أن تكون الشهادة على عمل واحد فقط ، وإذا اختلفوا في المكان ، أو الزمان ، أو المقذوف ، أو المزني بها ، أو المسروق منه ، أو الشيء المسروق : فلم يشهدوا على عمل واحد ؟ قلنا : من أين وقع لكم أن تكون الشهادة في كل ذلك على عمل واحد ، وأي قرآن ، أو سنة ، أو إجماع أوجب ذلك ؟ وأي نظر أوجبه ؟ وهذا ما لا سبيل إلى [ ص: 49 ] وجوده ، بل الغرض إثبات الزنى المحرم ، والقذف المحرم ، والسرقة المحرمة ، والشرب المحرم ، والكفر المحرم فقط ، ولا مزيد ، وبيان ذلك : قول الله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } الآية .
فصح بهذه الآية : أن الواجب إنما هو إثبات الزنى فقط ، وهو الذي رماها به ، ولا معنى لذكره التي رماها ولا سكوته عنه ، فليس عليه أن يأتي بأكثر من أربعة شهداء : على أن الذي رماها به من الزنى حق ، ولا نبالي عملا واحدا كان أو أربعة أعمال ، لأن كل ذلك زنا .
وكذلك إن شهد عليه بالقذف لمحصنة ، فقد ثبت عليه بالقرآن ثمانون جلدة ، ولم يحد الله تعالى أن يكون في الشهادة ذكر الزمان ، ولا ذكر المكان فالزيادة لهذا باطل بيقين ، لأن الله تعالى لم يأمر به ، ولا بمراعاته .
وكذلك قال الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } فحسبنا ، وصحة الشهادة بأنها سارقة ، أو أنه سارق ، ولم نجد الله تعالى ذكر الزمان ، أو المكان ، أو المسروق منه ، أو الشيء المسروق ، فمراعاة ذلك باطل بيقين لا شك فيه .
وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } فأوجب الجلد بشرب [ ص: 50 ] الخمر ، فإذا صحت الشهادة بشرب الخمر فقد وجب الحد ، بنص أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ولا معنى لمراعاة ذكر مكان ، أو زمان ، أو صفة الخمر ، أو صفة الإناء - إذ لم يأت نص بذلك عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم فمراعاة ذلك باطل بلا شك - والحمد لله رب العالمين . إذا شرب الخمر فاجلدوه
قال : وقد جاء نحو ذلك عن السلف : كما حدثنا أبو محمد عبد الله بن ربيع حدثنا حدثنا ابن مفرج حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح سحنون حدثنا أنا ابن وهب السري بن يحيى قال : حدثنا قال : شهد الحسن البصري الجارود على أنه شرب الخمر - وكان قدامة بن مظعون قد أمر عمر قدامة على البحرين - فقال عمر للجارود : من يشهد معك ؟ قال : علقمة الخصي ؟ فدعا علقمة ، فقال له : بم تشهد ؟ فقال عمر علقمة : وهل تجوز شهادة الخصي ؟ قال : وما يمنعه أن تجوز شهادته إذا كان مسلما ، قال عمر علقمة : رأيته يقيء الخمر في طست ، قال : فلا وربك ما قاءها حتى شربها : فأمر به فجلد الحد ، فهذا حكم عمر بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - لا يعرف له منهم مخالف في عمر - وعهدناهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ، وهم هاهنا قد خالفوا إقامة الحد بشهادتين مختلفتين إحداهما : أنه رآه يشرب الخمر ، والأخرى : أنه لم يره يشربها ، لكن رآه يتقيؤها ، عمر بن الخطاب والجارود ، وجميع من بحضرتهما من الصحابة ، فلا مؤنة عليهم - وحسبنا الله ونعم الوكيل .