2245 - مسألة : فيمن قال ادعت أن فلانا استكرهها : نا علي حمام نا نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الدبري نا نا عبد الرزاق [ ص: 259 ] عن معمر الزهري ، قالا جميعا : في امرأة قذفت رجلا بنفسها أنه غلبها على نفسها ، والرجل ينكر ذلك ، وليس لها بينة : فإنها تضرب حد الفرية . حدثنا وقتادة عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز الحجاج بن المنهال نا أنا حماد بن سلمة أن رجلا استكره امرأة فصاحت ؟ فجاء مؤذن فشهد لها عند قتادة : أنه سمع صياحها ، فلم يجلدها . حدثنا عمر بن عبد العزيز عبد الله بن ربيع نا نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح سحنون نا أخبرني ابن وهب عميرة بن أبي ناجية عن يزيد بن أبي حبيبة عن : أنه أتته امرأة فقالت : إن فلانا استكرهني على نفسي ؟ فقال : هل سمعك أحد أو رآك ؟ قالت : لا ، فجلدها بالرجل - وهو عمر بن عبد العزيز عمرو بن مسلم ، أو إسحاق بن مسلم مولى عمرو بن عثمان - قال : سألت ابن وهب عن المرأة تقول : إن فلانا أكرهني على نفسي ؟ قال : إن كان ليس مما يشار إليه بذلك ; جلدت الحد ، وإن كان مما يشار إليه بالفسق نظر في ذلك قال مالكا رحمه الله : هاهنا يرون عليه السجن الطويل ، والأدب ، وغرم مهر مثلها - وهذه أقوال تدور على وجوه : إما جلدها حد القذف إن لم يكن لها بينة - وهو قول أبو محمد الزهري ، . وإما إسقاط الحد عنها بشهادة واحد : أنه سمع صياحها فقط - وهو عن وقتادة - وإلا فتجلد . وإما أن يدرأ عنها الحد بأن يرى معها خاليا ، ويؤثر فيه أثرا ، أو يسمع صياحها - وهو قول عمر بن عبد العزيز - وهو أيضا قول ربيعة ، وزاد : أن يعاقب الرجل المدعى عليه - إن كان ذلك - أشد العقوبة إن ظهر بشيء مما ذكرنا ، وإلا فالحد على المرأة حد القذف . وإما أن ينظر ، فإن كان المدعى عليه من أهل العافية جلد حد القذف - وإن كان ممن يشار إليه بالفسق فلا شيء عليها ، ويسجن هو ويطال سجنه ، ويغرم مهر مثلها - وهو قول يحيى بن سعيد الأنصاري مالك
[ ص: 260 ] قال رحمه الله : أما قول أبو محمد - فظاهر الخطأ ; لأنه فرق في الادعاء بين المشار إليه بالخير ، والمشار إليه بالفسق ، ولم يوجب الفرق بين شيء من ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب وقد أجمعت الأمة كلها على أن رجلا يدعي دينا على آخر ، والمدعى عليه منكر : فإنه يحلف - ولو أنه أحد الصحابة - رضي الله عنهم - وقد قضى باليمين علي مالك ، وعمر وعثمان ، وغيرهم - رضي الله عنهم - ولا أحد أفضل منهم ، ولا أبعد من التهمة ، والدعوى بجحد المال ، والظلم ، والغصب كالدعوى بالغلبة في الزنا ، ولا فرق ; لأن كل ذلك حرام ، ومعصية . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وابن عمر } وقال عليه السلام لصاحب من أصحابه اختصما { لو أعطي قوم بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على من ادعي عليه } وقد أجمعت الأمة ، بينتك أو يمينه معهم على أن مسلما برا فاضلا عدلا - ولو أنه أحد الصحابة رضي الله عنهم - : ومالك أن اليهودي ، أو النصراني : يبرأ من ذلك بيمينه ، وأن الكافر لو ادعى ذلك على المسلم لأحلف له ، فكيف يقضي لها بدعواها ، فيغرمه مهرها من أجل أنه فاسق ، ولا فاسق أفسق من كافر ، قال الله تعالى الكافرون هم الفاسقون فهذان وجهان من الخطأ ؟ وثالث - وهو القضاء عليه بالسجن والعقوبة دون بينة - وهذا ظلم ظاهر لا خفاء به . ورابع - هو أنه لا يخلو من أن يكون يصدقها أو يكذبها ، ولا سبيل إلى قسم ثالث - فإن كان يصدقها فينبغي له أن يقيم عليها حد الزنا وإلا فقد تناقض وضيع حدا لله تعالى ، وإن كان يكذبها فبأي معنى يسجنه ويغرمه مهر مثلها ، فيؤكلها المال بالباطل ، ويأخذ ماله بغير حق . وخامس - وهو أنه إن تكلمت - وكان المدعى عليه معروفا بالعافية : جلدها حد القذف ، وإن مكثت ، فظهر بها حمل : رجمها إن كانت محصنة - وهذا ظلم ما سمع ادعى مالا على يهودي ، أو نصراني ، ولا بينة له
[ ص: 261 ] بأشنع منه ، وحرج في الدين لم يجعله الله تعالى قط فيه ، ولا يحفظ عن أحد فرق هذا التفريق قبل - وبالله تعالى التوفيق . قال مالك رحمه الله : فنظرنا في ذلك - فوجدنا الله تعالى يقول { أبو محمد فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } الآية ؟ ففعلنا - فوجدنا الله تعالى قد أوجب الحد على من رمى أحدا بالزنا ، إلا أن يأتي ببينة . ثم نظرنا في التي تشتكي بإنسان : أنه غلبها على نفسها ؟ فوجدناها لا تخلو من أن تكون قاذفة ، أو تكون غير قاذفة ، فإن كانت قاذفة فالحد واجب عليها بلا شك ، إذ لا خلاف في أن قاذف الفاسق يلزمه الحد ، كقاذف الفاضل ، ولا فرق . والقذف هو ما قصد به العيب والذم وهذه ليست قاذفة إنما هي مشتكية مدعية ، وإذ ليست قاذفة فلا حد للقذف عليها ، ولكن تكلف البينة ، فإن جاءت بها أقيم عليه حد الزنا ، وإن لم تأت بها فلا شيء عليه أصلا ، لا سجن ، ولا أدب ، ولا غرامة ; لأن ماله محرم ، وبشرته محرمة ، ومباح له المشي في الأرض ، قال الله تعالى { فامشوا في مناكبها } . فإن قال قائل : فإن لم تكن بينة فاقضوا عليه باليمين بهذا الخبر ؟ قلنا : وبالله تعالى التوفيق - إن دعواها انتظم حقا لها وحقا لله تعالى ، ليس لها فيه دخول ولا خروج ؟ فحقها : التعدي عليها وظلمها ، وحق الله تعالى : هو الزنا ، فواجب أن يحلف لها في حقها ، فيحلف بالله ما تعديت عليك في شيء ، ولا ظلمتك وتبرأ ذمته . ; لأنه لا خلاف في أن أحدا لا يحلف في حق ليس له فيه مدخل . ولا يختلف اثنان في أن من قال : إنك غصبتني ولا يجوز أن يحلف بالله ما زنى وزيدا دينارا ، فإنه إنما يحلف له في حقه من الدينار لا في حق زيد ، وهكذا في كل شيء . وأما الفرق بين الذم والشكوى ، فإنهم لا يختلفون فيمن قال لآخر - ابتداء أو في
[ ص: 262 ] كلام بينهما - يا ظالم ، يا غاصب ، أنه مسيء - فمن قائل : عليه الأدب ، ومن قائل : لآخر أن يقول له مثل ذلك . ولا يختلفون فيمن شكا بآخر فقال : ظلمني وأخذ مالي بغير حق ، أنه لا شيء عليه وأنه ليس مسيئا بذلك فصح الفرق بين الشكوى وبين الاعتداء بالسب والقذف - وبالله تعالى التوفيق .