250 - مسألة :
للجنابة وللحيض ولكل غسل واجب وللوضوء صفة عمل واحد ، إنما يجب في كل ذلك أن ينوي به الوجه الذي تيمم له ، من طهارة للصلاة أو جنابة أو إيلاج في الفرج أو طهارة من حيض أو من نفاس أو ليوم الجمعة أو من غسل الميت ، ثم يضرب الأرض بكفيه متصلا بهذه النية ثم ينفخ فيهما ويمسح وجهه وظهر كفيه إلى الكوعين بضربة واحدة فقط ، وليس عليه استيعاب الوجه ولا الكفين ولا يمسح في شيء من التيمم ذراعيه ولا رأسه ولا رجليه ولا شيئا من جسمه . أما النية فقد ذكرنا وجوبها قبل ، وقال وصفة التيمم يجزئ الوضوء وغسل الجنابة بلا نية ، ولا يجزئ التيمم فيهما إلا بنية ، وقال أبو حنيفة : كل ذلك يجزئ بلا نية ، وأما كون عمل التيمم للجنابة وللحيض وللنفاس ولسائر ما ذكرنا - كصفته لرفع الحدث فإجماع لا خلاف فيه من كل من يقول بشيء من هذه الأغسال وبالتيمم لها . [ ص: 369 ] الحسن بن حي
وأما فإجماع متيقن ، إلا شيئا فعله سقوط مسح الرأس والرجلين وسائر الجسد في التيمم رضي الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاه عنه عليه السلام ، وفي سائر ذلك اختلاف ، وهو أن قوما قالوا بأن التيمم ضربتان ولا بد ، وقالت طائفة عليه استيعاب الوجه والكفين ، وقالت طائفة عليه استيعاب ذراعيه إلى الآباط ، وقال آخرون إلى المرافق . عمار بن ياسر
فأما الذين قالوا : إن التيمم ضربتان واحدة للوجه والأخرى لليدين والذراعين إلى المرافق ، فإنه احتجوا بحديث من طريق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم { أبي أمامة الباهلي } وبحديث من طريق ضربتان ضربة للوجه وأخرى للذراعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إلى المرفقين " وبحديث من طريق عمار قال { ابن عمر } . سلم رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك فلم يرد عليه ثم ضرب بيديه عليه السلام على الحائط ومسح بهما وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل ، وقال عليه السلام : إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر
ثم بحديث الأسلع رجل من بني الأعرج بن كعب قال { جبريل بالصعيد ، فقال : قم يا أسلع فارحل ، قال : ثم علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم ، فضرب بكفيه الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه حتى أمر على لحيته ، ثم أعادها إلى الأرض فمسح كفيه الأرض فدلك إحداهما بالأخرى ثم نفضهما ثم مسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما . } قلت يا رسول الله أصابتني جنابة . فسكت عليه السلام حتى جاءه
وبحديث عن قال { أبي ذر } ليس في هذا الخبر إلا ضربة واحدة وبحديث عن وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه على الأرض ثم نفضهما ، ثم مسح وجهه ويديه إلى المرفقين عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم { ابن عمر } وبحديث عن ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الواقدي } . [ ص: 370 ] التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين
وقالوا : قد صح عن وعن عمر بن الخطاب وعن جابر بن عبد الله ، من فتياهم وفعلهم أن التيمم ضربتان ، ضربة للوجه وضربة للذراعين واليدين ، قالوا والتيمم بدل من الوضوء ، فلما كان يجدد الماء للوجه وماء آخر للذراعين وجب كذلك في التيمم ، ولما كان الوضوء إلى المرفقين وجب أن يكون التيمم الذي هو بدله كذلك . ابن عمر
هذا كل ما شغبوا به ، وكله لا حجة لهم فيه .
أما الأخبار فكلها ساقطة ، لا يجوز الاحتجاج بشيء منها .
أما حديث أبي أمامة فإننا رويناه من طريق عن ابن وهب محمد بن عمرو اليافعي عن رجل حدثه عن جعفر بن الزبير عن عن القاسم بن عبد الرحمن أبي أمامة ، ففيه علتان : إحداهما القاسم وهو ضعيف ، والثانية أن محمد بن عمرو لم يسم من أخبره به عن جعفر بن الزبير وقد دلسه بعض الناس فقال : عن محمد بن عمرو عن جعفر . ومحمد لم يدرك جعفر بن الزبير فسقط هذا الخبر . وأما حديث فإننا رويناه من طريق عمار عن أبان بن يزيد العطار قال : حدثني محدث عن قتادة الشعبي عن عن عبد الرحمن بن أبزى ، فلم يسم عمار من حدثه . والأخبار الثابتة كلها عن قتادة بخلاف هذا ، فسقط هذا الخبر أيضا . عمار
وأما حديث فإننا رويناه من طريق ابن عمر محمد بن إبراهيم الموصلي عن محمد بن ثابت العبدي عن عن نافع ، ابن عمر ومحمد بن ثابت العبدي ضعيف لا يحتج بحديثه ، ثم لو صح لكان حجة عليهم ، لأن فيه ، التيمم في الحضر للصحيح ، والتيمم لرد السلام ، وهم لا يقولون بشيء من هذا كله ، ومن المقت احتجاج امرئ بما لا يراه لا هو ولا خصمه حجة واحتجاجه بشيء هو أول مخالف له ، فإن كان هذا الخبر حجة في التيمم إلى المرفقين ، فهو حجة في ترك رد السلام إلا على طهر ، وفي التيمم بين الحيطان في وترك رد السلام على غير طهارة المدينة لرد السلام ، وإن لم يكن حجة في هذا فليس حجة فيما احتجوا به .
فإن قالوا : هو على الندب ، قلنا : وكذلك قولوا في صفة التيمم فيه مرتين وإلى المرفقين أنه على الندب ولا فرق ، فسقط هذا الخبر أيضا .
وأما حديث الأسلع ففي غاية السقوط ; لأننا رويناه من طريق [ ص: 371 ] يحيى بن عبد الحميد الحماني عن عليلة - هو الربيع - عن أبيه عن جده عن الأسلع ، وكل من ذكرنا فليسوا بشيء ولا يحتج بهم .
وأما حديث فإنا رويناه من طريق أبي ذر عن ابن جريج : حدثني رجل أن عطاء ، وهذا كما ترى ، لا ندري من ذلك الرجل ، فسقط هذا الخبر أيضا . أبا ذر
وأما حديث الثاني فرويناه من طريق ابن عمر عن شبابة بن سوار سليمان بن داود الحراني عن سالم عن ونافع ، ابن عمر وسليمان بن داود الحراني ضعيف لا يحتج به .
وأما حديث فأسقط من أن يشتغل به ، لأنه عن الواقدي وهو مذكور بالكذب ثم مرسل من عنده ، فسقط كل ما موهوا به من الآثار الواقدي
وأما احتجاجهم بما صح من ذلك عن عمر وابن عمر ، فقد صح عن وجابر عمر : لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهرا ، وقد صح عن وابن مسعود أبي بكر وعمر وابن مسعود وأم سلمة وغيرهم المسح على العمامة ، فلم يلتفتوا إلى ذلك ، فما الذي جعلهم حجة حيث يشتهي هؤلاء ، ولم يجعلهم حجة حيث لا يشتهون ؟ هذا موجب للنار في الآخرة وللعار في الدنيا ، فكيف وقد خالف في هذه المسألة وابنه عمر وجابرا علي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار ، على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ، فسقط تعلقهم بالصحابة رضي الله عنهم . وابن عباس
وأما قولهم إن التيمم بدل من الوضوء ، فيقال لهم : فكان ماذا ؟ ومن أين وجب أن يكون البدل على صفة المبدل منه ؟ وإن كان هذا فأنتم أول مخالف لهذا الحكم الذي قضيتم أنه حق ، فأسقطتم في التيمم الرأس والرجلين ، وهما فرضان في الوضوء وأسقطتم جميع الجسد في التيمم للجنابة وهو فرض في الغسل ، وأوجبتم أن يحمل الماء إلى الأعضاء في الوضوء ، ولم توجبوا حمل شيء من التراب إلى الوجه والذراعين في التيمم ، وأسقط منهم النية في الوضوء والغسل وأوجبها في التيمم ، ثم أين وجدتم في القرآن أو السنة أو الإجماع أن البدل لا يكون إلا على صفة المبدل منه ؟ وهل هذا إلا دعوى فاسدة كاذبة ؟ وقد وجدنا الرقبة واجبة في الظهار وفي كفارة اليمين وكفارة قتل الخطأ وكفارة المجامع عمدا نهارا في رمضان وهو صائم ، ثم عوضها الله تعالى وأبدل من رقبة الكفارة صيام ثلاثة أيام ومن رقاب القتل والجماع والظهار صيام [ ص: 372 ] شهرين متتابعين ، وعوض من ذلك إطعاما في الظهار والجماع ، ولم يعوضه في القتل ، وهكذا في كل شيء . أبو حنيفة
فإن قالوا : قسنا التيمم على الوضوء ، قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ، وهلا قستم ما يتيمم من اليدين على ما يقطع من اليدين في السرقة كما تركتم أن تقيسوا ما يستباح به فرج الحرة في النكاح على ما يستباح به فرج الأمة في البيع ، وقستموه على ما تقطع فيه يد السارق لا سيما وقد فرقتم بالنص والإجماع بين حكم التيمم وبين الوضوء في سقوط الرأس والرجلين في التيمم دون الوضوء ، وسقوط الجسد كله في التيمم دون الغسل .
ويقال لهم كما جعلتم سكوت الله تعالى عن ذكر الرأس والرجلين في التيمم دليلا على سقوط ذلك فيه ولم تقيسوه على الوضوء ، فهلا جعلتم سكوته تعالى عن ذكر التحديد إلى المرافق في التيمم دليلا على سقوط ذلك ، ولا تقيسوه على الوضوء ؟ كما فعل وأصحابه في سكوت الله تعالى عن دين الرقبة في الظهار ، ولم يقيسوها على المنصوص عليها في رقبة القتل ، وإذا قستم التيمم للوضوء على الوضوء فقيسوا التيمم للجنابة على الجنابة ، فعموا به الجسد وهذا ما لا مخلص منه . أبو حنيفة
وبالله تعالى التوفيق .
قال : وقد رأى قوم أن التيمم ضربتان ، ضربة للوجه وضربة للكفين فقط ، واحتجوا بحديث رويناه من طريق أبو محمد حرمي بن عمارة ثنا الحريش بن الخريت أخو الزبير بن الخريت حدثنا عبد الله بن أبي مليكة عن { عائشة أم المؤمنين نزلت آية التيمم فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربة ومسح بها وجهه ، ثم ضرب على الأرض أخرى فمسح بها كفيه } .
وبحديث رويناه من طريق عن شبابة بن سوار سليمان بن داود الحراني عن سالم عن ونافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم { ابن عمر } ضربة للوجه وضربة للكفين .
قال : وهذا لا شيء ; لأن أحدهما من طريق علي الحريش بن الخريت وهو ضعيف ، والثاني من طريق سليمان بن داود الحراني وهو ضعيف .
وممن رأى أن التيمم ضربتان ضربة للوجه والأخرى لليدين والذراعين إلى [ ص: 373 ] المرفقين : الحسن البصري وأصحابه ، وأبو حنيفة وسفيان الثوري وابن أبي ليلى . والحسن بن حي
والشافعي قالا : إلا أن يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ذلك فنقول به ، واختلف في ذلك عن وأبو ثور الشعبي . وقال : أحب إلي أن يكون إلى المرفقين ، ولهذا قال إبراهيم ، ولم ير على من تيمم إلى الكوعين أن يعيد الصلاة إلا في الوقت . مالك
وقد ذهب قوم إلى أن التيمم إلى المناكب ، واحتجوا بما رويناه من طريق عن العباس بن عبد العظيم عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد عن عمه عن جويرية بن أسماء عن مالك بن أنس الزهري : أخبرني عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : { عمار بن ياسر } ورويناه أيضا من طريق تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب : ثنا أبي عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان الزهري : أخبرني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود { ابن عباس - فذكر نزول آية التيمم قال : فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا أيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا ، فمسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط . عمار بن ياسر } عن
وروينا من طريق عن سفيان بن عيينة الزهري : حدثني عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وبه كان يقول عمار عمار والزهري ، روينا من طريق ، ثنا سليمان بن حرب الواشحي عن حماد بن زيد قال : سمعت أيوب السختياني الزهري يقول : التيمم إلى المنكبين .
قال : هذا أثر صحيح إلا أنه ليس فيه نص ببيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فيكون ذلك حكم التيمم وفرضه ، ولا نص بيان بأنه عليه السلام علم بذلك فأقره ، فيكون ذلك ندبا مستحبا ، ولا حجة في فعل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن العجب ليطول ممن يرى إنكار علي على عمر إن لم يصل الغسل بالرواح إلى [ ص: 374 ] الجمعة بحضرة الصحابة رضي الله عنهم : حجة في إبطال وجوب الغسل ، وهذا الخبر مؤكد لوجوبه منكر لتركه ، ثم لا يرى عمل المسلمين في التيمم إلى المناكب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة في وجوب ذلك قال عثمان : فإذ لا حجة في شيء من هذه الآثار - وقد اختلف الناس كما ذكرنا - فالواجب الرجوع إلى ما افترض الله الرجوع إليه من القرآن والسنة عند التنازع ، ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول : { علي فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } فلم يحد الله تعالى غير اليدين ، ونحن على يقين من أن الله تعالى لو أراد إلى المرافق والرأس والرجلين لبينه ونص عليه كما فعل في الوضوء ، ولو أراد جميع الجسد لبينه كما فعل في الغسل ، فإذ لم يرد عز وجل على ذكر الوجه واليدين ، فلا يجوز لأحد أن يزيد في ذلك ما لم يذكره الله تعالى . من الذراعين والرأس والرجلين وسائر الجسد ، ولم يلزم في التيمم إلا الوجه والكفان ، وهما أقل ما يقع عليه اسم يدين ، ووجدنا السنة الثابتة قد جاءت بذلك لا الأكاذيب الملفقة .
كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي حدثنا الفربري ثنا ثنا البخاري أخبرنا محمد بن كثير عن شعبة الحكم بن عتيبة عن ذر - هو ابن عبد الله المرهبي - عن ابن عبد الرحمن بن أبزى - هو سعيد - عن أبيه قال : قال عمار بن ياسر " تمعكت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { لعمر بن الخطاب } . يكفيك الوجه والكفان
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلهم عن عن أبي معاوية عن الأعمش قال : كنت جالسا مع شقيق بن سلمة عبد الله بن مسعود - فذكر الحديث ، وفيه - فقال وأبي موسى الأشعري أبو موسى " ألم تسمع قول لابن مسعود : { عمار } [ ص: 375 ] وبه إلى بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء ، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ؟ ثنا مسلم عبد الله بن هاشم العبدي ثنا عن يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة الحكم عن ذر - هو ابن عبد الله - عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رجلا أتى فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء ، قال عمر بن الخطاب لا تصل ، فقال عمر : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذا أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمار } وذكر باقي الحديث . قال إنما كان يكفيك أن تضرب الأرض بيديك ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك : في هذا الحديث إبطال القياس ; لأن علي قدر أن المسكوت عنه من التيمم للجنابة حكمه حكم الغسل للجنابة ، إذ هو بدل منه ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وأعلمه أن لكل شيء حكمه المنصوص عليه فقط ، وفيه أن الصاحب قد يهم وينسى ، وفيه نص حكم التيمم . عمارا
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير الليث بن سعيد عن عن جعفر بن ربيعة عبد الرحمن الأعرج قال سمعت عميرا مولى ابن عباس قال : أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري ، فقال أبو جهيم { } أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام ، حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد السلام .
قال : هذا هو الثابت لا حديث أبو محمد محمد بن ثابت . وهذا فعل مستحب يعني التيمم لرد السلام في الحضر .
وبهذا يقول جماعة من السلف ، كما روينا عن عن عطاء بن السائب أبي البختري عن قال : التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين . علي بن أبي طالب
وروينا عن : حدثنا أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن حصين بن عبد الرحمن أبي مالك الأشجعي قال : سمعت يقول : التيمم ضربة للوجه والكفين ، وروينا عن عمار بن ياسر حدثنا محمد بن أبي عدي عن [ ص: 376 ] شعبة عن حصين بن عبد الرحمن أبي مالك أنه سمع يقول في خطبته : التيمم هكذا وضرب ضربة للوجه والكفين . عمار بن ياسر
قال : هذا بحضرة الصحابة في الخطبة ، فلم يخالفه ممن حضر أحد . أبو محمد
وعن حدثني أحمد بن حنبل مسكين بن بكير ثنا الأوزاعي عن أن عطاء ابن عباس كانا يقولان : وابن مسعود . التيمم للكفين والوجه
قال الأوزاعي وبهذا كان يقول عطاء ، وهو الثابت عن ومكحول الشعبي وقتادة وسعيد بن المسيب وبه يقول وعروة بن الزبير الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق . وداود
قال : وأما علي فما نعلم في ذلك لمن أوجبه حجة إلا قياس ذلك على استيعابهما بالماء . استيعاب الوجه والكفين
قال : والقياس باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ; لأن حكم الرجلين عندنا وعندهم في الوضوء الغسل ، فلما عوض منه المسح على الخفين سقط الاستيعاب عندهم ، فيلزمهم - إن كانوا يدرون ما القياس - أن كذلك لما كان حكم الوجه واليدين في الوضوء الغسل ، ثم عوض منه المسح في التيمم ، أن يسقط الاستيعاب كما سقط في المسح على الخفين ، لا سيما ومن أصول أصحاب القياس أن المشبه بالشيء لا يقوى قوة الشيء بعينه أبو محمد
قال : هذا كله لا شيء ، وإنما نورده لنريهم تناقضهم وفساد أصولهم ، وهدم بعضها لبعض ، كما نحتج على كل ملة وكل نحلة وكل قولة بأقوالها الهادم بعضها لبعض ، لأنهم يصححونها كلها ، لا على أننا نصحح منها شيئا ، وإنما عمدتنا ههنا أن الله تعالى قال : { أبو محمد بلسان عربي مبين } وقال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } والمسح في اللغة لا يقتضي الاستيعاب ، فوجب الوقوف عند ذلك ، ولم يأت بالاستيعاب في التيمم قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ، نعم ولا قياس ، فبطل القول به ، وممن قال بقولنا في هذا ، وأنه إنما هو ما وقع عليه اسم مسح فقط : وغيره . أبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي
قال : والعجب أن لفظة المسح لم تأت في الشريعة إلا في أربعة [ ص: 377 ] مواضع ولا مزيد : مسح الرأس ومسح الوجه واليدين في التيمم ومسح على الخفين والعمامة والخمار ، ومسح الحجر الأسود في الطواف ، ولم يختلف أحد من خصومنا المخالفين لنا في أن أبو محمد ، وكذلك من قال منهم بالمسح على العمامة والخمار ، ثم نقضوا ذلك في التيمم ، فأوجبوا فيه الاستيعاب تحكما بلا برهان ، واضطربوا في الرأس ، فلم يوجب مسح الخفين ومسح الحجر الأسود لا يقتضي الاستيعاب ولا أبو حنيفة فيه الاستيعاب ، وهم الشافعي بأن يوجبه ، وكاد فلم يفعل ، فمن أين وقع لهم تخصيص المسح في التيمم بالاستيعاب بلا حجة ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من لغة ولا من إجماع ، ولا من قول صاحب ولا من قياس ؟ وبالله التوفيق . مالك