وروينا من طريق نا سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن أبان بن تغلب عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أو عمه : أن رآهم ابن مسعود بذات الشقوق فقال : ما هؤلاء ؟ أتجار ؟ قالوا : لا ، قال : فما يحبسهم عما خرجوا له ؟ فمالوا إلى أدنى ماء فاغتسلوا وأحرموا . [ ص: 57 ]
قال : ما نعلم عن الصحابة في هذا إلا ما أوردنا . أبو محمد
وروي عن : أنه كان لا يرى بأسا بتجاوز الميقات لمن أراد الحج والعمرة . يحيى بن سعيد الأنصاري
وعن الزهري نحو هذا لمن توقع شيئا - وعن عن وكيع سفيان عن حبيب عن فيمن دخل إبراهيم النخعي مكة لا حاجا ولا معتمرا وخشي فوات الحج إن خرج إلى الميقات ، قال : يهل من مكانه .
قال حبيب : ولم يذكر دما .
وعن الحسن ، : أنه يرجع إلى الميقات . وسعيد بن جبير
وعن قال مرة : عليه دم ، ومرة قال : لا شيء عليه ، روينا ذلك من طريق عطاء نا سعيد بن منصور - عن سفيان هو ابن عيينة ابن أبي نجيح عن قال : ليس على من تجاوز الميقات غير محرم شيء . عطاء
قال سفيان : لا يعجبنا .
ومن طريق نا سعيد بن منصور عتاب بن بشير أنا خصيف عن قال : من جاوز الوقت الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحرم منه فلن يغني عنه إن أحرم شيئا حتى يرجع إلى الوقت الذي وقت النبي صلى الله عليه وسلم فيحرم منه إلا إنسان أهله من وراء الوقت فيحرم من أهله . سعيد بن جبير
قال : فأصح الروايات عن أبو محمد ، وهذه الرواية عن ابن عباس موافقة لقولنا ; وأضعف الروايات عن سعيد بن جبير موافقة لقول الحاضرين من مخالفينا وليس بعض أقوالهم رضي الله عنهم بأولى من بعض ، الواجب عند التنازع ما أوجبه الله تعالى إذ يقول : { ابن عباس فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ففعلنا - ولله الحمد - فوجدنا الله تعالى قد وقت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مواقيت وحد حدودا فلا يحل تعديها { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فلم يجز أن يصحح عملا عمل على خلاف أمر [ ص: 58 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يشرع وجوب دم لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام وما كان ربك نسيا } فيبيح من ماله المحرم ما لم يأت قرآن ولا سنة بإباحته ، وما نعلم لمن أوجب الدم وأجاز الإحرام حجة أصلا .
فإن قالوا : إن أشياء جاء النص فيها بوجوب دم ؟ قلنا : نعم ، فلا يجوز تعديها وليس منكم أحد إلا وقد أوجب الدم حيث لم يوجبه صاحبه ; وهذا تحكم لا يجوز القول به - وبالله تعالى التوفيق .
ومنه من فإن قوما استحبوه ، وقوما كرهوه وألزموه إذا وقع . أحرم قبل الوقت
روينا من طريق عبد الرحمن بن أذينة بن مسلمة العبدي عن أبيه قال : قلت : إني ركبت السفن ، والخيل ، والإبل فمن أين أحرم ، فقال : ائت لعمر بن الخطاب فاسأله ؟ فسأل عليا ؟ فقال له : من حيث أبدأت أن تنشئها من بلادك ، فرجع إلى عليا فأخبره ، فقال له عمر : هو كما قال لك عمر . علي
ومن طريق عن شعبة عن عمرو بن مرة عبد الله بن سلمة أن رجلا سأل عن قول الله تعالى : { علي بن أبي طالب وأتموا الحج والعمرة لله } فقال : أن تحرم من دويرة أهلك .
وبه إلى عبد الله بن سلمة عن عائشة مثله .
ومن طريق عن عبد الرحمن بن مهدي عن هشيم عن أبي بشر سلام بن عمرو عن : العمرة تامة من أهلك . عثمان بن عفان
ومن طريق الحماني عن عن بعض أصحابه عن هشيم إبراهيم عن من تمام الحج أن يحرم من دويرة أهله . ابن مسعود
ومن طريق عن ابن أبي شيبة عن وكيع عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه رأى أحرم من عثمان بن أبي العاص المنجشانية بقرب البصرة .
وعن الحسن : أن أحرم من عمران بن الحصين البصرة . [ ص: 59 ] وصح عن أنه أحرم من ابن عمر بيت المقدس .
وعن رجل لم يسم أن أحرم من أبا مسعود السيلحين . وعن رجل : أن أحرم من ابن عباس الشام في برد شديد - ومن طريق نا سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين أنه خرج مع محمد بن سيرين إلى أنس مكة ، فأحرم من العقيق .
وعن : أنه أحرم من معاذ الشام - ورويناه من طريق الحذافي عن نا عبد الرزاق أنا ابن جريج : أنه سمع يوسف بن ماهك عبد الله بن أبي عمار أنه كان مع ، معاذ بن جبل وكعب الخير : فأحرما من بيت المقدس بعمرة وأحرم معهما - وبه إلى نا عبد الرزاق عن معمر الزهري عن سالم أن أحرم بعمرة من ابن عمر بيت المقدس .
وعن : كانوا يستحبون أول ما يحج الرجل أو يعتمر أن يحرم من أرضه التي يخرج منها - وعن إبراهيم أنه أحرم من سعيد بن جبير الكوفة . وعن مسلم بن يسار أنه أحرم من ضرية .
وعن الأسود ، وأصحاب : أنهم أحرموا من ابن مسعود الكوفة - وعن ، طاوس نحو هذا . وعطاء
واحتج من رأى هذا بما روينا من طريق أبي داود نا نا أحمد بن صالح عن ابن أبي فديك عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي عن جدته حكيمة عن أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول : { أم سلمة أم المؤمنين } شك من أهل بحجة ، أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة عبد الله أيهما قال ؟ [ ص: 60 ] ومن طريق نا أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق سليمان بن سحيم عن أم حكيم بنت أمية عن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أم سلمة بيت المقدس غفر له } . : من أهل بعمرة من
قال : أما هذان الأثران فلا يشتغل بهما من له أدنى علم بالحديث لأن علي يحيى بن أبي سفيان الأخنسي ، وجدته حكيمة ، وأم حكيم بنت أمية لا يدرى من هم من الناس ؟ ولا يجوز مخالفة ما صح بيقين بمثل هذه المجهولات التي لم تصح قط ، واحتج بعضهم بأن ، عليا وأبا موسى : أحرما من اليمن فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما .
قال : وكذلك . كعب بن عجرة
قال : ولا ندري أين وجد هذا عن أبو محمد ؟ وأما كعب بن عجرة ، علي ، فإنهما قدما من وأبو موسى اليمن مهلين كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فعلمهما عليه السلام كيف يعملان ؟ وليس في هذا الخبر ألبتة ذكر للمكان الذي أحرما منه ، ولا فيه دليل ولا نص بأن ذلك كان بعد توقيته عليه السلام المواقيت ، فإذ ليس ذلك فيه فلا حجة لهم به أصلا ، ولا نخالفهم في أن قبل توقيته عليه السلام المواقيت كان الإحرام جائزا من كل مكان .
وأما من قدمنا ذكره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ( ) فأما خبر ابن أذينة فإننا رويناه من طريق قال : نا وكيع عن شعبة - عن الحكم هو ابن عتيبة يحيى بن الجزار عن ابن أذينة قال : أتيت عمر بن الخطاب بمكة فقلت له : إني ركبت الإبل ، والخيل حتى أتيتك فمن أين أعتمر ؟ قال : ائت فسله ، فأتيته فسألته ، فقال لي علي بن أبي طالب : من حيث أبدأت - يعني من ميقات أرضه - قال : فأتيت علي فذكرت له ذلك ، فقال : ما أجد لك إلا ما قال عمر . ابن أبي طالب
قال : هكذا في الحديث نفسه يعني من ميقات أرضه ، فعاد حجة لنا [ ص: 61 ] عليهم لو صح من أصله - وروينا من طريق أبو محمد : حدثني يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي عروبة الحسن البصري قال : أحرم من عمران بن الحصين البصرة فعاب ذلك عليه وقال : أردت أن يقول الناس : أحرم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصر من الأمصار . قال عمر بن الخطاب : علي لا يعيب مستحبا فيه أجر وقربة إلى الله تعالى ; نعم ، ولا مباحا ; وإنما يعيب ما لا يجوز عنده ; هذا مما لا يجوز أن يظن به غير هذا أصلا . وعمر
ورويناه من طريق نا سعيد بن منصور عن يزيد بن هارون سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة الحسن : أن أحرم من عمران بن الحصين البصرة ، فبلغ ذلك فغضب وقال : يتسامع الناس : أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره ؟ قال عمر : أبو محمد لا يمكن ألبتة أن يغضب من عمل مباح عنده - وروينا من طريق عمر نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني قال : أحرم محمد بن سيرين من عبد الله بن عامر حيرب فقدم على فلامه فقال له : غررت وهان عليك نسكك . عثمان بن عفان
قال : أبو محمد وعثمان لا يعيب عملا صالحا عنده ولا مباحا وإنما يعيب ما لا يجوز عنده لا سيما وقد بين أنه هوان بالنسك والهوان بالنسك لا يحل ، وقد أمر تعالى بتعظيم شعائر الحج .
وروينا من طريق : نا وكيع عمارة بن زاذان قال : قلت : الرجل يحرم من لابن عمر سمرقند ، أو من الوقت الذي وقت له ، أو من البصرة ، أو من الكوفة ؟ فقال : قد شقينا إذا . ابن عمر
قال : لا يحتمل قول أبو محمد إلا أنه لو كان الإحرام من غير الوقت مباحا لشقي المحرمون من الوقت . ابن عمر
وروينا من طريق نا وكيع عن شعبة مسلم القري قال : سألت ابن عباس بمكة من أين أعتمر ؟ قال : من وجهك الذي جئت منه ، يعني ميقات أرضه . [ ص: 62 ] قال : هكذا في الحديث نصا - يعني ميقات أرضه . أبو محمد
قال : فبطل تعلقهم علي ، بعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ; وأما سائر الروايات التي ذكرنا عن الصحابة والتابعين فليس في شيء منها : أنهم مروا على الميقات ; وإذ ليس هذا فيها فكذلك نقول : إن من لم يمر على الميقات فليحرم من حيث شاء ، وبهذا تتفق الأخبار عنهم مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يترك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق وابن عمر عائشة ، ، وابن عباس رضي الله عنهم لظنون كاذبة لا دليل على صحة تأويلهم فيها ، وهي خارجة أحسن خروج على موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يحل أن يظن بهم غيرها . وابن عمر
قال : ومن أتى إلى ما روي عن أبو محمد من قوله : ابن مسعود ، فقال : لعله أراد إذا كان معها مني . إن القبلة تفطر الصائم
وإلى خبر عائشة رضي الله عنها : أنها كانت لا تدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها ، فقال : لا ندري لماذا ولعله لأمر ما ، وليس لأنها كانت لا ترى ذلك الرضاع محرما - : فليس له أن ينكر علينا حمل ما روي عنهم على حقيقته وظاهره ; بل الملامة كلها على من أقحم في هذه الآثار ما ليس فيها من أنهم جازوا على المواقيت ; بل قد كذب من قال هذا بلا شك - وبالله تعالى التوفيق .
قال : أما أبو محمد ، أبو حنيفة وسفيان ، فاستحبوا تعجيل الإحرام قبل الميقات ; وأما والحسن بن حي فكرهه وألزمه إذا وقع . مالك
وأما فكرهه ; وأما الشافعي فلم يجزه - وهو قول أصحابنا . أبو سليمان
فأما فإنه ترك القياس ; إذ أجاز الإحرام قبل الميقات ولم يجز صلاة من صلى وبينه وبين الإمام نهر ولا فرق بين الإحرام بالحج في غير موضع الإحرام وبين الإحرام بالصلاة في غير موضع الصلاة . أبو حنيفة
وأما المالكيون فإن حملوا هذه الآثار على ما حملها عليه الحنفيون فقد أعظموا القول على أصولهم إذ كرهوا ما استحبه الصحابة ; وإن حملوها على ما حملناها نحن [ ص: 63 ] عليه فكيف يجيزون خلاف ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهذا ما لا مخلص منه - وبالله تعالى التوفيق .