917 مسألة : 
من حج واعتمر ، ثم ارتد ، ثم هداه الله - تعالى - واستنقذه من النار فأسلم  فليس عليه أن يعيد الحج ولا العمرة - وهو قول  الشافعي  ، وأحد قولي  الليث    . 
وقال  أبو حنيفة  ،  ومالك  ،  وأبو سليمان    : يعيد الحج والعمرة ، واحتجوا بقول الله - تعالى - : { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين    } ما نعلم لهم حجة غيرها ، ولا حجة لهم فيها ; لأن الله - تعالى - لم يقل فيها : لئن أشركت ليحبطن عملك الذي عملت قبل أن تشرك ، وهذه زيادة على الله - تعالى - لا تجوز ، وإنما أخبر - تعالى - أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه لا إذا أسلم وهذا حق بلا شك . 
ولو حج مشرك أو اعتمر ، أو صلى ، أو صام ، أو زكى  ، لم يجزه شيء من ذلك عن  [ ص: 322 ] الواجب ، وأيضا فإن - قوله تعالى - فيها : { ولتكونن من الخاسرين    } بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل في إسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة ; لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة - لا هم ولا نحن - في أن المرتد إذا راجع الإسلام ليس من الخاسرين ، بل من المربحين المفلحين الفائزين . 
فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره مرتدا أو غير مرتد ، وهذا هو من الخاسرين بلا شك ، لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته ، وقال - تعالى - {    : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم    } فصح نص قولنا : من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر . 
ووجدنا الله - تعالى - يقول {    : أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى    } . 
وقال - تعالى - {    : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره    } . 
وهذا عموم لا يجوز تخصيصه . 
فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما ولا يضيعان له . 
وروينا من طرق كالشمس عن  صالح بن كيسان  ،  ويونس  ،  ومعمر  كلهم عن الزهري    . 
وروينا أيضا عن  هشام بن عروة  المعنى ، ثم اتفق الزهري  ، وهشام  كلاهما عن عروة  واللفظ للزهري  ، قال : نا  عروة بن الزبير    { أن  حكيم بن حزام  أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام : أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة ، أو عتاقة ، أو صلة رحم ، أفيها أجر ؟ فقال رسول الله عليه السلام : أسلمت على ما أسلفت من خير   } ، قال  أبو محمد    : فصح أن المرتد إذا أسلم ، والكافر الذي لم يكن أسلم قط ، إذا أسلما فقد أسلما على ما أسلفا من الخير ، وقد كان المرتد إذا حج وهو مسلم قد أدى ما أمر به ، وما كلف كما أمر به فقد أسلم الآن عليه ، فهو له كما كان . 
وأما الكافر يحج كالصابئين الذين يرون الحج إلى مكة  في دينهم ، فإن أسلم بعد  [ ص: 323 ] ذلك لم يجزه ; لأنه لم يؤده كما أمر الله - تعالى - به ; لأن من فرض الحج وسائر الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد بن عبد الله  عليه السلام في الدين الذي جاء به ، الذي لا يقبل الله - تعالى - دينا غيره ، وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد   } . 
والصابئ إنما حج كما أمره يوراسف  ، أو هرمس  فلا يجزئه - وبالله - تعالى - التوفيق . ويلزم من أسقط حجه بردته أن يسقط إحصانه ، وطلاقه الثلاث ، وبيعه ، وابتياعه ، وعطاياه التي كانت في الإسلام ، وهم لا يقولون بهذا ; فظهر فساد قولهم - وبالله - تعالى - نتأيد . 
				
						
						
