939 - مسألة :
وأيما فحين إسلامها انفسخ نكاحها منه - سواء أسلم بعدها بطرفة عين ، أو أكثر أو لم يسلم . لا سبيل له عليها إلا بابتداء نكاح برضاها وإلا فلا . امرأة أسلمت ولها زوج كافر ذمي ، أو حربي
فلو أسلما معا بقيا على نكاحهما ، فإن أسلم هو قبلها ، فإن كانت كتابية بقيا على نكاحهما أسلمت هي ، أم لم تسلم وإن كانت غير كتابية فساعة إسلامه قد انفسخ نكاحها منه ، أسلمت بعده بطرفة عين فأكثر . لا سبيل له عليها إلا بابتداء نكاح برضاها إن أسلمت ، وإلا فلا ، سواء حربيين أو ذميين كانا .
وهو قول ، عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم - وبه يقول وابن عباس حماد بن زيد ، والحكم بن عتيبة ، وسعيد بن جبير ، وعمر بن عبد العزيز وعدي بن عدي الكندي ، والحسن البصري ، ، وقتادة والشعبي ، وغيرهم .
وقال : أيهما أسلم قبل الآخر في دار الإسلام فإنه يعرض الإسلام على الذي لم يسلم منهما ; فإن أسلم بقيا على نكاحهما ، وإن أبى فحينئذ تقع الفرقة ، ولا معنى لمراعاة العدة في ذلك . أبو حنيفة
قال : فإن أسلمت في دار الحرب فخرجت مسلمة أو ذمية فساعة حصولها في دار الإسلام يقع الفسخ بينهما لا قبل ذلك ; فإن لم تخرج من دار الحرب فإن حاضت ثلاث حيض قبل أن يسلم هو وقعت الفرقة حينئذ وعليها أن تبتدئ ثلاث حيض أخر عدة منه ، وإن أسلم هو قبل ذلك فهو على نكاحه معها . [ ص: 369 ] قال : فلو ارتد أحدهما انفسخ النكاح من وقته .
وقال : إن مالك ، فإن أسلم في عدتها فهما على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها فقد بانت منه . أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها
قال : فلو عرض الإسلام عليها ، فإن - أسلمت بقيا على نكاحهما ، وإن أبت انفسخ النكاح ساعة إبائها ، فلو ارتد أحدهما انفسخ النكاح ساعتئذ . أسلم هو ، وهي غير كتابية
وقال عكس قول ابن شبرمة إن أسلم هو وهي وثنية ، فإن أسلمت قبل تمام العدة فهي امرأته ، وإلا فبتمامها تقع الفرقة ، وإن أسلمت هي وقت الفرقة في الحين . مالك
وقال الأوزاعي ، ، والليث : وكل ذلك سواء ، وتراعى العدة ، فإن أسلم الكافر منهما قبل انقضاء العدة فهما على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى تمت العدة وقعت الفرقة - وهو قول والشافعي الزهري ، ، وأحمد بن حنبل وإسحاق ، وأحد قولي . الحسن بن حي
قال : أما قول أبو محمد فظاهر الفساد ، لأنه لا حجة له ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، وينبغي لهم أن يحدوا وقت عرض الإسلام ولا سبيل إلى ذلك إلا برأي فاسد ، وهو أيضا قول لا يعرف مثل تقسيمه لأحد من أهل الإسلام قبله - وكذلك قول أبي حنيفة سواء سواء ، وقد موه بعضهم بما كان السكوت أولى به لو نصح نفسه ، مما سنذكره إن شاء الله تعالى . مالك
[ وروينا ] من طريق نا ابن أبي شيبة محمد بن فضل عن عن مطرف بن طريف الشعبي عن قال : إذا أسلمت امرأة اليهودي ، أو النصراني - : كان أحق ببضعها ، لأن له عهدا . علي بن أبي طالب
وروينا من طريق عن شعبة أن الحكم بن عتيبة هانئ بن هانئ بن قبيصة الشيباني - وكان نصرانيا - عنده أربع نسوة فأسلمن فقدم المدينة ونزل على فأقرهن عبد الرحمن بن عوف عنده - قال عمر : قلت للحكم : عمن هذا ؟ قال : هذا شيء معروف . شعبة
وروينا من طريق ، عبد الرحمن بن مهدي وابن جعفر غندر قال عبد الرحمن : عن عن سفيان الثوري ، منصور بن المعتمر والمغيرة بن مقسم وقال غندر : نا [ ص: 370 ] نا شعبة ، ثم اتفق حماد بن أبي سليمان المغيرة ، ومنصور ، وحماد ، كلهم : عن : في ذمية أسلمت تحت ذمي ، قال : تقر عنده - وبه أفتى إبراهيم النخعي . وهو قول حماد بن أبي سليمان إلا أنه قال : يمنع من وطئها - فهذا قول . وعن أبي سليمان أيضا قول آخر : صح عنه رويناه من طريق عمر عن حماد بن سلمة ، أيوب السختياني عن وقتادة عن محمد بن سيرين عبد الله بن يزيد الخطمي : أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها إن شاءت فارقته ، وإن شاءت أقامت عليه . عمر بن الخطاب
ورويناه أيضا من طريق عن معمر أيوب عن عن ابن سيرين عبد الله بن يزيد الخطمي عن بمثله - عمر هذا له صحبة . وعبد الله بن يزيد
وعن أيضا قول ثالث : رويناه من طريق عمر عن حماد بن سلمة عن داود الطائي زياد بن عبد الرحمن أن حنظلة بن بشر زوج ابنته وهي مسلمة من ابن أخ له نصراني فركب عوف بن القعقاع إلى فأخبره بذلك ; فكتب عمر بن الخطاب في ذلك : إن أسلم فهي امرأته ; وإن لم يسلم فرق بينهما ; فلم يسلم ، ففرق بينهما ، فتزوجها عمر عوف بن القعقاع - وهم لا يقولون بهذا ، لأنهم لا يجيزون ألبتة ابتداء عقد نكاح مسلمة من كافر أسلم إثر ذلك أو لم يسلم .
وعن أيضا قول رابع لا يصح عنه : رويناه من طريق عمر عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال : أنبأني ابن المرأة التي فرق بينهما أبي إسحاق الشيباني ، عرض عليه الإسلام فأبى . عمر
ومن طريق نا ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن أبي إسحاق الشيباني يزيد بن علقمة أن عبادة بن النعمان التغلبي كان ناكحا بامرأة من بني تميم فأسلمت فقال له : إما أن تسلم وإما أن ننتزعها منك ؟ فأبى ، فنزعها عمر بن الخطاب منه . عمر
ومن طريق نا ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني السفاح بن مضر التغلبي عن داود بن كردوس أن عبادة بن النعمان بن زرعة أسلمت امرأته التميمية ، وأبى أن يسلم ، ففرق بينهما . عمر
أبو إسحاق لم يدرك - عمر والسفاح ، وداود بن كردوس مجهولان .
وكذلك يزيد بن علقمة ، وعن قول آخر من طريق علي بن أبي طالب [ ص: 371 ] عن حماد بن سلمة عن قتادة أن سعيد بن المسيب قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما : هو أملك ببضعها ما دامت في دار هجرتها . علي بن أبي طالب
ورويناه من طريق عن سفيان بن عيينة عن مطرف بن طريف الشعبي عن : هو أحق بها ما لم يخرج من مصرها . علي
وقول آخر : رويناه من طريق نا ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان عن معمر الزهري : إن أسلمت ولم يسلم زوجها ، فهما على نكاحهما إلا أن يفرق بينهما سلطان .
وأما من راعى عرض الإسلام فكما روينا من طريق نا ابن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة الحسن قال : إذا أسلمت وأبي أن يسلم فإنها تبين منه بواحدة - وقاله عكرمة .
قال : ليس في هذا بيان إبايته بعد إسلامها وقد يريد أن يسلم معها . أبو محمد
وأما من راعى العدة - فصح عن ، عطاء ، ومجاهد . وعمر بن عبد العزيز
وأما قولنا فمروي عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم كما روينا من طريق أخبرني شعبة قال : سمعت أبو إسحاق الشيباني يزيد بن علقمة أن جده وجدته كانا نصرانيين فأسلمت جدته ; ففرق بينهما . عمر بن الخطاب
ومن طريق حماد بن زيد عن عن أيوب السختياني عكرمة عن في اليهودية ، أو النصرانية تسلم تحت اليهودي ، أو النصراني . قال : يفرق بينهما ، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه - وبه يفتي ابن عباس حماد بن زيد .
ومن طريق عن عبد الرزاق أنه سمع أبي الزبير يقول : نساء جابر بن عبد الله أهل الكتاب لنا حل ، ونساؤنا عليهم حرام .
وصح عن الحكم بن عتيبة أنه قال في المجوسيين يسلم أحدهما ، قال : قد انقطع ما بينهما - وصح عن في نصرانية أسلمت تحت نصراني ؟ قال : قد فرق الإسلام بينهما . سعيد بن جبير
وصح عن ، عطاء ، وطاوس ، ومجاهد والحكم بن عتيبة في كافرة تسلم تحت كافر . قالوا : قد فرق الإسلام بينهما . [ ص: 372 ] وصح عن ، عمر بن عبد العزيز وعدي بن عدي : هذا بعينه أيضا .
وعن الحسن ، ثابت أيضا : أيهما أسلم فرق الإسلام بينهما .
وروي أيضا عن الشعبي .
قال : أما جميع هذه الأقوال التي قدمنا فما نعلم لشيء منها حجة أصلا إلا من قال بأنها تقر عنده ويمنع من وطئها ; فإنهم احتجوا بأن قالوا : نكاح الكفر صحيح فلا يجوز إبطال نكاح صحيح بغير يقين واحتجوا أيضا بما روينا من طريق أبو محمد قال : نا أبي داود السجستاني ، عبد الله بن محمد النفيلي ومحمد بن عمرو الرازي ، - قال والحسن بن علي هو الحلواني النفيلي : نا محمد بن سلمة ، وقال الرازي : نا سلمة بن الفضل ، وقال الحلواني : نا أحدهما بلا شك ، ثم اتفق يزيد هو ابن زريع أو ابن هارون سلمة ، وابن سلمة ، ويزيد ، كلهم : عن عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عكرمة عن { ابن عباس زينب على أبي العاص بالنكاح الأول } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته
زاد محمد بن سلمة : لم يحدث شيء .
وزاد سلمة : بعد ست سنين .
وزاد يزيد : بعد سنتين .
وقالوا : قد أقر النبي صلى الله عليه وسلم جميع كفار العرب على نسائهم ، وفيهم من أسلمت قبله ، وفيهم من أسلم قبلها .
قال : لا حجة لهم غير ما ذكرنا ، فأما قولهم : إن نكاح أهل الكفر صحيح فلا يجوز فسخه بغير يقين - فصدقوا ، واليقين قد جاء كما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل . أبو محمد
وأما الخبر فصحيح - يعني حديث زينب مع أبي العاص رضي الله عنهما ولا حجة لهم فيه ; لأن إسلام أبي العاص كان قبل الحديبية ، ولم يكن نزل بعد تحريم المسلمة على المشرك ، وأما احتجاجهم - بإسلام العرب فلا سبيل لهم إلى خبر صحيح بأن إسلام رجل تقدم إسلام امرأته ، أو تقدم إسلامها فأقرهما عليه السلام على النكاح الأول ; فإذ لا سبيل إلى هذا فلا يجوز أن يطلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه إطلاق الكذب ، والقول بغير علم . [ ص: 373 ]
فإن قيل : قد روي أن أسلم قبل أبا سفيان هند ، وامرأة صفوان أسلمت قبل صفوان ؟ قلنا : ومن أين لكم أنهما بقيا على نكاحهما ولم يجددا عقدا ؟ وهل جاء ذلك قط بإسناد صحيح متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرف ذلك فأقره ؟ حاشا لله من هذا .
قال : وهنا شغب المالكيون ، والشافعيون - : فأما الشافعيون فاحتجوا بهذا كله وبحديث أبو محمد أبي العاص وجعلوا المراعى في ذلك العدة .
فيقال لهم : هبكم أنه قد صح كل ما ذكرنا من أين لكم أن المراعى في أمر أبي العاص ، وأمر هند ، وامرأة صفوان ، وسائر من أسلم : إنما هو العدة ؟ ومن أخبركم بهذا ؟ وليس في شيء من هذه الأخبار كلها ذكر عدة ولا دليل عليها أصلا ، ولا عدة في دين الله تعالى إلا من طلاق ، أو وفاة ، والمعتقة تختار نفسها ، وليست المسلمة تحت كافر ، ولا الباقية على الكفر تحت المسلم ، ولا المرتدة واحدة منهن ، فمن أين جئتمونا بهذه العدة ؟ ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا إلا بالدعوى الكاذبة ; فكيف وقد أسلمت زينب في أول بعث أبيها عليه السلام ؟ لا خلاف في ذلك ، ثم هاجرت إلى المدينة - وزوجها كافر - وكان بين إسلامها وإسلامه أزيد من ثماني عشرة سنة وقد ولدت في خلال هذا ابنها علي بن أبي العاص فأين العدة لو عقلتم ؟
وأما المالكيون فإن موهوا بامرأة صفوان . عورضوا بهذا ، ، وإن احتجوا بقول الله تعالى : { وأبي سفيان ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ذكروا بقول الله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ، فظهر فساد هذه الأقوال كلها - وبالله تعالى التوفيق .
قال : برهان صحة قولنا قول الله تعالى : { أبو محمد يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } الآية إلى قوله : { ذلكم حكم الله يحكم بينكم } فهذا حكم الله الذي لا يحل لأحد أن يخرج عنه ، فقد حرم الله تعالى رجوع المؤمنة إلى الكافر . [ ص: 374 ] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } فكل من أسلم فقد هجر الكفر الذي قد نهي عنه فهو مهاجر . المهاجر من هجر ما نهى الله عنه
ونص تعالى على أن نكاحها مباح لنا ، فصح انقطاع العصمة بإسلامها .
وصح أن الذي يسلم مأمور بأن لا يمسك عصمة كافرة ، فصح أن ساعة يقع الإسلام ، أو الردة ، فقد انقطعت عصمة المسلمة من الكافر ، وعصمة الكافرة من المسلم - سواء أسلم أحدهما وكانا كافرين ، أو ارتد أحدهما وكانا مسلمين - والفرق بين ذلك تخليط ، وقول في الدين بلا برهان .
وبالله تعالى التوفيق .