. ( قال ) وإذا طاف الرجل بعد طواف الزيارة  طوافا ينوي به التطوع أو طواف الصدر ، وذلك بعدما حل النفر فهو طواف الصدر ; لأنه أتى به في وقته فيكون عنه ، وإن نوى غيره كمن نوى بطواف الزيارة يوم النحر التطوع يكون للزيارة بل أولى ; لأن ذلك ركن ، وهذا واجب . 
( قال ) ولا بأس بأن يقيم بعد ذلك ما شاء ، ثم يخرج ولكن الأفضل أن يكون طوافه حين يخرج . 
وعن  أبي يوسف   والحسن  رحمهما الله تعالى قالا إذا اشتغل بعمل مكة  بعد طواف الصدر يعيد طواف الصدر ; لأنه كاسمه يكون للصدر فإنما يحتسب به إذا أداه حين يصدر ، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم { وليكن آخر عهده الطواف بالبيت    } يشهد لهذا ، ولكنا نقول ما قدم مكة  إلا لأداء النسك فعندما تم فراغه منها جاء أوان الصدر فطوافه بعد ذلك يكون للصدر ، وتأويل الحديث أن آخر نسكه طواف الصدر لا آخر عمله بمكة  ، وأما العمرة المفردة إذا أرادها يتأهب لها مثل ما وصفناه في الحج إذا أراد الإحرام بها عند الميقات ، وكذلك إن كان بمكة  ، وأراد أن يعتمر خرج من الحرم إلى الحل من أي جانب شاء ، وأقرب الجوانب التنعيم  وعنده مسجد  عائشة  رضي الله عنها ، وسبب ذلك أنها قالت : يا رسول الله أو كل نسائك ينصرفن بنسكين ، وأنا بنسك واحد ؟ فأمر أخاها عبد الرحمن  أن  [ ص: 30 ] يعمرها من التنعيم  مكان عمرتها يعني مكان العمرة التي رفضتها على ما نبينه إن شاء الله تعالى . فمن ذلك الوقت عرف الناس موضع إحرام العمرة فيخرجون إليه إذا أرادوا الإحرام بالعمرة ، وهو من جملة ما قيل ما نزل بعائشة  رضي الله عنها أمر تكرهه إلا كان للمسلمين فيه فرج . 
ثم بعد إحرامه يتقي ما يتقيه في إحرام الحج على ما ذكرنا { حتى يقدم مكة  ، ويدخل المسجد فيبدأ بالحجر فيستلمه ويطوف بالبيت  ، ويسعى بين الصفا  والمروة  ، ثم يحلق أو يقصر ، وقد فرغ من عمرته ، وحل له كل شيء هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء حين اعتمر من الجعرانة    } . والاختلاف في فصول أحدها أن عندنا يقطع التلبية في العمرة حين يستلم الحجر الأسود عند أول شوط من الطواف بالبيت  ، وعند  مالك  رحمه الله تعالى كما وقع بصره على البيت  يقطع التلبية ; لأن العمرة زيارة البيت  ، وقد تم حضوره بوقوع بصره على البيت  ، ولأن هذا الطواف هو الركن في العمرة بمنزلة طواف الزيارة في الحج فكما يقدم قطع التلبية هناك على الاشتغال بالطواف فهنا يقدم قطع التلبية على الاشتغال بالطواف ، ولكنا نستدل بحديث  ابن مسعود  رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحجر الأسود   } ، والمعنى فيه أن قطع التلبية هنا الطواف بالاتفاق ; لأن  مالكا  رحمه الله تعالى اعتبر وقوع بصره على البيت  ورؤية البيت  غير مقصودة إنما المقصود الطواف فينبغي أن يكون القطع مع افتتاح الطواف ، وذلك عند استلام الحجر كما قلنا في الحج أن قطع التلبية عند الرمي ، وذلك مع أول حصاة يرمي بها ( والثاني ) أن في العمرة بعد الطواف ، والسعي يحلق عندنا ، وعلى قول  مالك  رحمه الله تعالى لا حلق عليه إنما العمرة الطواف والسعي فقط ، وحجتنا قوله تعالى { محلقين رءوسكم ومقصرين    } وهو بشرى لهم بما عاينوه في عمرة القضاء ، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالحلق وحلق رأسه في عمرة القضاء ولأن التحرم للإحرام بالتلبية والتحلل بالحلق فكما سوى بين إحرام العمرة ، وإحرام الحج في التحرم فكذلك في التحلل ألا ترى أن في باب الصلاة سوى بين المكتوبة والنافلة في التحرم بالتكبير والتحلل بالتسليم فكذلك هذا 
				
						
						
