. ( قال ) وإذا كان يوم التروية ، وهو بمكة  فأراد الرواح إلى منى   لبس الإزار والرداء ولبى بالحج إن شاء من المسجد أو من الأبطح  أو من أي موضع من الحرم  شاء ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمر أصحابه الذين فسخوا إحرام الحج بالعمرة أن يحرموا بالحج يوم التروية من المسجد الحرام    } ، وفي حديث  جابر  رضي الله عنه قال : فخرجنا من مكة  فلما جعلناها بظهر أحرمنا بالحج  [ ص: 32 ] 
والحاصل أن من بمكة  حلال إذا أراد الإحرام بالحج يحرم من الحرم  ، وإذا أراد الإحرام بالعمرة يحرم من الحل ; لأن موضع أداء الأفعال غير موضع الإحرام وركن العمرة الطواف ، وهو مؤدى في الحرم  فالإحرام بها يكون في الحل ، ومعظم الركن في الحج الوقوف ، وهو في الحل فالإحرام به يكون في الحرم    . 
( قال ) وإن شاء أحرم بالحج قبل يوم التروية  وما قدم إحرامه بالحج فهو أفضل ; لأن فيه إظهار المسارعة والرغبة في العبادة ، ولأنه أشق على البدن { ، وقال صلى الله عليه وسلم  لعائشة  رضي الله عنها إنما أجرك على قدر نصبك   } ، ولما { سئل عن أفضل الأعمال قال : أحمزها   } . 
( قال ) ويروح مع الناس إلى منى فيبيت بها ليلة عرفة  ، ويعمل على ما وصفناه في الحج في حق المفرد غير أن عليه دم المتعة يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة  لقوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي    } ، ثم يحلق بعد الذبح ، ويزور البيت  فيطوف به أسبوعا يرمل في الثلاثة الأول ، ويمشي في الأربعة الأواخر على هينته هو ويصلي ركعتين ، ويسعى بين الصفا  ، والمروة  على قياس ما بيناه في الحج ; لأن هذا أول طواف يأتي به في الحج ، وقد بينا أن الرمل في أول طواف الحج سنة ، والسعي عقيب أول طواف في الحج ، وهذا بخلاف المفرد ; لأنه طاف للقدوم في الحج هناك ، وسعى بعده فلهذا لا يرمل في طواف يوم النحر ، ولا يسعى بعده ، ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحج  طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى  لم يرمل في طواف الزيارة يوم النحر ، ولم يطف بين الصفا  والمروة  أيضا ; لأنه قد أتى بذلك في الحج مرة ، وإن كان حين اعتمر في أشهر الحج ساق هديا للمتعة فينبغي له أن يقلد هديه لقوله تعالى { لا تحلوا شعائر الله    } إلى قوله { ولا القلائد    } ولكن السنة أن يقلد الهدي بعدما يحرم بالعمرة ; لأنه لو قلد الهدي قبل الإحرام ، وساقه بنية الإحرام  صار محرما هكذا روي عن  ابن عباس  رضي الله عنهما ، وفي سياق الآية ما يدل عليه ; لأنه بعد ذكر القلائد قال { وإذا حللتم فاصطادوا    } فدلل أنه بالتقليد يصير محرما ، والأولى أن يحرم بالتلبية فلهذا كان الأفضل أن يلبي أولا ، ثم يقلد هديه فإذا طاف للعمرة وسعى أقام حراما ; لأن سوق هدي المتعة يمنعه من التحلل بين النسكين على ما قال صلى الله عليه وسلم { لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وتحللت منها   } . وقال في حديث آخر { أما إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر   } . فإذا كانت عشية التروية أحرم بالحج ، وإن أحب أن يقدم الإحرام ويطوف بالبيت  والصفا  والمروة  لحجته فعل كما بينا في المتمتع الذي  [ ص: 33 ] لم يسق الهدي إلا أنه إن لم يطف بعد الإحرام بالحج وسعى رمل في طواف يوم النحر ، وإن كان طاف بعد الإحرام بالحج وسعى لم يرمل في طواف يوم النحر ، ولم يطف بين الصفا  والمروة    . 
( قال ) ولا يدع الحلق في جميع ذلك ملبدا أو مضفرا أو عاقصا ، والتلبيد أن يجمع شعر رأسه على هامته ، ويشده بصمغ أو غيره حتى يصير كاللبد ، والتضفير أن يجعل شعره ضفائر ، والعقص هو الإحكام ، وهو أن يشد شعره حول رأسه ، وقد بينا أن الحلق أفضل ، ولا يدع ما هو الأفضل بشيء من هذه الأسباب ، وقد { لبد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه   } كما روينا من قوله ، ولبدت رأسي ، ومع ذلك حلق 
				
						
						
