( قال : ) وكذلك لو تثبت به الحرمة عندنا ، وعند حلب اللبن من ثديها بعد موتها فأوجر الصبي رحمه الله تعالى لا تثبت وهو بناء على أصلين : أحدهما أن اللبن لا يموت عندنا ; لأنه لا حياة فيه ، ألا ترى أنه يحلب في حالة الحياة من الحيوان فيكون طاهرا وما فيه الحياة إذا بان من الحي يكون ميتا ، فإذا لم يكن في اللبن حياة لا يتنجس بالموت بل عند الشافعي رحمه الله تعالى يبقى طاهرا وعندهما يتنجس بنجاسة الوعاء كما في إنفحة الميتة ، فكأنه حلب لبن امرأة في قارورة نجسة فأوجر الصبي به فيثبت به الحرمة ، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى اللبن يموت فيكون نجس العين ، وثبوت حرمة الرضاع باعتبار معنى الكرامة ، فلا تثبت بما هو نجس العين ، والأصل الثاني أن عنده الفعل الذي هو حرام بعينه وهو الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة ; لأن ثبوتها بطريق الكرامة فكذلك إيجار لبن الميتة حرام ، فلا تثبت به الحرمة ، ثم قاس لبن الميتة بوطء الميتة ، ولكن عندنا ، وإن كان الفعل حراما تثبت به الحرمة إذا تحقق فيه المعنى الموجب للحرمة ، ولهذا أثبتنا الحرمة بالزنا ; لأن معنى البعضية لا ينعدم به حقيقة فكذا هنا ثبوت الحرمة باعتبار أن اللبن يغذي الصبي فيتقوى به ، ولو سلمنا له حرمة اللبن بالموت فبالحرمة لا يخرج من أن يكون مغذيا . الشافعي
ألا ترى أن لحم الميتة مغذ فكذلك لبنها وبه فارق وطء الميتة ; لأن معنى البعضية ينعدم منه أصلا وهو معنى ما قال في الكتاب : الجماع بعد الموت ليس بجماع ، وإيجار لبن الميتة رضاع ، وشبه اللبن بالبيضة ، فإن بالموت لا تخرج البيضة أن تكون مغذية فكذا اللبن .