باب الخلع 
( قال ) : وإذا اختلعت المرأة من زوجها  فالخلع جائز ، والخلع تطليقة بائنة عندنا ، وفي قول  الشافعي  رحمه الله هو فسخ ، وهو مروي عن  ابن عباس  رضي الله عنهما ، وقد روي رجوعه إلى قول عامة الصحابة رضي الله عنهم استدل  الشافعي  بقوله تعالى : { الطلاق مرتان    } إلى أن قال : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به    } إلى أن قال : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره    } ، فلو جعلنا الخلع طلاقا صارت التطليقات أربعا في سياق هذه الآية ، ولا يكون الطلاق أكثر من ثلاث ; ولأن النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة ، وخيار العتق ، وخيار البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضي أيضا ، وذلك بالخلع ، واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي . 
( ولنا ) ما روي عن  عمر   وعلي   وابن مسعود  رضي الله عنهم موقوفا عليهم ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم { الخلع تطليقة بائنة   } ، والمعنى فيه  [ ص: 172 ] أن النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ، ألا ترى أنه لا يفسخ بالهلاك قبل التسليم ، فإن الملك الثابت به ضروري لا يظهر إلا في حق الاستيفاء ، وقد قررنا هذا في النكاح ، وبينا أن الفسخ بسبب عدم الكفاءة فسخ قبل التمام فكان في معنى الامتناع من الإتمام ، وكذلك في خيار البلوغ ، والعتق ، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد ، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ، ولكن يحتمل القطع في الحال فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا ، وذلك إنما يكون بالطلاق . 
ألا ترى أن الرجل يقول : خلعت الخف من رجلي يريد به الفصل في الحال ، فأما الآية فقد ذكر الله تعالى التطليقة الثالثة بعوض ، وبغير عوض ، وبهذا لا يصير الطلاق أربعا ، وفائدة هذا الاختلاف أنه لو خالعها بعد تطليقتين عندنا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وعنده له أن يتزوجها ، وإن نوى بالخلع ثلاث تطليقات فهي ثلاث ; لأنه بمنزلة ألفاظ الكناية ، وقد بينا أن نية الثلاث تسع هناك ; فكذلك في الخلع ، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة ، وعلى قول  زفر  رحمه الله تعالى اثنتان كما في لفظ الحرمة ، والبينونة ، وكذلك كل طلاق بجعل فهو بائن ; لأن الزوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها ; ولأن غرضها من التزام البدل أن تتخلص من الزوج ، ولا يحصل ذلك إلا بوقوع البينونة ، فإن قال الزوج : لم أعن بالخلع طلاقا ، وقد أخذ عليه جعلا لم يصدق في الحكم ; لأنه أخذ الجعل على سبيل التملك ، ولا يتملك ذلك إلا بوقوع الطلاق عليها فكان ذلك أدل على قصده الطلاق من حال مذاكرة الطلاق ، ولكن فيما بينه وبين الله تعالى يسعه أن يقيم معها ; لأن الله تعالى عالم بما في سره إلا أنه لا يسع المرأة أن تقيم معه ; لأنها لا تعرف منه إلا الظاهر كالقاضي . 
				
						
						
