( قال ) : وإذا خلع الرجل امرأتيه على ألف درهم  فإن  [ ص: 183 ] الألف تنقسم على مهريهما الذي تزوجهما عليهما ; لأنه سمى الألف بمقابلة شيئين ، ومقتضى هذه التسمية الانقسام باعتبار القيمة ، كما لو اشترى عبدين بألف درهم إلا أن البضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم فوجب المصير إلى أقرب الأشياء إليه ، وذلك المهر الذي تزوجها عليه . 
ألا ترى أن في الكتابة الفاسدة على العبد قيمة نفسه بعدما يعتق ; لأن ما هو المعقود عليه هو ملك اليد ، والمكاسب ليست بمقومة ، فيصار إلى قيمة أقرب الأشياء إليه ، وهو الرقبة ، ثم الأصل في الخلع أن النشوز إذا كان من الزوج ، فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا بإزاء الطلاق لقوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج    } إلى أن قال : { فلا تأخذوا منه شيئا    } ، وإن كان النشوز من قبلها ، فله أن يأخذ منها بالخلع مقدار ما ساق إليها من الصداق لقوله تعالى { ، فلا جناح عليهما فيما افتدت به    } ، ولو أراد أن يأخذ منها زيادة على ما ساق إليها ، فذلك مكروه في رواية الطلاق ، وفي الجامع الصغير يقول : لا بأس بذلك . 
وجه هذه الرواية ما روي { أن جميلة بنت سلول  رحمها الله تعالى كانت تحت  ثابت بن قيس  رحمه الله تعالى فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت لا أعيب على  ثابت بن قيس  في دين ولا خلق ، ولكني أخشى الكفر في الإسلام لشدة بغضي إياه ، فقال صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته ، فقالت : نعم وزيادة ، فقال : صلى الله عليه وسلم أما الزيادة ، فلا ، وروي أنه قال  لثابت    : اخلعها بالحديقة ، ولا تزدد   } ; ولأنه لا يملكها شيئا ، إنما يرفع العقد فيحل له أن يأخذ منها قدر ما ساق إليها بالعقد ، ولا يحل له الزيادة على ذلك ، ووجه رواية الجامع الصغير ما روي أن امرأة ناشزة أتي بها  عمر  رضي الله عنه فحبسها في مزبلة ثلاثة أيام ، ثم دعاها ، وقال : كيف وجدت مبيتك ، فقالت : ما مضت علي ليال هن أقر لعيني من هذه الليالي ; لأني لم أره ، فقال  عمر  رضي الله عنه : وهل يكون النشوز إلا هكذا اخلعها ، ولو بقرطها ، وعن  ابن عمر  رضي الله عنه أن مولاة اختلعت بكل شيء لها فلم يعب ذلك عليها ، وعن  ابن عباس  رضي الله عنه لو اختلعت بكل شيء لأجزت ذلك ، وهذا ; لأن جواز أخذ المال هنا بطريق الزجر لها عن النشوز ; ولهذا لا يحل إذا كان النشور من الزوج ، وهذا لا يختص بما ساق إليها من المهر دون غيره . 
فأما في الحكم الخلع صحيح ، والمال واجب في جميع الفصول عندنا ، وعند نفاة القياس لا يجب المال إذا كان النشوز من الزوج ، ولا تجب الزيادة إذا كان النشوز منها لقوله تعالى { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا    } إلى أن قال : { تلك حدود الله فلا تعتدوها    } ، وقال  ابن جريج  يعني في الزيادة ، والاعتداء يكون ظلما ، والمال لا يجب بالظلم ، ولكنا  [ ص: 184 ] نستدل بما روينا من الآثار ، وتأويل الآية في الحل ، والحرمة ، لا في منع وجوب أصل المال . . 
				
						
						
