( قال ) : وإن أجزأه استحسانا في قول اشترى أباه ينوي به العتق عن ظهاره علمائنا الثلاثة رضي الله عنهم ، وفي القياس لا يجزئ ، وهو قول - رحمه الله تعالى - الأول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله تعالى - وجه القياس أن الواجب عليه التحرير ، والشراء غير التحرير ; لأن الشراء استجلاب للملك ، والعتق إبطال له ، فكانت المغايرة بينهما على سبيل المضادة ، ولأن العتق بسبب القرابة صار مستحقا له عند دخوله في ملكه فلا تتأدى به الكفارة كما لو قال لعبد الغير إن اشتريتك فأنت حر ، ثم اشتراه ينوي به الكفارة ، وهذا لأن عند وجود الشرط إنما يعتق بالسبب الذي حصل الاستحقاق به ، وهو القرابة ، ولا يتصور اقتران نية الكفارة بذلك السبب ، والدليل على أن الاستحقاق بالقرابة أن أحد الشريكين في العبد إذا ادعى سببه يضمن لشريكه قيمة نصيبه كما لو أعتقه : توضيحه أن أم هذا الولد استحقت حق العتق عند دخولها في ملكه وذلك مانع إعتاقها عن الكفارة حتى لو قال لها : إذا اشتريتك فأنت حرة عن ظهاري لا يجزئه عن الظهار . فالابن الذي استحق حقيقة العتق عند دخوله في ملكه ، أو الأب أولى أن لا يجوز إعتاقه عن الكفارة ، وهذا لأن العتق مجازاة للأبوة ومجازاة الأبوة فرض فلا يتأدى به واجب آخر وصرف منفعة الكفارة إلى أبيه لا يجوز كالطعام والكسوة . والشافعي
( وحجتنا ) في ذلك ظاهر الآية ففيها الأمر بالتحرير وهو تصيير شخص مرقوق حرا كالتسويد تصيير المحل أسود وقد وجد ذلك ، وهذا لأن شراء القريب إعتاق قال : صلى الله عليه وسلم { } أي بالشراء كما يقال : أطعمه فأشبعه ، وسماه بالشراء مجازيا ، وإنما يكون مجازيا بالإعتاق ، والدليل عليه أنه لو اشترى نصف قريبه يضمن لشريكه إن كان موسرا ، والضمان الذي يختلف باليسار والإعسار لا يكون إلا عن إعتاق ، وهذا لأنه بالشراء يصير متملكا ، والملك في القريب إكمال لعلة العتق فإذا صار مضافا إلى الشراء يكون به معتقا ; لأن السبب الموجب للحكم بواسطة كالموجب بغير واسطة [ ص: 9 ] في كون الحكم مضافا إليه ، والدليل على إثبات هذه القاعدة ، أن عتق القريب يثبت بالقرابة والملك جميعا قال : صلى الله عليه وسلم { لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه } وهذا لأن العتق صلة ، وللملك تأثير في استحقاق الصلة شرعا حتى تجب الزكاة باعتبار الملك صلة للفقراء ، كما أن للقرابة تأثيرا في استحقاق الصلة ، وكل واحد من الوصفين لكونه مؤثرا علة ، ومتى تعلق الحكم بعلة ذات وصفين ، فالحكم لآخرهما وجودا لأنه تمام العلة به وآخر الوصفين هنا الملك فيكون به معتقا ولهذا لو ادعى أحد الشريكين نسب نصيبه يضمن لشريكه ; لأن آخر الوصفين وجودا القرابة هنا فيصير به معتقا وهو كالشهادة على النسب بعد الموت يوجب ضمان الميراث عند الرجوع ; لأن آخر الوصفين ما أثبته الشهود ، ولا يدخل على هذا شهادة الشاهد الثاني فإنه لا يحال بالإتلاف عليها ، وإن تمت الحجة بها ; لأن الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء ، والقضاء يكون بهما معا . من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر
وبهذا تبين فساد قولهم : أن العتق مستحق بالقرابة لأن الاستحقاق لا يثبت قبل كمال العلة ، ولأنه لا يجبر على الشراء ، وهذا بخلاف المحلول بعتقه ; لأن الملك هنا شرط لا أثر له في استحقاق ذلك العتق فيكون معتقا بيمينه ، ولم تقترن نية الكفارة بها حتى لو اقترنت جاز قولهم : إن العتق بسبب القرابة فرض ، قلنا : إنما يقع العتق بسبب القرابة ، ويكون مجازاة له إذا قصد ذلك ، فأما إذا قصد به الكفارة كان هذا في حقه إعتاقا عن الكفارة فهو بمنزلة من فرض عليه نفقة أخيه فصرف إليه زكاة ماله جاز ، ثم تسقط به النفقة حكما لحصول المقصود ، وهذا الفقه الذي أشرنا إليه في مسألة الكتابة أن في حق المعتق العتق واحد ، فيحصل مقصوده من أي وجه نواه المعتق ، ولكن في حق المعتق تكثر جهاته ، فيكون عما نوى ليصح قصده ، وليس هذا نظير أم الولد لأن استحقاق العتق لها بالاستيلاد كما قال : صلى الله عليه وسلم { } ، فيكون الملك فيها شرطا للعتق لا إكمالا للعلة ، ولا معنى لقولهم : إن هذا صرف منفعة الكفارة إلى أبيه لأنه لما جاز صرف هذه المنفعة إلى عبده جاز صرفها إلى أبيه بخلاف الإطعام ، والكسوة فصرفه إلى عبده لا يجوز فإلى أبيه أولى ، وكذلك إن وهب له أبوه أو تصدق به عليه أو أوصى له به وهو ينوي عن كفارته فهو على الخلاف الذي بينا ; لأن الملك بهذه الأسباب يحصل بصنعه ، وهو القبول فأما إذا ورث أباه ينوي به الكفارة لا يجزئه لأن الميراث يدخل في ملكه من غير صنعه ، وبدون الصنع لا يكون محررا ، والتكفير إنما يتأدى بالتحرير ، ولهذا لا يضمن لشريكه [ ص: 10 ] إذا ورث نصف قريبه وإذا قال فلان حر يوم أشتريه ، ثم اشتراه ونوى عن ظهاره لا يجزئه ; لأنه إنما يعتق عند الشراء بقوله حر ، ولم يقترن به نية الكفارة ، وإن كان عنى بقوله هو حر يوم أشتريه عن ظهاري أجزأه لاقتران نية الكفارة بالإعتاق . أعتقها ولدها
( قال ) : وإن قال إذا اشتريته فهو حر ثم قال إذا اشتريته فهو حر عن ظهاري فاشتراه لا يجزي عن الظهار ; لأن التعليق الأول قد صح على وجه لا يملك إبطاله ، ولا تغييره فإنما يحال بالعتق عند الشراء عليه لأنه ترجح بالسبق ، ولم تقترن به نية الكفارة .