فأما بيان ألفاظ الكناية : قوله لا سبيل لي عليك فإنه محتمل يجوز أن يكون المراد لا سبيل لي عليك في اللوم ، والعقوبة ; لأنك وفيت بما أمرتك به ، ولا سبيل لي عليك ; لأني كاتبتك ولا سبيل لي عليك ; لأني أعتقتك ، والمحتمل لا تتعين جهة فيه بدون النية فلا يعتق به إلا أن ينوي العتق ، وكذلك قوله لا ملك لي عليك يحتمل لا ملك لي عليك لأني بعتك ، وكذلك قوله قد خرجت من ملكي يحتمل هذا المعنى فلا يعتق به ما لم ينو ، ويدين في القضاء ، وعن رحمه الله تعالى لو قال له أطلقتك ينوي به العتق أيضا ; لأن الإطلاق يذكر بمعنى التحرير يقال : أطلقته من السجن ، وحررته إذا خلى سبيله ; ولأنه يحتمل أن يكون مراده الإطلاق من الرق الذي عليه فهو كقوله : لا رق لي عليك فأما إذا قال لأمته : أنت طالق ، أو قد طلقتك ، ونوى به العتق لم تعتق عندنا وقال أبي يوسف : رحمه الله تعالى تعتق ، وكذلك سائر كنايات الطلاق كقوله قد بنت مني أو حرمت علي ، أو أنت خلية ، أو برية ، أو بائن ، أو بتة ، أو اخرجي أو اغربي ، أو استبري ، أو تقنعي أو اذهبي أو قومي أو اختاري فاختارت نفسها أو قال ذلك لعبده ، فهو كله على الخلاف ، وجه قول الشافعي أن صريح ما يسري كناية فيما يسري كلفظ التحرير في الطلاق معنى صريح ما يسري ما وضع لما يسري بطريق المطابقة كناية لما هو وصف ، وهو كونه حرا لمعنى آخر هو مسمى للفظ آخر ، وتقرير هذا الكلام أن الاستعارة للاتصال بين الشيئين معنى طريق صحيح في اللغة يقال : للبليد حمار وللشجاع أسد للاتصال معنى ، وهو الشجاعة والبلادة ، وبين الملكين اتصال من حيث المشابهة معنى ; لأن النكاح فيه معنى الرق قال عليه الصلاة والسلام { الشافعي } . النكاح رق
ولأنه يستباح بكل ، واحد منهما الوطء في محله ، وبين الإزالتين الاتصال في المعنى ; لأن كل ، واحد منهما إبطال للملك ويحتمل التعليق [ ص: 64 ] بالشرط ، وهو ينبئ عن السراية ، ويلزم على ، وجه لا يحتمل الفسخ فإذا ثبتت المشابهة معنى قلنا ما كان صريحا في إزالة ملك اليمين ، وهو لفظ التحرير كان كناية في ملك النكاح فكذلك ما هو صريح في ملك النكاح يجعل كناية صحيحة في إزالة ملك اليمين ، ولأن التحريم من موجبات التحرير فإن الأمة إذا أعتقت حرمت على مولاها وذكر الموجب على سبيل الكناية عن الموجب صحيح كقوله لامرأته اعتدي بنية الطلاق ( وحجتنا ) في ذلك أنه نوى ما لا يحتمله لفظه فهو كما لو قال لها كلي ، واشربي ونوى العتق ، وهذا لأن المنوي إذا لم يكن من محتملات اللفظ فقد تجردت النية عن لفظ يدل عليه ، وبيان ذلك أنه لا مشابهة بين العتق ، والطلاق صورة ، ولا معنى ; لأن الطلاق إزالة المانع من الانطلاق ، فإن المرأة بعد عقد النكاح حرة محبوسة عند الزوج فبالفرقة - يزول المانع من الانطلاق .
والإعتاق إحداث قوة الانطلاق ; لأنه لم يبق في الرقيق صفة المالكية وبالعتق يحدث له صفة المالكية ، ولا مشابهة بين إحداث القوة ، وبين إزالة المانع كما لا مشابهة بين إحياء الميت وبين رفع القيد عن المقيد ، ونحن نسلم أن المشابهة في المعنى طريق الاستعارة ، ولكن لا في كل وصف بل في الوصف الخاص لكل واحد منهما والوصف الخاص لكل واحد منهما ما بينا دون ما ذكره الخصم ، ألا ترى أنه لا يستعار الأسد للجبان ، والحمار للذكي ، وبينهما مشابهة في أوصاف ، وكل واحد منهما حيوان موجود ، ولكن لما انعدمت المشابهة في الوصف الخاص لم تجز الاستعارة فهذا مثله فأما إذا استعمل لفظ التحرير في الطلاق فليس ذلك عندنا للمشابهة معنى بل ; لأن موجب النكاح ملك المتعة ، وملك الرقبة في محل المتعة يوجب ملك المتعة فما يزيل ملك الرقبة يكون سببا لإزالة ملك المتعة فيصلح أن يكون كناية عنه فأما ما يزيل ملك المتعة لا يكون سببا لإزالة ملك الرقبة فلا يصلح كناية عنه ، ولهذا قلنا في طرف الاستجلاب أن ما وضع لاستجلاب ملك المتعة ، وهو لفظ النكاح ، والتزويج لا يثبت به ملك الرقبة وما وضع لاستجلاب ملك الرقبة ، وهو لفظ الهبة ، والبيع يصلح لإيجاب ملك المتعة ، وهو النكاح ، ولا يدخل على هذا اللفظ البيع فإنه لا تنعقد به الإجارة على ما قال في كتاب الصلح إذا باع سكنى داره من إنسان ، لا يجوز وإن كان بهذا اللفظ ثبت ملك الرقبة ، وهو سبب لملك المتعة ; لأن عندنا : الإجارة تنعقد بلفظ البيع ، فإن الحر إذا قال لغيره بعت نفسي منك شهرا بدرهم لعمل كذا يكون إجارة صحيحة فأما بيع السكنى إنما لا يجوز لانعدام المحل [ ص: 65 ] لأن لفظ البيع موضوع للتمليك ، والمنافع معدومة لا تقبل التمليك .
ولهذا لو أضاف لفظة الإجارة إلى المنفعة وقال أجرتك منفعة هذه الدار لا يجوز ، وإذا أضاف لفظ البيع إلى عين الدار فهو عامل بحقيقته ; لأن العين قابل للبيع فلا تجعل كناية عن الإجارة لهذا ولا معنى لما قاله : إنه ذكر الموجب ، وعنى به الموجب ; لأن الموجب حكم ، والحكم لا يصلح كناية عن السبب ; لأنه لا حكم بدون السبب ، والسبب يتحقق بدون الحكم فكان الحكم كالتبع ، والأصل يستعار للتبع ، ولا يستعار التبع للأصل لافتقار التبع إلى الأصل واستغناء الأصل عن التبع .
وفي قوله اعتدي ، وقوع الطلاق ليس بهذا الطريق بل بطريق الإضمار حتى يقع الطلاق به على غير المدخول بها وإن لم يكن عليها عدة وكذلك إذا قال لامرأته : أنت علي حرام فذلك اللفظ عامل بحقيقته عندنا لا أن يكون كناية بطريق أنه ذكر الموجب وعنى به الموجب ، وهذا ; لأن التحريم ينافي النكاح ابتداء ، وبقاء ، وذلك لا يوجد هنا فإن حرمة الأمة عليه لا ينافي الملك ابتداء ، وبقاء كما في المجوسية ، والأخت من الرضاعة ، ولو لم يعتق ; لأنه ليس من ضرورة انتفاء سلطانه عنه انتفاء الملك ، كالمكاتب ، فإنه لا سلطان للمولى عليه وهو مملوك بخلاف قوله لا : سبيل لي عليك فإن من ضرورة انتفاء السبيل عنه من كل وجه - العتق ; لأن له على المكاتب سبيلا من حيث المطالبة ببدل الكتابة حتى إذا انتفى ذلك بالبراءة عتق ، ولو قال لعبده : لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق ، وإن نوى في قول قال لعبده أنت لله أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - لأنه صادق في مقالته . ومحمد
فالمخلوقات كلها لله تعالى فهو كما لو قال أنت عبد الله ، وعند يعتق به إذا نوى ; لأن معنى كلامه : أنت خالص لله بانتفاء ملكه عنه فهو كقوله لا ملك لي عليك بخلاف قوله أنت عبد الله ، ولو قال لعبده يا بني ، أو لأمته يا بنية لم تعتق ; لأن هذا دعاء ، ولطف منه ، معناه أن هذا اللفظ في موضع النداء يقصد به استحضار المنادى وإكرامه مع أن قوله يا بني تصغير الابن ، ولو قال يا ابن لا يعتق ; لأنه صادق في مقالته ، فإنه ابن لأبيه ، وإنما الإشكال في قوله يا ابني ولا يعتق بهذا اللفظ إلا في رواية شاذة عن أبي يوسف رحمه الله أنه جعله كقوله يا حر ، ولكن لا يعتمد على تلك الرواية ، والصحيح أن هذا اللفظ في موضع النداء لاستحضار المنادى وتفهيمه ليحضر ، وذلك بصورة اللفظ لا بمعناه ، ووقوع العتق بهذا اللفظ لاعتبار معنى البنوة فلهذا لا يعتق به عند النداء حتى لو جعل اسم عبده حرا ، وكان ذلك معروفا عند الناس ثم ناداه به فقال يا حر لم [ ص: 66 ] يعتق أيضا ، وإذا لم يكن هذا الاسم معروفا له يعتق به في القضاء ; لأنه ناداه بوصف يملك إيجابه بخلاف قوله يا ابني فإنه ناداه بوصف لا يملك إيجابه فينظر إلى مقصوده فيه ، وهو الإكرام دون التحقيق ، وإن قال هذا ابني ، ومثله يولد لمثله عتق ، ويثبت نسبه منه إن لم يكن له نسب معروف ; لأن كلامه دعوة النسب ، وهو تصرف يملكه المولى في مملوكه . أبي حنيفة
فإذا كان المحل محلا قابلا للنسب وهو محتاج إلى النسب ثبت نسبه منه ، والنسب لا يثبت مقصورا على الحال بل يثبت من وقت العلوق فتبين أنه ملك ولده فيعتق عليه ، ويستوي إن كان أعجميا جليبا ، أو مولدا ; لأن صحة دعوة المولى شرعا بوصلة الملك وحاجة المملوك إلى النسب وكذلك لو قال : هذا أبي أو كانت أمة فقال : هذه أمي ، ومثلهما يلد مثله عتقا وإن لم يكن له أبوان معروفان ، وصدقاه في ذلك ثبت نسبه منهما فقد اعتبر تصديقهما في دعوى الأبوة ، والأمومة عليهما ولم يعتبر في دعوى البنوة ; لأن النسب من حق الولد ، فإنه يشرف به فمدعي البنوة يقر على نفسه بالمحمولية فلا حاجة إلى تصديقه ; لأن الإقرار يلزم المقر بنفسه فأما مدعي الأبوة ، والأمومة يحتاج إلى تصديقهما ; لأنه يحمل نسبه على غيره فيكون مدعيا ، ومجرد الدعوى لا يلزم شيئا بدون الحجة فلهذا يحتاج إلى تصديقهما ; ولأن مدعي الأبوة ، والأمومة يخبر أنه علق من مائهما ، وهو غيب عنه فلا بد من تصديقهما ، ومدعي البنوة يخبر أنه علق من مائه وقد يعرف ذلك لكونه عاقلا عند علوقه ، وإن كان للغلام نسب معروف ، فقال هذا ابني يعتق عليه ، ولا يثبت نسبه ; لأنه مكذب فيما قال شرعا حين ثبت نسبه من الغير ، ولكن هذا التكذيب في حكم النسب دون العتق فهو في حكم العتق بمنزلة من لا نسب له ولهذا قلنا في الفصل الأول إذا يعتق ; لأن اعتبار تكذيبهما في حكم النسب دون العتق : توضيحه أن المملوك مستغن عن النسب إذا كان معروف النسب من الغير ، ولكنه غير مستغن عن الحرية فيثبت بكلامه ما يحتاج إليه المملوك دون ما لا يحتاج إليه ، وهذا بخلاف ما لو قال هذا أبي أو أمي ، وكذباه فإنه لا تقع الفرقة بينهما ; لأن هناك صار مكذبا في حكم النسب شرعا ، ولو أكذب نفسه بأن قال : غلطت لا تقع الفرقة ، وإن لم يكن لها نسب معروف فكذلك إذا صار مكذبا شرعا ، وهنا لو أكذب المولى نفسه في حق من لا نسب له كان العتق ثابتا فكذلك إذا صار مكذبا في النسب شرعا . قال لامرأته : هذه ابنتي وهي معروفة النسب من الغير
وحقيقة المعنى فيه أنه في قوله لامرأته هذه ابنتي غير مقر على نفسه بشيء ، ولكنه مقر على [ ص: 67 ] المحل بصفة الحرمة ; لأنه لا موجب للنسب في ملكه من حيث الإزالة ، وإنما موجبه حرمة المحل ثم ينتفي به الملك ابتداء وبقاء ، ولم يعتبر إقراره في حرمة المحل هنا لما كانت معروفة النسب ، وأما قوله لعبده : هذا ابني إقرار على نفسه ; لأن للبنوة موجبا في ملكه ، وهو زوال الملك به فإنه يملك ابنه بالشراء ثم يعتق عليه فيعتبر إقراره فيما يقر به على نفسه وهو عتقه عليه من حين دخل في ملكه فأما إذا كان ممن لا يولد مثله لمثل المولى فقال : هذا ابني لم يعتق في قول رحمه الله تعالى الأول ، وهو قول أبي حنيفة أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وعتق في قول ومحمد رحمه الله تعالى الآخر ، وجه قوله الأول أن كلامه محال فيلغو كما لو قال : أعتقتك قبل أن أخلق ، وبيان الاستحالة أن قوله هذا ابني أي مخلوق من مائي ، وابن خمسين سنة يستحيل أن يكون مخلوقا من ماء ابن عشرين سنة ، وبه فارق معروف النسب فإن كلامه محتمل هناك لجواز أن يكون مخلوقا من مائه بالزنا أو يكون مخلوقا من مائه بالشبهة وقد اشتهر نسبه من الغير ، ألا ترى أن أم الغلام لو كانت في ملكه هناك تصير أم ولد له وهنا لا تصير أم ولد له ; ولأن الحقيقة تكذبه في هذا الخبر فيلغو خبره كما لو قال لصبي صغير في يده هذا جدي أو قال لعبده هذه ابنتي ، أو لأمته هذا غلامي ، وفي غير هذا الباب لو قال : قطعت يد فلان ، وله علي الأرش فأخرج فلان يده صحيحة لم يستوجب شيئا بخلاف معروف النسب فإن الحقيقة لا تكذبه هناك ، ووجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر أنه أقر بنسب مملوكه طائعا فيعتق عليه كما لو قال لمعروف النسب : هذا ابني وتأثيره أن صريح كلامه محال كما قال ، ولكن له مجاز صحيح ، ومعناه عتق علي من حين ملكته ; لأن البنوة سبب لهذا فإنه إذا ملك ابنه يعتق عليه فيجعل هذا السبب كناية عن موجبه مجازا ، وتصحيح كلام العاقل واجب ، وللعرب لسانان : حقيقة ، ومجاز فإذا تعذر تصحيحه باعتبار الحقيقة يصحح باعتبار المجاز . أبي حنيفة
، ألا ترى أن الوارث إذا أعتق المكاتب يجعل إبراء منه عن بدل الكتابة بهذا النوع من المجاز إلا أنهما يقولان المجاز خلف عن الحقيقة ففي كل موضع يكون الأصل متصورا يمكن أن يجعل المجاز خلفا عنه كما في مسألة المكاتب ، وفي كل موضع لا يكون الأصل متصورا لا يمكن جعل المجاز خلفا عنه ، وهنا لا تصور للأصل بخلاف معروف النسب ، فإن هناك الأصل متصور فيجوز إثبات المجاز خلفا عنه ولكن رحمه الله تعالى يقول : المجاز خلف عن الحقيقة في التكلم لا في الحكم ; لأنه تصرف من المتكلم في إقامة كلام مقام كلام والمقصود تصحيح الكلام فلا يعتبر في تصحيح [ ص: 68 ] المجاز تصور الحكم لإثبات الخلافة ، ألا ترى أنه لو أبو حنيفة كان نكاحا صحيحا ، والحرة ليست بمحل لأصل حكم البيع ، وهو ملك الرقبة ، ولهذا المعنى قلنا إن أم الغلام لو كانت في ملكه لا تعتق ; لأن اللفظ إذا صار مجازا لغيره سقط اعتبار حقيقته ، وهذا مجاز عن الإقرار بحريته فكأنه قال عتق علي من حين ملكه ، وليس لهذا اللفظ موجب في الأم فأما إذا قال لعبده هذه ابنتي فقد ذكره قال لحرة : اشتريتك بكذا على سبيل الاستشهاد في كتاب الدعوى ، ومن عادته الاستشهاد بالمختلف على المختلف فلا نسلمه على قول محمد رحمه الله تعالى وبعد التسليم نقول : الأصل أن المشار إليه إذا لم يكن من جنس المسمى فالعبرة للمسمى كما لو باع فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل والذكور ، والإناث من بني أبي حنيفة آدم جنسان فإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى تعلق الحكم بالمسمى ، وهو معدوم ولا يتصور تصحيح الكلام إيجابا ، ولا إقرارا في المعدوم ، وكذا قوله لصبي صغير هذا جدي فإنه ذكره على سبيل الاستشهاد هنا وقد منعوه على قول رحمه الله تعالى ، وبعد التسليم نقول : لا موجب لذلك الكلام في ملكه إلا بواسطة الأب ، وتلك الواسطة غير ثابتة وبدونها لا موجب لكلامه حتى يجعل كناية عن موجبه مجازا ، فأما للبنوة ، والأبوة موجب في ملكه بغير واسطة فيجعل كلامه كناية عن موجبه ، وبخلاف قوله أعتقتك قبل أن أخلق ; لأنه لا موجب فيما صرح به ، وكذلك قوله قطعت يدك ; لأنه لا موجب للجرح بعد البرء إذا لم يبق له أثر فلا يمكن تصحيح كلامه على أن يجعل كناية عن موجبه فلهذا كان لغوا . أبي حنيفة
وإن قال لعبده هذا أخي لم يعتق ، وروى الحسن عن رحمه الله تعالى أنه يعتق ; لأن للإخوة في ملكه موجبا ، وهو العتق فيجعل هذا اللفظ كناية عن موجبه ، وجه ظاهر الرواية أن الأخوة اسم مشترك قد يراد به : الأخوة في الدين ، قال الله تعالى : { أبي حنيفة إنما المؤمنون إخوة } ، وقد يراد به الاتحاد في القبيلة ، قال الله تعالى : { وإلى عاد أخاهم هودا } ، وقد يراد به الأخوة في النسب .
والمشترك لا يكون حجة بدون البيان حتى لو قال هذا أخي لأبي أو لأمي نقول : يعتق على هذا الطريق فإن قيل : فالبنوة والأبوة قد تكون بالرضاعة ثم أثبتم العتق بهذين اللفظين عند الإطلاق قلنا ; لأن البنوة من الرضاع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة . فأما الأخوة مشتركة في الاستعمال كما بينا ; ولأن الأخوة لا تكون إلا بواسطة الأب أو الأم ; لأنه عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم ، وهذه الواسطة غير مذكورة ، ولا موجب لهذه [ ص: 69 ] الكلمة بدون هذه الواسطة .
فإن يعتق ، وقد بينا هذا في الطلاق إن ذكر ما يعبر به عن جميع البدن ، كذكر البدن بخلاف اليد أو الرجل فهو في العتاق كذلك ، وإن قال : نويت الكذب لم يصدق في القضاء كما في قوله ، أنت حر ، وإن قال لأمته فرجك حر أو قال لعبده رأسك حر ، فإنهما يعتقان ; لأن كلامه اشتمل على النفي ، والإثبات وهذا آكد ما يكون من الإثبات ، دليله كلمة الشهادة فكان هذا كقوله أنت حر ، وهذا بخلاف ما لو قال أنت مثل الحر ; لأن هذا اللفظ للمشابهة ، والمشابهة بين الشيئين قد يكون خاصا وقد يكون عاما فلا يثبت العتق به بدون النية وكذلك لو قال : بدنك حر ; لأن معناه بدنك بدن حر . قال لعبده أو لأمته ما أنت إلا حر أو ما أنت إلا حرة
وفي النوادر قال لو نوى فقال بدنك بدن حر يعتق ; لأن هذا اللفظ للإيجاب لا للتشبيه ، ولو قال لعبده : أنت حر اليوم من هذا العمل فإنه يعتق في القضاء ; لأنه وصفه بالحرية ، وتخصيصه وقتا أو عملا لا يغير حكم ما وصفه به وأما فيما بينه ، وبين الله تعالى فإن كان لا يريد العتق ، فهو عبده ; لأنه يحتمل أن يكون مراده لا أكلفك اليوم هذا العمل ، والله تعالى مطلع على ضميره ، ولكنه خلاف الظاهر فإنه جعل الحرية صفة له في الظاهر فلهذا لا يدين في القضاء ، والله أعلم بالصدق والصواب .