باب عتق العبد بين الشركاء
أكثر مسائل هذا الباب تنبني على أصل رحمه الله تعالى فإن العتق عنده [ ص: 103 ] يتجزأ حتى أبي حنيفة فهو بالخيار في النصف الباقي إن شاء أعتقه ، وإن شاء استسعاه في النصف الباقي في نصف قيمته ، وما لم يؤد السعاية فهو كالمكاتب ، وعند إن أعتق نصف عبده أبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - يعتق كله ولا سعاية عليه لقوله عليه الصلاة والسلام { والشافعي } ، وفي الكتاب ذكر هذا اللفظ عن : من أعتق شقصا من عبده فهو حر كله ليس لله فيه شريك أيضا رضي الله عنه ، والمعنى فيه أن العتق إسقاط للرق ، والرق لا يتجزأ ابتداء ، وبقاء فإسقاطه بالعتق لا يتجزأ أيضا كما أن الحل لما كان لا يتجزأ ابتداء ، وبقاء فإبطاله بالطلاق لا يتجزأ ، وبيانه أن فعله إعتاق فلا يتحقق إلا بانفعال العتق في المحل ، وبعد انفعال العتق في بعض الشخص لو بقي الرق في شيء منه كان في ذلك تجزي الرق في محل واحد ، وذلك لا يجوز فإن الذي ينبني على العتق من الأحكام يضاد أحكام الرق من تكميل الحدود ، والأهلية للشهادات ، والإرث ، والولايات ولا يتصور اجتماع الضدين في محل واحد ; ولأن اتصال أحد النصفين بالآخر أقوى من اتصال الجنين بالأم ; لأن ذلك بغرض الفصل ، ثم إعتاق الأم يوجب عتق الجنين لا محالة فإعتاق أحد النصفين لأن يوجب عتق النصف الآخر أولى ; ولأن الاستيلاد يوجب حق العتق ، وهو لا يحتمل الوصف بالتجزي في محل واحد فحقيقة العتق أولى . عمر
واستدل رحمه الله تعالى بحديث أبو حنيفة سالم عن رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر } ، وقال من أعتق شقصا له في عبد فإن كان موسرا فعليه خلاصه وإلا فقد عتق ما عتق ، ورق ما رق رضي الله عنه : يعتق الرجل من عبده ما شاء وتأويل قوله صلى الله عليه وسلم ، فهو حر كله سيصير حرا كله بإخراج الباقي إلى الحرية بالسعاية ، فيكون فيه بيانا أنه لا يستدام الرق فيما بقي منه ، وهو مذهبنا ; ولأن هذا إزالة ملك اليمين ، فيجزئ في المحل كالبيع ، وتأثيره أن نفوذ تصرف المالك باعتبار ملكه ، وهو مالك للمالية دون الرق فالرق اسم لضعف ثابت في أهل الحرب مجازاة وعقوبة على كفرهم ، وهو لا يحتمل التملك كالحياة إلا أن بقاء ملكه لا يكون إلا ببقاء صفة الرق في المحل كما لا يكون حيا إلا باعتبار صفة الحياة في المحل فذلك لا يدل على أن الحياة مملوكة له فإذا ثبت أنه يملك المالية ، وملك المالية يحتمل التجزؤ فإنما يزول بقدر ما يزيله ، ولهذا لا يعتق شيء منه بإعتاق البعض عند علي رحمه الله تعالى حتى كان معتق البعض كالمكاتب إلا في حكم واحد ، وهو أن المكاتب إذا عجز يرد في الرق ; لأن السبب هناك عقد محتمل للفسخ . أبي حنيفة
وهذا إذا عجز عن السعاية لا يرد في الرق ; لأن [ ص: 104 ] سببه إزالة ملك لا إلى أحد وهو لا يحتمل الفسخ ، وإنما يسمى فعله إعتاقا مجازا على معنى أنه إذا تم إزالة الملك بطريق الإسقاط يعقبه العتق الذي هو عبارة عن القوة لا أن يكون الفعل المزيل ملاقيا للرق ، كالقاتل فعله لا يحل الروح ، وإنما يحل البنية ، ثم بنقض البنية تزهق الروح فيكون فعله قتلا من هذا الوجه ، ولئن كان فعله إعتاقا فالعتق الذي ينبني على الإعتاق لا يتجزأ ، والإعتاق في نفسه منجز حتى يتصور من جماعة في محل واحد فالعتق للبعض إنما يوجد شطر العلة فيتوقف عتق المحل إلى تكميله ، وهو نظير إباحة أداء الصلاة تنبني على غسل أعضاء هي متجزئة في نفسها حتى يكون غسل بعض الأعضاء مطهرا ثم يتوقف إباحة أداء الصلاة على إكمال العدد ، وحرمة المحل لا تتجزى ، وإن كان ينبني على طلقات هي متجزئة حتى كان الموقع للتطليقة ، والتطليقتين مطلقا ، ويتوقف ثبوت الحرمة على كمال العدد ، فهنا أيضا نزول العتق في المحل يتوقف على تمام العلة بإعتاق ما بقي ، وإن كان معتق البعض معتقا ; لأن الإعتاق يقتضي انفعال العتق كما قال ، ولكن لا يقتضي الاتصال بالإعتاق بل يثبت استحقاق الإعتاق ، ويتأخر ثبوته في المحل إلى إكمال العلة فأما الاسترقاق فقد قيل يحتمل الوصف بالتجزي حتى لو صح ذلك منه ، والأصح أنه لا يتجزأ ; لأن سببه ، وهو القهر لا يتجزأ إذ لا يتصور قهر نصف الشخص دون النصف ، والحكم ينبني على السبب ، وكذلك الاستيلاد سببه لا يتجزأ ، وهو نسب الولد فأما عتق الجنين عند إعتاق الأم ليس لأجل الاتصال ، ألا ترى أن إعتاق الجنين لا يوجب إعتاق الأم والاتصال موجود ، ولكن الجنين في حكم جزء من أجزائها كيدها ، ورجلها ، وثبوت الحكم في التبع ثبوته في المتبوع وأحد النصفين ليس بتبع للنصف الباقي فلهذا لم يكن إعتاق أحد النصفين موجبا للعتق في النصف الباقي . فتح الإمام بلدة ، ورأى الصواب في أن يسترق أنصافهم