فإن فلا ينبغي للإمام أن يجيبهم إلى ذلك لما فيه من الدينة والذلة بالمسلمين إلا عند الضرورة ، وهو أن يخاف المسلمون الهلاك على أنفسهم ، ويرى الإمام أن هذا الصلح خير لهم فحينئذ لا بأس بأن يفعله لما روي أن المشركين أحاطوا حاصر العدو المسلمين ، وطلبوا الموادعة على أن يؤدي إليهم المسلمون شيئا معلوما كل سنة بالخندق ، وصار المسلمون كما قال الله تعالى { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا } { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبيدة بن حصن ، وطلب منه أن يرجع بمن معه على أن يعطيه كل سنة ثلث ثمار المدينة فأبي إلا النصف فلما حضر رسله ليكتبوا الصلح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام سيدا الأنصار سعد بن معاذ رضي الله عنهما ، وقالا يا رسول الله إن كان هذا عن وحي فامض لما أمرت به ، وإن كان رأيا رأيته فقد كنا نحن وهو في الجاهلية لم يكن لنا ولا لهم دين فكانوا لا يطمعون في ثمار ، وسعد بن عبادة المدينة إلا بشراء أو قرى ، فإذا أعزنا الله بالدين وبعث فينا رسوله نعطيهم الدنية لا نعطيهم إلا السيف فقال صلى الله عليه وسلم إني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فأحببت أن أصرفهم عنكم فإذا أبيتم ذلك فأنتم وأولئك اذهبوا فلا نعطيكم إلا السيف } فقد مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلح في الابتداء لما أحس الضعف بالمسلمين فحين رأى القوة فيهم بما قاله السعدان رضي الله عنهما امتنع من ذلك وقد { } فدل على أنه لا بأس بذلك عند خوف الضرر ، وهذا لأنهم إن ظهروا على المسلمين أخذوا جميع الأموال ، وسبوا الذراري ، فدفع بعض المال ليسلم المسلمون في ذراريهم ، وسائر أموالهم أهون وأنفع . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم من الصدقة لدفع ضررهم عن المسلمين