فإن فحينئذ يجب على من يقوى على القتال أن يقاتل مع إمام المسلمين الخارجين لقوله تعالى : { كان المسلمون مجتمعين على واحد ، وكانوا آمنين به ، والسبيل آمنة فخرج عليه طائفة من المسلمين فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي } ، والأمر حقيقة للوجوب ، ولأن الخارجين قصدوا أذى المسلمين وإماطة الأذى من أبواب الدين ، وخروجهم معصية ، ففي القيام بقتالهم نهي عن المنكر وهو فرض ، ولأنهم يهيجون الفتنة قال صلى الله عليه وسلم : { الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها } فمن كان ملعونا على لسان صاحب الشرع صلوات الله عليه يقاتل معه ، والذي روي أن رضي الله عنهما وغيره لزم بيته تأويله أنه لم يكن له طاقة على القتال ، وهو فرض على من يطيقه ، والإمام فيه ابن عمر رضي الله عنه فقد قام بالقتال ، وأخبر أنه مأمور بذلك بقوله رضي الله عنه أمرت بقتال المارقين ، والناكثين ، والقاسطين ، ولهذا بدأ الباب بحديث علي كثير الحضرمي حيث قال : دخلت مسجد [ ص: 125 ] الكوفة من قبل أبواب كندة ، فإذا نفر خمسة يشتمون رضي الله عنه ، وفيهم رجل عليه برنس يقول : أعاهد الله لأقتلنه فتعلقت به ، وتفرق أصحابه فأتيت به عليا رضي الله عنه فقلت : إني سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنك قال : إذن ويحك من أنت قال : أنا عليا سوار المنقري فقال رضي الله عنه خل عنه . فقلت : أخلي عنه ، وقد عاهد الله ليقتلنك . فقال : أفأقتله ولم يقتلني . قلت : وإنه قد شتمك . قال : فاشتمه إن شئت أو دعه ، وفي هذا دليل على أن من لم يظهر منه خروج فليس للإمام أن يقتله ، وهو رواية علي الحسن عن رحمهما الله تعالى قال : ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم ، فإذا بلغه عزمهم على الخروج فحينئذ ينبغي له أن يأخذهم فيحبسهم قبل أن يتفاقم الأمر لعزمهم على المعصية وتهييج الفتنة ، وكأن هؤلاء لم يكونوا مغلبين الخروج عليه ، ولم يعزموا على ذلك أو لم يصدقه أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فيما أخبره به من عزمه على قتله ، فلهذا أمره بأن يخلي عنه ، وليس مراده من قوله فاشتمه إن شئت أن ينسبه إلى ما ليس فيه فذلك كذب وبهتان لا رخصة فيه ، وإنما مراده أن ينسبه إلى ما علمه منه ، فيقول : يا فتان يا شرير لقصده إلى الشر والفتنة ، وما أشبهه ذلك من الكلام ، وهو معنى قوله تعالى : { علي لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } .