، فإذا [ ص: 21 ] طال ذلك باعه الإمام وأمسك ثمنه حتى يجيء له طالب ويقيم البينة أنه عبده فيدفع إليه الثمن لأنه مأمور بالنظر ، وليس من النظر إمساكه بعد طول المدة ; لأنه محتاج إلى النفقة ، وربما يأتي ثمنه على نفقته ، ولأنه لا يأمن أن يأبق منه فكان حفظ ثمنه أيسر عليه من حفظ عينه وأنفع لصاحبه ، وليس لصاحبه إذا حضر أن ينقض بيع الإمام ; لأنه نفذ بولاية شرعية ، وينفق عليه الإمام في مدة حبسه من بيت المال ; لأنه محتاج إلى النفقة عاجز عن الكسب إذا كان محبوسا ، ولو وإن لم يكن للعبد طالب فكان النظر في الإنفاق عليه من بيت المال ; لأنه معد للنوائب ، وهذا من جملة النوائب ، ثم يأخذ ذلك من صاحبه إن حضر فرده عليه أو من ثمنه إن باعه ، وقد بينا هذا في نفقة الملتقط بأمر القاضي فكذلك في نفقة الإمام من بيت المال على الآبق ; لأن قضاءه في ذلك للمسلمين لا لنفسه ، فإن أمره الإمام بأن يخرج فيكتسب فأبق ثانيا لم تجز شهادتهم ; لأن العبد في يد إمام المسلمين ، واستحقاق يد المسلم لا يكون بشهادة أقام مدعيه شهودا نصارى النصارى ، وإن أقام بينة من المسلمين ، وقد باعه الإمام فزعم أنه كان قد دبره ، أو كانت جارية فزعم أنها كانت أم ولده لم يصدق على فسخ البيع ; لأن البيع نفذ من القاضي بولاية شرعية فكأن المالك باشر بيعه بنفسه ثم ادعى شيئا من ذلك ، ولا يصدق على فسخ البيع إلا أن يكون لها ولد وقد ولدته في ملكه فيدعي أنه ولده منها ، فحينئذ يصدق ويثبت النسب ، ويفسخ البيع كما لو كان باشر البيع بنفسه ، وهذا لأن ثبوت نسب ولد حصل العلوق به في ملكه بمنزلة البينة فيما يرجع إلى إبطال حق الغير ، ألا ترى أن عنها ، بخلاف ما إذا لم يكن معها ولد فهذا مثله . المريض إذا أقر لجاريته أنها أم ولده ومعها ولد يدعي نسبه كان مصدقا في إبطال حق الغرماء والورثة
وإذا ، فإن كان أخذه من مسيرة ثلاثة أيام أو أكثر . فله الجعل أربعون درهما ، ولا يزاد على ذلك ، وإن بعدت المسافة ; لأن تقدير الجعل بأربعين إذا رده من مسيرة سفر ثابت بفتوى وجد الرجل غلاما أو جارية آبقا بالغا أو غير بالغ فرده إلى مولاه رضي الله عنه ، والزيادة على القدر الثابت شرعا بالرأي لا تجوز ، ولأن أدنى مدة السفر معلوم ولا نهاية لما وراء ذلك ، والحكم لا يتغير به شرعا كسائر الأحكام المتعلقة بالسفر ، وإن أخذه في المصر أو خارجا منه ولكن فيما دون مسيرة سفر في القياس لا شيء له ; لأن التقدير الثابت بالشرع يمنع أن يكون لما دون المقدر حكم المقدر ، ولأن الجعل إنما يستحقه راد الآبق ، وتمام الإباق بمسيرة السفر ففيما دونه هو كالضال ، ولهذا لا يتعلق شيء من أحكام السفر فيما [ ص: 22 ] دون مسيرة السفر ، وفي الاستحسان له الجعل على قدر المكان والعناء ; لأن في مدة السفر وجوب الجعل ليس لعين المدة بل لما يلحق من العناء والتعب في رده ، وقد وجد بعض ذلك فيستوجب من الجعل بقدره ، ألا ترى أن المالك لو استأجره بمال معلوم ليرده من مسيرة يوم استحق من المسمى بقدره فكذلك فيما هو ثابت شرعا ، وإن كان أنفق عليه أضعاف مقدار الجعل بغير أمر القاضي فليس له سوى الجعل ; لأنه متبرع فيما أنفق ، وإن ابن مسعود ، فإن كان أشهد على ذلك حين وجده أنه إنما أخذه ليرده على صاحبه فلا ضمان عليه ، وإن أقر أنه أخذه لنفسه فهو ضامن ، وإن ادعى أنه أخذه للرد ولكن ترك الإشهاد مع الإمكان فهو على الخلاف ، وقد بينا هذا في اللقطة فكذلك في الآبق ; لأن المعنى يجمعهما ، وهذا إذا علم أنه كان آبقا ، فإن مات عنده قبل أن يرده أو أبق منه . فالقول قوله ; لأن السبب الموجب للضمان قد ظهر من الأخذ ، وهو أخذه مال الغير بغير إذنه فهو يدعي ما يسقطه ، وهو الإذن شرعا لكون العبد آبقا ، ولو ادعى الإذن من المالك له في أخذه وأنكر المالك كان القول قوله فكذلك هنا ، وعلى هذا لو رده فأنكر المولى أن يكون عبده آبقا ، فلا جعل له إلا أن يشهد الشهود بأنه أبق من مولاه أو أن مولاه أقر بإباقه ، فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت معاينة فيجب له الجعل . أنكر المولى أن يكون عبده آبقا
وإذا أعتقه المولى في إباقه جاز ذلك ; لأن نفوذ هذا التصرف يعتمد الملك دون القدرة على التسليم حتى ينفذ في المرهون والمؤاجر والجنين في البطن والمبيع قبل القبض فكذلك ينفذ في الآبق ; لأن الإباق لا يزيل ملكه ، وإنما يعجزه عن التسليم ، ولهذا لو باعه لم يجز ; لأن البيع لا يصح إلا فيما هو مقدور التسليم للعاقد ، وقدرته على التسليم تنعدم بالإباق ، ولأن في بيعه معنى الغرر ; لأنه لا يعلم بقاؤه في الحال حقيقة ولا عودة ليقدر على التسليم { } فالغرر لا يمنع نفوذ العتق والتدبير ، فلهذا صح منه إذا ظهر أنه كان قائما وقت العتق ، ولو وهبه لرجل لم يجز ; لأن الهبة لا تتم إلا بالتسليم ، وهو غير قادر على تسليمه ، فإن وهبه لابن له صغير في عياله فالهبة جائزة ، وإعلامه بمنزلة القبض ; لأنه باق في يد مولاه حكما فيصير قابضا للصغير باليد الحكمي الذي بقي له ، وحق القبض فيما يوهب للصغير إليه ، وسواء كان الصغير في عياله أو لم يكن ; لأن الولاية ثابتة له بالأبوة ، فلا تنعدم بكونه في عيال غيره ، وإنما ذكر قوله في عياله على سبيل العادة لا للشرط ، وإنما قلنا : إنه في يده حكما ; لأن اليد الحكمي كان له باعتبار ملكه ، فلا ينعدم [ ص: 23 ] إلا باعتراض يد أخرى على يده ، وبالإباق لا يوجد ذلك ، وعلى هذا الطريق لا فرق بين أن يكون مترددا في دار الإسلام أو في دار الحرب . ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر
ووجه آخر فيه وهو أن اليد الحكمي باعتبار تمكنه من الأخذ لأنه لو قدر عليه ، وذلك باق ما دام في دار الإسلام بقوة الإمام والمسلمين ، وعلى هذا الطريق لو لا يجوز كما رواه قاضي الحرمين عن أبق إلى دار الحرب ثم وهبه لابنه الصغير رحمه الله ; لأن اليد الحكمي ليس بثابت له في دار الحرب . أبي حنيفة