( وإذا ) فهو خصم لظهور العين في يده ، ولم يثبت بقوله أن يده يد غيره ، ( وإن ) أقام البينة أن فلانا استودعها إياه أو أعارها أو أجرها أو رهنها منه لم يكن بينهما خصومة ; لأنه أثبت ببينته أن يده يد حفظ ، وهذه مسألة مخمسة ، وقد بيناها في كتاب الدعوى . ادعى دارا أو ثوبا أو عبدا في يد رجل ، وأقام البينة أنه له ، وقال الذي هو في يديه : هو عندي وديعة
وإن لم تندفع الخصومة عنه ; لأنه صار خصما بدعوى الفعل عليه ، ألا ترى أن دعواه الخصم صحيح على غير ذي اليد بخلاف دعوى الملك المطلق . أقام المدعي البينة أن ذا اليد غصبه منه
إن أقام المدعي البينة على أنه ثوبه غصب منه فقد اندفعت الخصومة عن ذي اليد بما أقام من البينة ; لأن الفعل غير مدعى عليه ، فإن هذا فعل ما لم يسم فاعله ، فإنما كان ذو اليد خصما باعتبار يده ، وقد أثبت أن يده يد حفظ .
وإن فالجواب كذلك في القياس ، وهو قول محمد قال المدعي : هذا ثوبي سرق مني رحمهما الله ، ( قوله : ) سرق مني ذكر فعل ما لم يسم فاعله ، فلا يصير الفعل به مدعى على ذي اليد إنما كان هو خصما باعتبار يده كما في الغصب ، ولكن استحسن وزفر أبو حنيفة رحمهما الله وقالا : لا تندفع الخصومة عن ذي اليد ، وللاستحسان وجهان : وأبو يوسف
( أحدهما ) أن قوله سرق مني معناه سرقه مني إلا أنه اختار هذا اللفظ انتدابا إلى ما ندب إليه في الشرع من التحرز عن إظهاره الفاحشة والاحتيال لدرء الحد ، فإذا آل الأمر إلى أن يبطل حقه يعود فيدعي عليه فعل السرقة ، وهذا المعنى لا يوجد في الغصب ; لأن الغاصب تجاهر بما صنع ، ولا يندب إلى الستر على ما تجاهر بفعله .
( والثاني ) أن السارق في العادة يكون بالبعد من المسروق منه فيشتبه عليه في ظلمة الليل أنه فلان أو غيره فهو بقوله : سرق مني يتحرز عن توهم الكذب ، وله ذلك شرعا فكان هذا في معنى قوله سرقته مني بخلاف الغصب . ولأن السراق قلما يوقف على أثرهم لخوفهم من إقامة الحد عليهم ، فلو اندفعت الخصومة عن ذي اليد بهذا كان إبطالا لحق المدعي لا تحويلا ، فهو بمنزلة ما لو أقام البينة على أنه أودعه رجل لا يعرفه ، بخلاف الغاصب فإنه يكون ظاهرا فيكون هذا من ذي اليد تحويلا للخصومة إليه لا إبطالا لحق المدعي .