( ولو ) لم يضمن شيئا في قول علمائنا رحمهم الله . وقال غصب من رجل عينا فقال المغصوب منه للغاصب أبرأتك عن الغصب ، ثم هلك في يد الغاصب هو ضامن للقيمة ; لأن الإبراء عن العين لغو ، فإن الإبراء إسقاط ، والعين ليست بمحل له إذ لا تسقط حقيقة ، ولا يسقط ملك المالك عنها أيضا ، وإضافة التصرف إلى غير محله لغو . ولكنا نقول : قوله أبرأتك عن الغصب أي عما وجب لي عليك بسبب الغصب بمنزلة إبراء المجني عليه الجاني عن الجناية ، وإبراء المشتري البائع عن العيب ، والواجب له بسبب الغصب رد العين عند قيامه ، ورد القيمة عند هلاكه ، وذلك قابل للإسقاط فيسقط عنه ، وإذا سقط عنه ذلك بقي العين أمانة في يده كالوديعة ، ولأنه لو أبرأه بعد تقرر الضمان عليه بالهلاك صح الإبراء فكذلك إذا أبرأه بعد تقرر السبب . زفر
( ولو ) يجب عند غصب جارية فحبلت عند الغاصب ثم ردها فولدت ثم هلكت بالولادة رحمه الله على الغاصب ضمان قيمتها ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف رحمهما الله تعالى تقوم حاملا وغير حامل ، فيكون على الغاصب ضمان النقصان ; لأن الرد قد صح مع الحبل ، ولكنها معيبة بعيب الحبل ، وذلك موجب ضمان النقصان عليه ، فأما هلاكها بسبب الآلام الحادثة بعد الرد وهو الطلق ، فلا يبطل به حكم الرد ، كما لو حمت الجارية عند الغاصب ثم ردها فهلكت أو زنت عند الغاصب ، ثم ردها فجلدت وماتت من ذلك لم يضمن الغاصب إلا نقصان عيب الزنا . ومحمد
وكذلك لم يرجع المشتري على البائع بجميع الثمن بالاتفاق المبيعة إذا سلمها إلى المشتري ، وهي حبلى فماتت في الولادة رحمه الله يقول : الواجب على الغاصب نسخ فعله بالرد ، ولم يوجد ذلك حين ردها لا على الوجه الذي قبضها ، ولما هلكت بالسبب الذي كان عند الغاصب يجعل في الحكم كأنها هلكت عند الغاصب كما لو جنت عند الغاصب ثم ردها فدفعت في الجناية ، فإنه يضمن قيمتها ويجعل كأنه لم يردها أصلا ، بخلاف الحمى لأن الهلاك لم يكن بالسبب الذي كان . [ ص: 108 ] عند الغاصب إنما كان لضعف الطبيعة عن دفع آثار الحمى المتوالية ، وذلك لا يحصل بأوله الحمى عند الغاصب ، وإن ذلك غير موجب لما كان بعده . وهنا أصل السبب ما كان عند الغاصب ; لأن الحبل يوجب انفصال الولد ، وانفصال الولد يوجب آلام الولادة ، فما يحدث به يكون محالا على السبب الأول ، بخلاف الجلد ; لأن الزنا يوجب جلدا مؤلما غير جارح ولا متلف ; ولهذا يختار سوطا لا ثمرة له ، فلم يكن الهلاك محالا به على السبب الذي كان عند الغاصب ، وهذا بخلاف الشراء ; لأن الشراء يوجب تسليم المبيع إلى المشتري على الوجه الذي يتناوله العقد ، وهو أنه مال متقوم ، وقد وجد ذلك باعتبار ظاهر الحال ، وهو أن الغالب في الولادة السلامة ، فإنما على الغاصب نسخ فعله وذلك في أن يرده كما قبضه ، ولم يوجد ذلك . وأبو حنيفة
ألا ترى أن في يده لم يرجع بجميع الثمن ، بخلاف البائع لو قطع يده ثم باعه وسلمه إلى المشتري فمات من ذلك من ذلك . الغاصب إذا قطع يدها ، ثم ردها فماتت
ثم على قول أبي يوسف رحمهما الله هي قد تعيبت في يد الغاصب بعيب الزنا والحبل جميعا ففي القياس يضمن الغاصب نقصان العيب وهو قول ومحمد رحمه الله . وفي الاستحسان وهو قول محمد يضمن أكثرهما ، ويدخل الأقل في الأكثر . وكذلك عند أبي يوسف إذا سلمت من الولادة ينظر إلى نقصان الزنا ، ونقصان الحبل فعليه ضمان أكثرهما ، ولكن إن كان عيب الحبل أكثر فقد زال ذلك بالولادة ، فلا يلزمه إلا قدر نقصان عيب الزنا ، وإن كان عيب الزنا أكثر فعليه ضمان ذلك ; لأن عيب الزنا لا ينعدم بالولادة أبي حنيفة رحمه الله اعتبر الحقيقة ، وهو أن الحبل عيب آخر سوى عيب الزنا لتحقق انفصال كل واحد منهما عن الآخر فمحمد رحمه الله اعتبر اتحاد السبب وقال : الحبل هنا حصل بذلك السبب ، فبحكم اتحاد السبب يدخل الأقل في الأكثر كما في نقصان البكارة مع العقر الواجب بالوطء ، فإنه يدخل الأقل في الأكثر لاتحاد السبب فكذلك هنا ، والله سبحانه وتعالى أعلم . وأبو يوسف