قال : ( وإن ) ; لأنه قبضها بإذن صحيح ، ولكن إن أمسكها بعد مضي اليوم فهو ضامن لها ; لأنه لما وقت فقد بين أنه غير راض بقبضه إياها فيما وراء المدة ، فإذا أمسكها بعد مضي المدة كان ممسكا لها بغير رضا صاحبها فيضمنها كما في المودع إذا طولب بالرد فلم يرد حتى هلكت ، وهذا بخلاف المستأجر فإنه بعد مضي المدة إذا أمسكها لا يضمنها ما لم يطالبه صاحبها بالرد ; لأن مؤنة الرد هناك ليست على المستأجر ، ولكنها على المالك ، فإذا لم يحضر المالك ليأخذها لم يوجد من المستأجر منع يصير به ضامنا ، وهنا مؤنة الرد على المستعير ، فإذا أمسكها بعد مضي المدة فقد وجد منه الامتناع من الرد المستحق عليه ، وذلك موجب ضمان المستعار عليه . استعار الدابة يوما إلى الليل ، ولم يسم ما يحمل عليها لم يضمن إذا هلكت
( وإذا ، فلا ضمان عليه ) لأن الإذن من المالك مطلق ، فلا ينعدم حكمه إلا بالنهي والمطالبة بالرد ، ولم يوجد . وإن لم يؤقت المالك ولكنه أعارها ليحمل عليها الحنطة فجعل ينقل عليها الحنطة أياما فهو ضامن ; لأنه خالف ما أمره به نصا فصار غاصبا مستعملا بغير إذنه . حمل عليها الآجر أو اللبن أو الحجارة فعطبت
وهذه المسألة على أربعة أوجه : ( أحدها ) بأن استعارها ليحمل عليها عشرة مخاتيم من هذه الحنطة فحمل عليها عشرة مخاتيم من حنطة أخرى ، أو ليحمل عليها حنطة نفسه فحمل عليها حنطة غيره ، فلا ضمان عليه ; لأن التقييد إنما يعتبر إذا كان مفيدا ، وهذا التقييد والتعيين لا يفيد شيئا ، فإن حنطته وحنطة غيره في الضرر عليها سواء . ( والثاني ) أن يخالف في الجنس بأن أن يحمل عليها غير ما عينه المالك ، ولكنه مثل ما عينه في الضرر على الدابة من جنسه في القياس يكون ضامنا ; لأنه مخالف ، فإنه عند اختلاف الجنس لا تعتبر المنفعة والضرر ، ألا ترى أن استعارها ليحمل عليها عشرة أقفزة حنطة فحمل عليها عشرة أقفزة شعير لم ينفذ بيعه ، وفي الاستحسان لا يكون ضامنا ; لأنه لا فائدة للمالك في تعيين الحنطة ، فإن مقصوده دفع زيادة [ ص: 138 ] الضرر عن دابته ، ومثل كيل الحنطة من الشعير يكون أخف على الدابة ، وقد بينا أنه إنما يعتبر من تقييده ما يكون مفيدا دون ما لا يفيده شيئا حتى قيل : لو سمى مقدارا من الحنطة وزنا فحمل مثل ذلك الوزن من الشعير يضمن ; لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما يأخذ من الحنطة ، فهو كما لو استعارها ليحمل عليها حنطة فحمل عليها حطبا أو تبنا ، فأما مثل ذلك كيلا من الشعير لا يأخذ من ظهرها أكثر مما يأخذ من الحنطة . الوكيل بالبيع بألف درهم إذا باع بألف دينار
( والثالث ) أن يخالف إلى ما هو أضر على الدابة بأن أو آجرا مثل وزن الحنطة فهو ضامن لها ; لأن هذا يجتمع في موضع واحد فيدق ظهر الدابة فكان أضر عليها من حمل الحنطة ، وتقييد المالك معتبر إذا كان مفيدا له ، وكذلك لو حمل عليها مثل وزن الحنطة قطنا ; لأنه يأخذ من ظهر الدابة فوق ما تأخذ الحنطة فكان أضر عليها من وجه كما لو حمل عليها حطبا أو تبنا . ( والرابع ) أن يخالف في المقدار بأن استعارها ليحمل عليها حنطة فحمل عليها حديدا فهلكت فهو ضامن ثلث قيمتها ; لأنه في مقدار عشرة مخاتيم موافق ; لأنه حامل بإذن المالك ، وفيما زاد على ذلك حامل بغير إذنه فيعتبر الجزء بالكل ، ويتوزع الضمان على ذلك ، وهذا إذا كان مثل تلك الدابة تطيق حمل خمسة عشر مختوما ، فإن كان يعلم أنها لا تطيق ذلك فهو ضامن لجميع قيمتها ; لأنه متلف لها بهذا الحمل ، والمالك ما أذن له في إتلافها . استعارها ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها خمسة عشر مختوما ثلاثة أقاويل في هذه المسألة : قول مثل قولنا ، وقول آخر أنه يضمن جميع قيمتها ; لأنه خالف إلى ما هو أضر على الدابة ، فهو كما لو خالف في الجنس ، وقول آخر أنه يضمن نصف قيمتها ; لأنها تلفت من حملين أحدهما بإذن صاحبه ، والآخر بغير إذنه فيضمن نصف قيمتها كما لو وللشافعي يضمن نصف قيمته ، ولكن الفرق بينهما ظاهر ; لأن ذاك ضمان قتل ، وفي باب القتل المعتبر عدد الجناة لا عدد الجنايات ، فقد تقوى الطبيعة على دفع ألم عشر جراحات في موضع ، ولا تقوى على دفع ألم جراحة واحدة في موضع ; فلهذا اعتبرنا عدد الجناة ، وجعلنا الضمان نصفين ، وهنا تلف الدابة باعتبار ثقل المحمول ، وثقل عشرة مخاتيم فوق ثقل خمسة مخاتيم في الضرر على الدابة ، فلا بد من أن يتوزع الضمان على قدر ثقل المحمول . أمره أن يضرب عبده عشرة أسواط فضربه أحد عشر سوطا فمات من ذلك
وهذا بخلاف ما لو ، فإنه يضمن جميع قيمته ; لأن الطحن يكون شيئا فشيئا ، فلما طحن عشرة مخاتيم انتهى إذن المالك ، فبعد ذلك هو في الطحن مخالف في جميع الدابة [ ص: 139 ] مستعمل لها بغير إذن مالكها فيضمن جميع قيمتها ، فأما الحمل يكون جملة واحدة فهو في البعض مستعمل لها بإذن المالك ، وفي البعض مخالف فيتوزع الضمان على ذلك استعار ثورا ليطحن به عشرة مخاتيم حنطة فطحن أحد عشر مختوما فهلك فهو ضامن لها ; لأنه استعملها بغير إذن صاحبها ، فالتقييد من صاحبها هنا مفيد ; لأن الضرر على الدابة يختلف بقرب الطريق وبعده ، والسهولة والوعورة . وإذا جاوز المكان الذي سمي له وأخذ إلى مكان غير ذلك فعطبت