الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم حل التناول بالاصطياد مختص بشرائط :

( أحدها ) أن يكون ما يصطاد به معلما . ( والثاني ) أن يكون جارحا قال الله تعالى : { ومما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله } وفي معنى الجوارح قولان : ( أحدهما ) أن يكون جارحا حقيقة بنابه ومخلبه ، ( والثاني ) الكواسب قال الله تعالى : { ويعلم ما جرحتم بالنهار } أي كسبتم ، ويمكن حمله عليها فنقول : الشرط أن يكون من الكواسب التي تخرج . ( والثالث ) الإرسال ثبت ذلك في السنة ، وهو { قوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل } . فلما حرم التناول عند عدم الإرسال في أحد الكلبين دل أن الإرسال في ذلك [ ص: 222 ] شرط ، ولأن التذكية إنما تكون موجبا للحل إذا حصل من الآدمي ، فلا بد من جعل آلة الصيد نائبا عن الآدمي ليحصل الحل بفعله ، وذلك لا يكون إلا بالإرسال ، واشتراط كونه معلما لتحقق الإرسال فيه . ( والرابع ) التسمية . ( والخامس ) إمساكه على صاحبه لقوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } ومطلق الأمر مفيد للوجوب ، ولا يجب التسمية عند الأكل ، فعرفنا أن المراد به عند الإرسال .

( والسادس ) أن يكون الصيد مما يباح تناوله ، ويكون ممتنعا ومستوحشا . ( والسابع ) أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه حتى يجده ; لأنه إذا غاب عن بصره ، فلا يدري لعل موته كان بسبب آخر سوى جرح ما أرسله ، وإليه أشار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بقوله : كل ما أممت ، ودع ما أيمنت والإماء ما رأيته ، والإيماء ما غاب عنك ، وإذا قعد عن طلبه ، فلا يدري لعله لو تبعه وقع في يده حيا ، وقدر على ذبحه في المذبح ، وترك ذلك مع القدرة عليه محرم ، والأصل فيه أنه متى اجتمع في الصيد لعل وعسى أن لا يحل تناوله ، وإليه { أشار النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه إذا وقعت رميتك في الماء ، فلا تأكل ، فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك } إذا عرفنا هذا فنقول : كما يشترط فيما أرسله الصياد أن يكون خارجا فكذلك فيما يرمى به ، وبها الكتاب ببيانه مروي عن إبراهيم رحمه الله إذا خرق المعراض فكل ، وإذا لم يخرق فلا تأكل ، والمعراض سهم لا نصل له إلا أن يكون رأسه محددا ، وقيل : سهم لا ريش له فربما يصيب السهم عرضا يندق ولا يخرج ، وهو مروي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه سئل عن صيد المعراض فقال : صلوات الله وسلامه عليه ما أصاب بحده فجرح فكل ، وما أصاب بعرضه ، فلا تأكل } والحرق هو الخرق إلا أن لفظة الحرق تستعمل فيما لا حياة له ، كالثوب ونحوه ، ولفظة الخرق تستعمل في الحيوان ، وقد بينا أن الحل باعتبار تسييل الدم النجس ، وذلك يحصل إذا خرق ، ولا يحصل إذا دق ولم يخرق ، فإن ذلك في معنى الموقوذة ، وهو حرام بالنص ، وذكر عن رجل قال : كانت لبعض أهل الحي نعامة فضربها إنسان فوقذها فألقاها على كناسة وهي حية فسألنا سعيد بن جبير فقال : ذكوها وكلوها ، وبه نقول ، فإن الموقوذة إذا أدرك ذكاتها جاز تناولها لقوله تعالى : { إلا ما ذكيتم } ولحصول ما هو المقصود ، وهو تسييل الدم النجس ، ومنه دليل إباحة تناول النعامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية