( وعن ) رضي الله تعالى عنه قال : { أنس بن مالك } : وعن أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحريث قال : كنا إذا نتجت فرس أخذنا فلوا ذبحناه ، وقلنا الأمر قريب ، فبلغ ذلك رضي الله تعالى عنه فكتب إلينا أن لا تفعلوا ، فإن في الأمر تراخيا ، وبهذين الحديثين يستدل من يرخص في لحم الخيل ، فإنهم كانوا يذبحونه لمنفعة الأكل ، وهو قول عمر بن الخطاب أبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ، وأما والشافعي رحمه الله تعالى فإنه كان يكره لحم الخيل ، فظاهر اللفظ في كتاب الصيد يدل على أن الكراهة للتنزيه ، فإنه قال : رخص بعض العلماء رحمهم الله في لحم الخيل ، فأما أنا لا يعجبني أكله ، وما قال في الجامع الصغير أكره لحم الخيل يدل على أنه كراهة التحريم ، فقد روي أن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال أبا يوسف رحمه الله إذا قلت في شيء أكرهه فما رأيك فيه قال : التحريم ، ثم من أباحه استدل بالتعامل الظاهر ببيع لحم الخيل في الأسواق من غير نكير منكر ، ولأن سؤره طاهر على الإطلاق ، وبوله بمنزلة بول ما يؤكل لحمه فعرفنا أنه مأكول كالأنعام ، وإن [ ص: 234 ] روي فيه نهي فلأن الخيل كانت قليلة فيهم ، وكان سلاحا يحتاجون إليه في الحرب ; فلهذا نهاهم عن أكله لا لحرمته ، وحجة لأبي حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك قوله تعالى { أبي حنيفة والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } الآية ، فقد من الله تعالى على عباده بما جعل لهم من منفعة الركوب والزينة في الخيل ، ولو كان مأكولا لكان الأولى بيان منفعة الأكل ; لأنه أعظم وجوه المنفعة ، وبه بقاء النفوس ، ولا يليق بحكمة الحكيم ترك أعظم وجوه المنفعة عند إظهار المنة وذكر ما دون ذلك ، ألا ترى أنه في الأنعام ذكر الأكل بقوله تعالى : { ومنها تأكلون } ولأنه ضم الخيل إلى البغال والحمير في الذكر دون الأنعام ، والقرآن في الذكر دليل القرآن في الحكم ، وبنحوه استدل رضي الله تعالى عنهما حين كره لحم الخيل ، كما روي عنه في الكتاب ، وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { خالد بن الوليد } وفي حديث نهى عن أكل لحم الخيل والبغال والحمير رضي الله تعالى عنه { المقدام بن معد يكرب لحوم البغال والحمير والخيل } . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حرام عليكم
وقد بينا أن الدليل الموجب للحرمة يترجح ، فإن ما كان من الرخصة محمول على أنه كان في الابتداء قبل النهي ، ولأن نتاجه غير مأكول وهو البغل ; لأن البغل نتاج الفرس ، والولد جزء من الأم ، وحكمه حكمها في الحل والحرمة ، فإذا لم يكن مأكولا عرفنا أن الخيل ليس بمأكول . ثم الخيل تشبه البغال والحمير من حيث إنه ذو حافر أهلي بخلاف الأنعام ، فإنها ذوات خف لا ذوات حوافر ، وقد روى الحسن عن رحمه الله تعالى الكراهة في أبي حنيفة كما في لبنه ، وإنما جعل بوله كبول ما يؤكل لحمه لمعنى البلوى فيه ، فللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة ، ومن قال : الكراهة للتنزيه لا للتحريم قال : إن الفرس كالآدمي من وجه ، ومن حيث إنه يحصل إرهاب العدو به ، ويستحق السهم من الغنيمة ، والآدمي غير مأكول لكرامته لا لنجاسته ، والخيل كذلك كره أكلها على طريق التنزيه لمعنى الكرامة ; ولهذا جعل الخيل طاهرة السؤر ، وجعل بوله كبول ما يؤكل لحمه . سؤر الفرس