الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإن كانت الهبة خادمة فقال : وهبتها لي ، وهي صغيرة ، فكبرت عندي ، وازدادت خيرا ، وكذبه الواهب : فالقول قول الواهب - عندنا - ) ، وقال زفر القول قول الموهوب له ; لأنه مالك لها في الحال ، وهو منكر حق الواهب في الزيادة الحادثة فيها ، فيكون القول قوله . كما إذا كان الموهوب أرضا ، وفيها بناء ، أو شجر ، وقال الواهب : وهبتها لك ، وقال الموهوب له : لم يكن فيها بناء ولا شجر حين وهبتها : فالقول قول الموهوب له . ولكنا نقول : الموهوب له يدعي تاريخا سابقا في الهبة ، والهبة حادثة ، فمن يدعي فيها تاريخا سابقا : لا يقبل قوله إلا بحجة ، ثم ليس فيها زيادة من غيرها ، وحق الواهب ثابت في عينها - باتفاقهما - فكأن الموهوب له يدعي انتفاء حقه من الزيادة المتولدة من العين - مثل السمن والكبر - بخلاف البناء والشجر ; فإنه غير متولد من الأرض ، ولكنه ملك مبتدأ للموهوب له في الحال ، وهو ينكر تملكه من جهة الواهب ، وثبوت حقه فيه يوضح الفرق أن البناء من وجه أصل ، حتى يجوز إفراده بالبيع ، [ ص: 88 ] فالظاهر فيه شاهد للموهوب له دون الواهب ، والسمن والكبر وصف ، وهو بيع محض ، وثبوت الحق في البيع بثبوته في الأصل ، فكان الظاهر شاهدا للواهب . وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله : لو وهب له عبدا ، فعلمه الموهوب له الكتابة أو الخبز ; فليس للواهب أن يرجع فيه ، عند أبي يوسف . وقال زفر : له أن يرجع ; لأنه لا زيادة في عين الموهوب ، فهو كزيادة القيمة بتغيير السعر .

وقال أبو يوسف رحمه الله : تعلم الكتابة والخبز معني في العبد تزداد به ماليته ، فهو بمنزلة السمن ، بخلاف زيادة السعر ; فإن ذلك ينبني على كثرة الرغائب فيه ، إلا أن يكون معني في العين . والدليل عليه : أن صفة الكتابة والخبز يصير مستحقا للمشتري بالشرط ، ويثبت له الخيار عند فواته بمنزلة صفة السلامة عند إطلاق العقد . فبه يتبين أنه وصف في العين ، وكل شيء زاد فيه من غيره - نحو الثوب يصبغه ، والسويق يلته ، والثوب يخيطه - فالقول فيه قول الموهوب له ، بمنزلة البناء والغرس . وأما ما كان من حيوان : فالقول فيه قول الواهب بمنزلة الكبر في الخادم .

التالي السابق


الخدمات العلمية